كورونا في فلسطين: تغطية عدوّ لا تراه

20 مارس 2020
تغييرات جذرية في الحياة اليومية (حازم بدر/ فرانس برس)
+ الخط -
بين ليلة وضحاها انقلبت الأجندة الإعلامية، بعد الإعلان عن أول إصابات بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بالضفة الغربية المحتلة في الخامس من الشهر الجاري، وأصبح الوباء بأخباره وإصاباته يتصدر كل مواقع الأخبار ومجموعات الصحافيين على شكل أخبار عاجلة أو تقارير وقصص أو استفسارات.
الصحافيون الفلسطينيون الذين اعتادوا على تغطية اقتحامات قوات الاحتلال الإسرائيلي لمدنهم وبلداتهم، استبدلوا ملابس السلامة المهنية من خوذة ودرع بكمامة وقفازات، ولم تعد اللقطة الأقرب هي الأفضل، بل أصبحت البعيدة هي الأسلم، بحسب إجراءات السلامة للتخفيف من احتمال الإصابة بفيروس كورونا المستجد. أما إجراءات التعقيم والخوف من "كوفيد-19"، فتحولت إلى إجراء يومي ليس على مستوى شخص الصحافي وإنما معداته أيضاً من كاميرا وصولاً إلى المايكروفون والحاسوب والهاتف الشخصي.

وباتت إجراءات السلامة بالنسبة للمصورين والمراسلين الصحافيين في فلسطين مختلفة عما كانت في السابق. ويقول المصور الصحافي إياد حمد لـ"العربي الجديد": "لدينا تعليمات بعدم الاقتراب والتصوير من مسافة قريبة، وضرورة ارتداء القفازات وتعقيم اليدين بشكل متواصل". بالنسبة لحمد، فإن تغطيته على مدار عشرين عاماً الماضية في كل الوطن العربي كانت مختلفة عن هذه المرة، فيضيف: "هذه أول مرة أغطي في ظل هذه الظروف ومع قاتل على شكل فيروس لا تراه عين الكاميرا".
وتحولت الأخبار وأهميتها، فالمصور الصحافي إياد حمد الذي يعيش في بيت لحم، وأصيب عشرات المرات خلال تغطيته اعتداءات الاحتلال الإسرائيلي، يقول: "تحولت الأخبار كلها إلى تغطية فيروس كورونا، كنا نغطي مواجهات وإطلاق رصاص وقنابل غاز ونعرف مصدر وجهة إطلاق النار والخطر المحدق بنا كصحافيين ونحن نغطي. أما اليوم نحن نصور عدواً مجهولاً لا تراه ولا تعرف هل هو مختفٍ على مقعد السيارة، أم في كف صافحتها، أم على أي شيء لمسته وأنت تستعد للعمل والتصوير وأنت غير منتبه".
أما المصور حازم ناصر من فضائية النجاح والذي يعيش في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية التي كانت ثاني مدينة في الضفة المحتلة ظهرت فيها إصابات، يقول لـ"العربي الجديد": "هذه أول مرة أقوم بالعمل في أمر يخص مرض، منذ أيام ونحن لا نغطي إلا ما يتعلق بالكورونا، سواء إصابات أو مؤتمر صحافي أو حالات وغيره. لقد أصبح ذلك روتين عملنا اليومي، وهذا أمر غريب وغير معتاد".
في السابق، اعتاد ناصر على التغطيات التي تتعلق بالاحتلال وما يتعرض له الصحافيون من إمكانية إصابة بالرصاص والاختناق، أما اليوم فإن الصحافيين، بحسب ناصر، يفكرون في عائلاتهم في حال سهوا خلال تغطية إصابة وانتقلت العدوى إليهم. ويقول: "العمل أصبح أصعب واحتكاك المصورين مع الناس كثير، لكن لدينا مهنة ورسالة ويجب أن نؤديها في كل الظروف".

الضغط بساعات العمل كان كبيراً بالنسبة لحمد وزملائه الصحافيين وتحديداً في مدينة بيت لحم، حيث كانت المدينة الفلسطينية الأولى التي أعلن فيها عن إصابات بالفيروس. ويقول حمد: "الضغط كان في الأيام الأولى بمدينة بيت لحم حينما أعلن عن الإصابات، وكنا كمصورين صحافيين ننتظر إخلاء المدينة من السياح، الأمر الذي استغرق ساعات طويلة، لكن ما يخفف الضغط والحمد لله، أنه لا يوجد لدينا وفيات حتى الآن، إذ ما زلنا نتعامل مع إصابات واشتباه بإصابات تحت الفحص والحجر".

وتعيش الصحافيات الأمهات أوقاتاً صعبة ما بين التوفيق بين عائلاتهن وعملهن، لا سيما بعد وضع الطوارئ الذي أغلقت بموجبه جميع المدارس والجامعات. وتقول المذيعة ريم عمري: "الأطفال مسؤولية الأم، هذا هو عرف المجتمع، وفي ظل هذا الوضع صعب بات على الصحافية تأدية عملها الصحافي والاهتمام بالأطفال الموجودين في المنزل دون مدارس أو روضات نتيجة إعلان حالة الطوارئ بعد ظهور الإصابات بكورونا في بيت لحم".
وتعمل عمري التي تقدم برنامجاً إذاعياً صباحياً في ظل أجواء ضاغطة إلى حد كبير، إذ تقوم بعملها كل يوم من تحضير وتقديم البرنامج، ثم تقوم بتحضير أجندة برنامج اليوم التالي وضيوفه لتعود لأطفالها سريعاً، دون أن يؤثر ذلك على جودة عملها، لكن نفسياً وصحياً بات الوضع ضاغطاً عليها لتوفق بين كل هذه المهام في أجواء من الطوارئ.

وإلى جانب الصحافيات الأمهات، هناك أيضاً الصحافيون الأحرار (يعملون على القطعة)، والذين تضرر عملهم بشكل كبير بسبب إما اقتصار التغطية على الفيروس، أو بسبب إغلاق مرافق الضفة الغربية من مقاهٍ وغيرها، حيث كانوا يعملون لاستخدام الإنترنت وإرسال موادهم الصحافية، ما يزيد من صعوبة عملهم من جهة، ويضعف دخلهم المالي من جهة أخرى.

ومع العمل الصحافي المضني في تغطية كل ما يتعلق بتطورات فيروس "كورونا"، بدأت الحكومة الفلسطينية منذ اليوم الثاني للإعلان عن الحالات، بتنظيم مؤتمرين صحافيين يومياً للناطق باسم الحكومة إبراهيم ملحم، الأول في الحادية عشرة صباحاً والثاني في السادسة مساءً، حيث يحرص ملحم على تزويد الصحافيين بكل المعلومات المستجدة عن أية إصابات جديدة ومستجدات وضع المرضى ومن هم تحت الحجر الصحي.
وتقول المذيعة ريم العمري، من إذاعة "وطن" المحلية لـ"العربي الجديد"، "في أول يومين كان الصحافيون فريسة الشائعات والبحث عن المعلومة الصحيحة، لكن سرعان ما رتبت الحكومة الأمر بالمؤتمرات الصحافية الثابتة مرتين يومياً، فتم ترتيب الأمر". وتؤكد أن ما تقوم به الحكومة حالياً، أمر جيد يحسب لها، وهو سيطرتها على موضوع الشائعات.

وأظهرت الحكومة الفلسطينية حزماً غير مسبوق في القضاء على الشائعات المتعلقة بانتشار فيروس كورونا عبر اعتقال مروجيها وتحديداً الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يؤكد المتحدث باسم الشرطة الفلسطينية العقيد لؤي ارزيقات لـ"العربي الجديد" أنه تم اعتقال أكثر من 16 مواطناً لترويجهم الشائعات وإثارة الذعر بما يتعلق بفيروس كورونا.
ويشدد ارزيقات على أنه "لا يوجد تساهل مع جريمة نشر الشائعات وإثارة الذعر بين المواطنين، ولدينا وضع طوارئ يحتم علينا التعامل مع هذه الجرائم التي تؤثر على الشارع سلباً ولا أساس لها من الصحة بحزم كبير، وتم تحويل جميع المعتقلين إلى النيابة العامة لاتخاذ المقتضى القانوني بحقهم".
المساهمون