كورونا السودان... فقراء يعتمدون على المساعدات

16 مايو 2020
حظر تجوّل تام (عمر إيرديم/ الأناضول)
+ الخط -

ليس لدى الفقراء في السودان أي مدخرات يعتمدون عليها، في ظل توقف أعمالهم نتيجة حظر التجول للحد من انتشار فيروس كورونا الجديد. تزداد أوضاع هؤلاء سوءاً، ويعتمد بعضهم على ما يحصلون عليه من مساعدات 

يتفاوت تأثير حظر التجول على فئات المجتمع المختلفة. في السودان، كان لهذا الإجراء الذي اتخذته البلاد للحدّ من تفشي فيروس كورونا تأثير كبير على الفقراء. وتزداد مخاوف هؤلاء من تمديد متوقع للحظر لأسابيع. يقول موسى أبكر، وهو شاب في الثلاثينيات من عمره، والذي نزح من دارفور حيث تدور منذ سنوات حرب أهلية، إنه يجلس تحت ظل شجرة في وسط الخرطوم ويبيع السجائر وبطاقات شحن الهواتف والمناديل الورقية والقليل من الحلويات وأشياء أخرى بسيطة، ولا يتجاوز ربحه في اليوم الواحد نحو ثلاثة دولارات أميركية. وفي نهاية الشهر، يرسل جزءاً من المبلغ لأسرته في ولاية شمال دارفور، ويصرف بقية المبلغ على مأكله ومشربه ومسكنه وملبسه. يقول لـ"العربي الجديد": "الحياة توقفت تماماً بالنسبة إلي بعد قرار الحكومة فرض حظر التجول الشامل، وإغلاق المحال التجارية"، مشيراً إلى أنه لم يعد لديه المال، وقد اضطر للتوجه إلى أطراف الخرطوم للسكن مع أقربائه حتى يحصل على الطعام.

ويوضح أبكر أنّ الحكومة، وقبل أيام من فرض حظر التجول، طلبت من المواطنين تسجيل أسمائهم ومناطق سكنهم حتى تتمكن من الوصول إليهم ومدهم بالمواد الغذائية خلال فترة توقف أعمالهم، إلا أن ذلك لم يحدث مطلقاً على الرغم من قرب انتهاء فترة الحظر، مبدياً خشيته من تمديد الحظر قبل إيجاد حلول للفقراء.

أما مجتبى محمد، وهو صاحب محل تجاري صغير في مدينة أم درمان، فيشكو مما حل به من جراء حظر التجول، مشيراً إلى أن شهر رمضان هو أحد المواسم المهمة بالنسبة إليه ولغيره من التجار، إلا أن حظر التجول أثّر على الحركة التجارية. وتقول أمينة علي، صاحبة مقهى ومطعم شعبي، إن الحكومة لم تجتهد في إيجاد الحلول والبدائل للعائلات الفقيرة، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أنّها تعيل أسرة من سبعة أفراد. وتسأل: "كيف أعيلهم وأنا ممنوعة من العمل ومحجورة داخل منزلي، وربما أواجه دعوى قضائية من صاحب العقار في حال عدم سداد بدل الإيجار".



أيضاً، تراجع عمل سائقي "التكتك" أو ما يعرف في السودان باسم "الركشة". يقول السائق محمد أحمد إن السائقين يتعرضون لكارثة حقيقية بسبب حظر التجول، "وقد تقلص بدل دخلنا إلى 20 في المائة مما كان عليه في السابق ما لا يغطي تكاليف المعيشة اليومية، علماً أن معظمنا يعيل أسراً ويتكفل ويدخر المال لتأمين الأقساط الجامعية".

وكان للإجراءات تأثير على النساء أيضاً، خصوصاً بائعات الشاي في شوارع الخرطوم، وغالبيتهن نازحات من مناطق الحرب في أطراف البلاد ويقدر عددهن بالآلاف. هؤلاء وجدن أنفسهن بلا عمل بعد فرض الحظر ومنح إجازة للعاملين في القطاعين الخاص والحكومي، إلا أن بعضهن حاولن الاستفادة من الإفطارات الجماعية الرمضانية في أماكن عدة وقرب المستشفيات، للعمل.

فئة أخرى هي عاملات المنازل. هؤلاء يقطعن مسافات طويلة من أماكن سكنهن في أطراف العاصمة للوصول إلى البيوت التي يعملن فيها، وقد تأثرن بعد تعليق وسائل النقل العام خلال فترة الحظر. تقول شيماء عبد الله، وهي واحدة من المتضررات، إنها كانت تذهب من منطقة سوبا الأراضي (جنوب الخرطوم) لتنظيف المنازل في حيّ اركويت وحي الطائف بأجر يومي لا يقل عن مائة جنيه (نحو دولارين)، ما يساعدها على إطعام طفليها. لكنها باتت غير قادرة على الوصول إلى تلك المنازل، ما دفعها للجوء إلى أحياء قريبة من منطقتها، من دون أن تنجح في إيجاد زبائن. وتوضح لـ"العربي الجديد" أنها تخشى على أفراد أسرتها من الجوع أو الإصابة بكورونا، مع تزايد أعداد المصابين في اليوم الواحد، مطالبة الدولة بإعانتها في هذه الفترة الصعبة.

يريدون اللعب رغم الاجراءات (عمر إيرديم/ الأناضول) 


هذا الواقع دفع منظمات إلى تقديم دعم غذائي للنساء. وتقول هادية حسب الله، الناشطة في المجال الإنساني، إن منظمات تعمل في المجال الإنساني أنهت المرحلة الأولى من دعم النساء الفقيرات، من خلال تقديم مواد غذائية من دقيق وعدس وسكر ومعكرونة وزيت وبصل ولبن مجفف وعصائر لنحو 3000 امرأة لإعانتهن في هذه الفترة. تضيف لـ"العربي الجديد" أن المرحلة الثانية هي مد أقسام التوليد في المستشفيات والعاملات في مجال النظافة بالمواد الأساسية للوقاية من الفيروس.

وتتحدّث حسب الله عن ضرورة تضافر الجهود الرسمية والشعبية لدعم كل الشرائح الضعيفة في المجتمع، خصوصاً وأن النظام الحالي ورث أوضاعاً اقتصادية ومعيشية سيئة من النظام القديم، مبينة أن ذلك التضامن سيقود من دون شك إلى حماية المجتمع. وفي ما يتعلق بالمخاوف من تمديد حظر التجول، تقول إن هذه الخطوة تحمي المجتمع من الموت بسبب كورونا، وهذا ضروري على الرغم من الآثار السلبية لتلك الإجراءات على بعض الفئات.

وفي العاصمة السودانية الخرطوم، ينتشر أكثر من ثلاثة آلاف مشرد، خصوصاً في الوسط، ويعتمدون في غذائهم على فضلات المطاعم وما يرمى في سلات النفايات أو التسول. وخلال الفترة الأخيرة زاد من مأساة هؤلاء، لا سيما الأطفال، ظهور فيروس كورونا وإغلاق المطاعم.



وتحركت منظمات لمساعدة المشردين مثل منظمة "بت مكلي" القومية التي أعدت ستة مراكز رئيسية لإيواء نحو 179 منهم، من خلال تأمين مراكز لهم وثلاث وجبات ورعايتهم صحياً، مع تنظيم نشاطات أخرى. وتقول رئيسة المنظمة لبنى علي محمد عبد الرحمن، إن المنظمة تقدم 3 وجبات لأكثر من 600 مشرد، وتسعى في الوقت نفسه إلى تجهيز ملاجئ لآخرين.

وتضيف لـ"العربي الجديد" أن المنظمة بدأت نشاطها في مجال رعاية المشردين قبل ظهور جائحة كورونا، وحولت نشاطها كلياً بعد ظهور الوباء. وبالتعاون مع وزارة الأوقاف وإحدى الكنائس، نجحت في الحصول على مقار حولتها إلى ملاجئ في كل من أم درمان والخرطوم والخرطوم بحري، مشيرة إلى أن المنظمة جهزت ستة ملاجئ. وتقول إن هناك سعياً لتطوير المبادرة حتى بعد انتهاء كورونا، وتشييد مبانٍ من طوابق عدة تنهي الظاهرة تماماً في الخرطوم، مع تأجير مزارع ليكون المشردون جزءاً من دائرة الإنتاج في البلاد وليسوا عبئاً على المجتمع.