بينما يعاني الشمال السوري من ضعف المنظومة الصحية ونقص الدعم، زاده فيروس كورونا تأزماً، إذ إنّ الجهوزية غير كافية للتصدي للفيروس الذي يعرّض الطواقم الطبية للإصابة به قبل غيرهم من السكان، وقد التقط بعضهم بالفعل العدوى أخيراً
الكوادر الطبية والمساعدة في مناطق الشمال الغربي لسورية، الخاضعة لسيطرة فصائل مسلحة معارضة مدعومة من تركيا وأخرى متشددة، هي الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا الجديد، الذي تأخر في الوصول إلى هذه المناطق. وهذا الأمر لا يرتبط بتأويل أو توقع، بل إنّ الوقائع تشير إلى أنّ العدوى انتقلت من أحد الأطباء الآتين من تركيا إلى ستة أشخاص من الكادر الطبي، قبل أيام.
وبالرغم من توفر وسائل الوقاية الرئيسية في المنشآت الطبية من كمامات وقفازات ومواد تعقيم فإنّ عدم وصول الفيروس إلى تلك المنطقة طوال الأشهر الأخيرة، أسس لحالة من اللامبالاة، و"هي مشكلة اليوم الأساسية"، بحسب مسؤول الرقابة الدوائية والصحة الأولية في مديرية صحة حلب، الدكتور حسام العلي. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "المخاطر اليوم ليست بالسيطرة على انتشار الفيروس بين الكادر الطبي المصاب، فهو يمتلك الوعي الكافي للتعامل مع الإصابة، كما أنّ هذه الإصابات زادت نسبة الالتزام والتعامل بشكل جدي مع الإجراءات الوقائية من الفيروس. لكنّ المخاطر تكمن في المجتمع، فإلى جانب اللامبالاة هناك ضعف في الإمكانات، وعدم انتشار للوعي بأهمية الالتزام بالإجراءات الوقائية".
يلفت إلى أنّ "الاحتياجات كبيرة جداً، فعلى سبيل المثال مراكز العزل كانت هناك خطة لإنشاء 26 مركز حجر، وحتى اليوم هناك خمسة منها فقط، وهناك مختبر تحليل واحد يعاني من ضغط كبير عليه، بالرغم من أنّه كان من المفترض إنشاء مختبر في منطقة أعزاز لكن لم يتمّ ذلك". يتابع: "في حال تفشي الفيروس، سنكون أمام كارثة صحية، فالدول التي تمتلك نظاماً صحياً سليماً وكوادر كافية، لم تستطع السيطرة على هذا المرض". ويعتبر أنّ "خط الدفاع الأول عن المجتمع والكادر الطبي خصوصاً، الالتزام بوسائل الحماية والإجراءات الوقائية، والتأكيد من قبل المنظمات على الكوادر الطبية العاملين في المنشآت الطبية على الالتزام بالإجراءات الوقائية وتأمين وسائل الحماية لهم، بالإضافة إلى التدريب المتكرر للعاملين في خيم الفرز والعزل في المنشآت الطبية والمعابر الحدودية على وجه الخصوص".
مقدمو الخدمة الصحية، وفي طليعتهم الأطباء، معرضون لخطر الإصابة بفيروس كورونا أكثر من غيرهم، لأنّهم خط الدفاع الأول تجاه الفيروس، والمخالطون الأوائل للمصابين، بالإضافة إلى وجودهم في أماكن موبوءة، بحسب الدكتور عبد الله القاسم، مسؤول الرقابة الدوائية في مديرية صحة حلب. يقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الخطر الأكبر هو في كمية الفيروسات التي يتلقاها الشخص، فما قد يصل عن طريق الهواء أو ملامسة سطح مرّ على وجود الفيروس عليه زمن، يختلف عن الكمية الناتجة عن سعال أو عطاس مباشر من مصاب، وهنا قد تكون الكمية الفيروسية قاتلة، لذلك تخفف وسائل الحماية من شدة خطر الفيروس". ولا تقي الكادر الطبي من الإصابة الكمامات العادية "بل يجب أن تكون من نوع خاص، مثل الكمامات الجراحية المانعة للفيروسات"، بحسب القاسم، "بالإضافة إلى بدلات الوقاية والمعقمات الكحولية، والتركيز على التباعد الاجتماعي، وهذه ليست وسائل حماية مطلقة لكنّها مع ذلك تقلص احتمال الإصابة". أما في حال تابع الفيروس انتشاره، يقول القاسم: "ستكون الاحتياجات كبيرة جداً، من مراكز الحجر إلى مستشفيات خاصة للمعالجة، ومختبرات تحليل مجهزة بأجهزة قادرة على إعطاء نتائج دقيقة، ومراكز استقصاء شعاعي وأجهزة طبقي محوري، والمهم توفر الأدوية خصوصاً تلك المخصصة لعلاج المصابين، وأجهزة تنفس اصطناعي ومركز إنتاج الأوكسجين، فكثير من هذه الاحتياجات متوفرة لكن بكميات غير كافية".
من جانبه، يقول مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية صحة إدلب الدكتور أنس دغيم، لـ"العربي الجديد"، إنّ "وسائل الوقاية الخاصة بالكادر الطبي مؤمّنة بشكل كامل، بالإضافة إلى مواد التعقيم والمواد الكحولية". يضيف: "يجري التدريب في المنشآت الطبية على برنامج ضبط العدوى، وذلك بعد تعميم بروتوكول صحي خاص بالتعقيم في جميع المنشآت".
وبدوره، يقدّر رئيس قسم الدراسات في مديرية صحة حلب، محمد سعيد اليوسف، في حديث إلى "العربي الجديد"، نسبة الالتزام باستخدام وسائل الوقاية من قبل الكادر الطبي بنحو ثمانين في المائة، لافتاً إلى أنّ "قسماً من الكوادر الطبية يشعر بالخوف من احتمال تفشي الفيروس بسبب الاستهتار من قبل المجتمع، خصوصاً أنّ غالبية الكادر الطبي تعمل بأكثر من مركز على مدار الأسبوع". ويعتبر أنّ "عدم وصول التمويل المخصص لمواجهة كورونا إلى اليوم قد يزيد من سوء الوضع، فهناك خمس مستشفيات عزل جاهزة، هي كفرتخاريم وسيما، فيهما 40 سرير عزل و10 أسرة عناية مشددة مع 10 أجهزة تنفس، وفي إدلب المدينة مستشفى الداخلية ومستشفى الزراعة، وفيهما 25 سرير عزل، من بينها 10 أسرّة عناية، بالإضافة إلى 12 جهاز تنفس. وفي الدانا هناك مستشفى شام، بعشرين سرير عزل، و8 أسرّة عناية مشددة مع 8 أجهزة تنفس، علماً أنّ الخطة كانت تتحدث عن 26 مركزاً".
ويشير إلى أنّ "منطقة الشمال مقبلة على كارثة حقيقية، إذ بدأت الإصابات بين الكوادر الطبية. والمنطقة غير معتادة على علاج مرضى فيروس كورونا الجديد في ظل النقص الكبير بالدعم والكوادر المختصة، حتى أنّ إحدى المنظمات عينت طبيباً بيطرياً لضبط العدوى، وفنيي بيطرة كممرضين، فيما غياب الكوادر الطبية عن كثير من المنشآت يدفعها إلى الامتناع عن استقبال الحالات المشتبه بإصابتها بفيروس كورونا، ليجري تحويل تلك الحالات إلى مراكز أخرى".
ويختم أنّ "هناك حالات تنفذ حجراً ذاتياً في المنازل ليوم أو أكثر، وسرعان ما يعود أصحابها إلى حياتهم الطبيعية ومخالطة الناس، وذلك بسبب غياب الرقابة، فيما الكارثة هي الازدحام بالأسواق وعند المخابز، مع لامبالاة واضحة من السكان، بالرغم من تسجيل إصابات جديدة".