كورونا في مصر: نظام العزل الذاتي يقترب

15 مايو 2020
تم تمديد الإجراءات المخففة لنهاية رمضان (زياد أحمد/Getty)
+ الخط -

يزداد الوضع الوبائي لانتشار فيروس كورونا المستجد في مصر سوءاً، بعدما تعطلت مساعي الحكومة لتشغيل مستشفيات فرز حالات الاشتباه وإحالة المصابين، المختصة بأمراض الصدر والحميات كمستشفيات عزل مطلع الأسبوع الماضي، بسبب ضعف الإمكانيات اللوجيستية والوقائية اللازمة لرفع كفاءتها وتوفير عوامل الأمان والسلامة للطواقم الطبية بها. وتسبب هذا الأمر في تأخير دخول 35 مستشفى لمضمار عيادة الحالات الموجبة، واستمرار مستشفيات العزل الحالية فقط في الخدمة وهي ممتلئة عن آخرها تقريباً، وبلغت نسبة الإشغال بشكل يومي في معظمها 100 في المائة، إلى حد وصف مصدر بديوان الصحة للوضع فيها بأن "المصاب الذي يخرج يدخل مكانه مصاب آخر في اللحظة نفسها من دون تحضير أو إخطار مسبق".

وبحسب المصدر نفسه، فإن الأيام الثمانية الماضية شهدت ارتفاعاً مطرداً في عدد المصابين الذين تم إجراء تحليل لهم، وظهرت عيناتهم موجبة للفيروس، وليس لهم أسرّة متاحة في مستشفيات العزل، ما أصبح مصطلحاً على تسميته داخل الوزارة بـ"قائمة الانتظار". وأوضح أنه تم وضع معايير لسرعة التصرف بنقل الحالات المصابة التي ليس لها مكان عاجل في مستشفيات العزل، بحيث يتم عزلهم منزلياً لحين إتاحة مكان في أقرب مستشفى بمحافظات الإقليم، أو الإقليم المجاور، ويكون نقل المصابين لمستشفيات العزل بأولوية السن الأكبر، وخطورة الأعراض. وتحال الحالات ذات الأعراض الأبسط والأعمار الأقل إلى مراكز ونزل الشباب، التي كانت قد أعدت بالأساس ليحال إليها المصابون المتماثلون للشفاء وليس المصابون الجدد. ووفقاً للمعايير نفسها، يأتي أعضاء الطواقم الطبية في ذيل الأولويات، بحجة أنهم أقدر على عزل أنفسهم منزلياً بصورة جيدة وبمخالفات أقل.

كما شهدت الفترة ذاتها مؤشرات مقلقة للدولة، على رأسها ظهور إصابات في أماكن على قدر عالٍ من التأمين والتعقيم، كمجلس النواب، بإصابة النائبة شيرين فراج، ووزارة الصحة بإصابة نيفين النحاس مديرة المكتب الفني للوزيرة. وكشف المصدر أنه تم تسجيل نحو 15 إصابة بين ضباط وطلبة بكليتين عسكريتين، تم حجزهم في مستشفى حميات ألماظة. وتم تسجيل إصابة في مبنى تابع لمجلس الوزراء بوسط القاهرة، وإصابة أخرى في الجامعة الأميركية.

وفي ظل هذه التطورات التي لا تتفق بالطبع مع الأرقام المعلنة خلال الأيام الأربعة الأخيرة، من انخفاض ملحوظ في عدد المصابين إلى أقل من 350 يومياً، بعدما كانت الحالات تلامس 500، أرجع المصدر انخفاض العدد إلى "خفض كبير في عدد تحاليل PCR والمسحات التي تؤخذ من حالات الاشتباه يومياً، بعدما كان الرقم اليومي لتلك التحاليل قد وصل إلى 5 آلاف في بعض الأيام خلال الأسبوعين السابقين". وكشف أن النيّة تتجه إلى انتهاج نظام العزل المنزلي للمصابين الذين لا تظهر عليهم أي أعراض، أو تظهر عليهم الأعراض الأولية فقط، والاكتفاء بتحويل المصابين فوق الخمسين عاماً، وذوي الحالات المرضية المزمنة، فقط إلى مستشفيات العزل، وذلك ابتداء من أول يونيو/حزيران المقبل.

وإذا انتهجت مصر هذا النظام فسوف تكون قد تخطت رسمياً المرحلة الثالثة لانتشار الوباء، ودخلت المرحلة الرابعة التي يصعب فيها استكشاف الحالات الصفرية لمجموعات المصابين ومسارات العدوى، خصوصاً أن توقعات الطب الوقائي تُرجح أن يؤدي عدم الالتزام بقواعد العزل المنزلي بدقة إلى انتكاسة كبيرة وزيادة غير متوقعة، ولا محتملة، في أعداد المصابين. وأوضح المصدر أن المشكلة الأساسية الآن تتمثل في ضعف البنية التحتية للمستشفيات والمنشآت الصحية المصرية، التي لا تستطيع الصمود وقتاً أطول، لا سيما مع استمرار فقدان الطواقم الطبية جزءاً من قوتها، بحالات الإصابة والاشتباه والعزل المنزلي، وتعدد إضرابات الممرضين والعاملين بالمستشفيات غضباً من سياسات الإدارة، ودخول الأطباء في خلافات عديدة مع الوزارة، كان آخرها تعليمات بعدم إجراء تحاليل PCR لحالات الاشتباه والمخالطة للإصابات بين الطواقم الطبية إلا لمن تظهر عليهم الأعراض، بما يعكس اتجاه الحكومة لخفض عدد التحاليل اليومية، وفرض قيود إضافية على إجرائها للأفراد على خط المواجهة الأول.


ولن يكون العزل المنزلي هو الإجراء الوحيد الجديد الذي سيطبق قريباً. فبحسب المصدر سوف يقترن بإجراءين آخرين مهمين على المستوى الصحي، الأول هو إعادة فتح المستشفيات العامة والمنشآت الطبية الحكومية بجزء كبير من طاقتها تمهيداً لعودة تدريجية، ما سيخلق مساحة جديدة لنقل العدوى، لم تكن موجودة منذ نهاية مارس/آذار الماضي. والإجراء الثاني هو تخصيص أقسام، أو أدوار، داخل المستشفيات الحكومية العامة لمصابي كورونا، ما يثير أيضاً تخوف الأطباء والممرضين من ضعف التجهيزات والتدابير الوقائية. فعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من تعليمات إدارة مكافحة العدوى للمستشفيات بتوفير الكمامات والقفازات وغيرها من وسائل الوقاية، فإن معظم المستشفيات تشكو من نقص حاد بها، كما أناطت الوزارة بشخصيات معينة داخل كل إدارة صحية توزيع تلك الواقيات على المستشفيات، ما أدى إلى صعوبة الحصول عليها، ما يضطر كثيرين من أعضاء الطواقم الطبية لشراء الواقيات على حسابهم الشخصي.

ويبدو أن رفع كفاءة المستشفيات وقدرة استيعابها بشكل حقيقي ليس على خريطة اهتمام الحكومة في الوقت الحالي، فالخطة التي نشرتها وزارة الصحة، منتصف ليل أمس الأول والتي تتضمن مئات البنود لتحديد كيفية التعايش العادي مع الوباء في جميع الأنشطة الإنتاجية والسياحية والحكومية، لم تشر من قريب أو بعيد إلى القطاع الصحي، الدي تم إنهاكه. ولم تعلن الوزارة رسمياً عن الخطة، التي يمكن وصفها بالكبيرة، مكتفية بنشرها من دون تعليقات أو تقديم على موقعها الإلكتروني، وهو ليس من المنصات التي تحظى بمتابعة كبيرة، في تصرف مثير للتساؤلات، لا سيما أن نشرها جاء بعد ساعات من تحذيرات وجهها ممثل منظمة الصحة العالمية في القاهرة جون جبور للدول التي تسارع للانفتاح في مواجهة الفيروس من دون أن تكون مسلحة بقدرات كاملة تعينها على الترصد والتحليل الكثيف والعلاج، موضحاً أنه لا يمكن الاعتراف بتحسن الأوضاع في أي دولة إلا بعد انخفاض، ثم ثبات معدلات الحالات في جميع أنحائها.

وتتضمن الخطة التي كانت الحكومة، قد كلفت وزيرة الصحة هالة زايد، بإعدادها بنوداً عديدة غامضة من حيث إمكانية تطبيقها في مصر، ومن حيث مدى واقعيتها، على ضوء الكفاءة الفنية والاقتصادية للدولة، مثل إلزام جميع المواطنين بارتداء الكمامات لأكثر من شهر ونصف الشهر، في الوقت الذي تراجعت فيه الحكومة عن فرض تسعيرة جبرية للكمامات والكحوليات لمدة شهرين، بعد ضغط من كبار مستوردي وموزعي ومصنعي تلك السلع، وغضبهم من ضعف المردود المالي العائد عليهم، إذا تم تنفيذ قرار رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.

ومن بنود الخطة في مرحلتها الأولى، التي لم يعلن تاريخ بدئها، الفرز البصري والشفوي وقياس الحرارة لجميع الأشخاص قبل دخولهم المنشآت والمترو والقطارات، وإلزام أصحاب الأعمال والمولات ومحطات المترو بوضع وسائل تطهير الأيدي على أبوابها، والحفاظ على كثافة منخفضة داخل المنشآت والمحال التجارية، وفتح دور السينما والمسارح والكافيهات أو أي أماكن ترفيهية، وعدم فتح صالات الجيم وقاعات الاحتفالات أو الاستراحات المغلقة بالأندية. كما تدعو لتخصيص عربة كاملة لكبار السن والحوامل في المترو، وتخصيص مقاعد خاصة إضافية لكبار السن والحوامل في جميع وسائل النقل الأخرى، وتشجيع الدفع الإلكتروني ونشر هذا السلوك بين المواطنين، وتشجيع الشراء الإلكتروني عن بعد، وخفض قوة العمل داخل كل منشأة إلى نسبة تتراوح بين 30 و50 في المائة، وتسيير حافلات أكثر للعمال لتقليل عدد الركاب في كل حافلة، وتشغيلهم على ورديات مختلفة، ووقف سياسة الاسترجاع للبضائع، وتخصيص حجر خاص ووحدات تطهير للسلع المستوردة والمباعة.

أما عودة الفنادق والمنتجعات السياحية للعمل فستكون بطاقة استيعابية لا تتجاوز 25 في المائة حتى أول يونيو/حزيران، وزيادتها إلى 50 في المائة بعد ذلك، مع حظر الحفلات والأفراح والأنشطة الترفيهية الليلية وتخفيض إجازات العاملين إلى مرة كل شهرين، والتحليل السريع للأجانب عند الدخول، واشتراط إجراء تحليل PCR حديث قبل السفر، وتخفيض الإشغال في الغرف والمباني والمصاعد. وسبق أن تجاهلت الحكومة مناشدة العديد من الجهات تشديد الحظر. ومددت الخميس الماضي تطبيق إجراءاتها المخففة منذ بداية رمضان، إلى نهاية الشهر، ليستمر التجوال من التاسعة مساء وحتى السادسة صباحاً، بعدما كان يبدأ في الثامنة مساء، فضلاً عن إعادة تشغيل المحال التجارية والحرفية والمراكز التجارية (المولات) يومي الجمعة والسبت. وأعادت تشغيل الخدمات الحكومية تدريجياً، بعودة عمل بعض المصالح جزئياً، كالشهر العقاري والمحاكم والمرور من الأحد الماضي.

المساهمون