كورونا إيران... قصص إنسانية من قلب أزمة الوباء

12 مايو 2020
قصص كثيرة خرجت من المستشفيات (مجيد سعيدي/ Getty)
+ الخط -
تجاوزت إيران أقسى مراحل فيروس كورونا الجديد الذي أدى إلى إصابة عشرات الآلاف، ومقتل الآلاف في البلاد. لكنّ تلك الفترة بما حملت من مآسٍ، شهدت قصصاً إنسانية عدة، لا سيما في المستشفيات

مرّت نحو ثلاثة أشهر على الإعلان الرسمي عن تسجيل أولى إصابات فيروس كورونا الجديد في إيران الذي كان في التاسع عشر من فبراير/ شباط الماضي. خاض الإيرانيون في هذه الفترة تجربة جديدة في الحياة بأقسى الظروف، فأجبر الوباء العالمي الشعب الإيراني على تغيير كثير من عاداته اليومية وتقاليده، لكنّ ظروف تفشي الفيروس سجلت قصصاً إنسانية أيضاً، جسدت روح التعاون والعمل الإنساني، ما ساهم إلى حدّ كبير في تحمل آلام ومعاناة هذه المرحلة القاسية.

كانت المستشفيات الإيرانية أول الأماكن التي احتضت مثل تلك القصص الإنسانية في سبيل مكافحة العدو الكوروني، إذ وقفت الطواقم الطبية الإيرانية في الخطوط الأمامية في هذه المواجهة الصعبة، تحديداً في الأسابيع الأولى لتفشي المرض، عندما واجهه الأطباء والممرضون بلا حماية، بسبب النقص الحاد في المستلزمات الطبية الوقائية، فضلاً عن التفشي السريع للفيروس وتأخر السلطات في الإعلان عن انتقال العدوى. كلّ ذلك لم يمنعهم من مواصلة المهمة الإنسانية والتضحية، ليفقد أكثر من خمسين طبيباً إيرانياً أرواحهم حتى اليوم.



قبل أسابيع، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لوصفة طبية، غريبة من نوعها، شغلت الرأي العام الإيراني لتضمنها معانيَ إنسانية سامية، فالدكتورة، فريبا فراهي، بعد عملها الدؤوب في مستشفى "كامكار" في مدينة قم (بؤرة تفشي فيروس كورونا الجديد في إيران، وهي المدينة التي تضم مقامات شيعية مقدسة) في متابعتها لمرضاها، وجدت نفسها مضطرة أن تخطّ بيدها أوامرها الطبية بحق نفسها حاملة توقيعها: "الرجاء إدخال فريبا فراهي إلى المستشفى وإخضاعها للعلاج الفوري" بعد تأكدها من الإصابة بفيروس كورونا الجديد. قدر لا مفر منه، في ظلّ إصرارها على مدّ يد العون للمرضى المصابين بفيروس كورونا، في ظل نقص الأدوات الوقائية مثل الكمامات والألبسة الطبية الخاصة آنذاك، كما اشتكت من ذلك في رسالة قبل رقودها في المستشفى منتقدة السلطات على هذا التقصير الضروري والحاسم في حماية الأطباء.

عكست الصورة حجم التضحية والعمل الإنساني للطواقم الطبية، حسب تعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي، وذلك في ظروف تفشي فيروس كورونا الجديد بشكل سريع، قبل أن يهدأ وتستقر الأوضاع إلى حدّ كبير في الأيام الماضية. ولم تكن الدكتورة فراهي وحدها، التي سجّلت قصة إنسانية في أيام ذروة فيروس كورونا الجديد، في المستشفيات الإيرانية، فكثير من زملائها وزميلاتها من الطواقم الطبية الإيرانية، التزموا المستشفيات لأسابيع عديدة، رابطين الليل بالنهار، في سبيل إنقاذ أرواح مواطنيهم، بعيداً عن أسرهم، وسط ظروف عمل قاسية، وتعب شديد على مدار الساعة.



سجّلت الكاميرا بعض هذه اللحظات الصعبة، وكيف أجبر الإرهاق الشديد هؤلاء العاملون الطبيون على النوم على الأرض داخل المستشفيات. وانتشرت مقاطع فيديو عنها عبر شبكات التواصل الاجتماعي والتلفزيون الإيراني. كذلك، أنتجت أفلام وثائقية عن اللحظات التي عادت فيها الممرضات إلى بيوتهن وسط استقبال حار من أولادهن وأهاليهن، والدموع التي انهمرت، بعد إمضاء أكثر من شهر من العمل بعيداً عنهم، من بينها فيلم عن عودة الممرضة رومينا غلامي إلى بيتها في مدينة رامسر، شمالي إيران، واحتضانها طفلها الصغير عند بوابة البيت، بعد 32 يوماً كانت خلالها بعيدة عنه. هذه المقاطع المصورة أظهرت جانباً آخر من معاناة الطواقم وفي الوقت نفسه التضحية التي بذلوها من أجل حماية مجتمعاتهم.

إلى جانب عملهم الشاق المستمر، والمخاطر المحدقة بهم، لم تبخل الطواقم الطبية في تخفيف الأجواء الضاغطة على مرضى كورونا في المستشفيات من خلال ابتكار أعمال فنية، مثل الرقص الجماعي لتعزيز معنويات المصابين والزملاء، فانتشرت مشاهد الرقص الجماعية، التي تظهر فيها طواقم طبية تضع كمامات وملابس واقية في إطار حملة أو تحدي الرقص، أو ما بات يطلق عليه البعض "الرقص الكورونائي" نسبة إلى كورونا. وباتت هذه الحملة تنتقل من مستشفى إلى آخر في إيران، وهي حالة غير مألوفة وفي الوقت نفسه غير مسبوقة، كونها كسرت المحظور القائم خلال العقود الأربعة الماضية بعد قيام الثورة الإسلامية فيها.



لكنّ أبطال القصص الإنسانية التي خرجت من المستشفيات لم يكونوا من الطواقم الطبية والإدارية فحسب، بل المعلمون أيضاً، إذ اجتاحت صورة "إنسانية" أخرى وسائل الإعلام الإيرانية وشبكات التواصل الاجتماعي، يوم التاسع من مارس/آذار الماضي، فأظهرت معلمة مصابة بكورونا تدرّس عبر العالم الافتراضي تلميذاتها في الصف السادس الأساسي، بينما هي راقدة في مستشفى "جلال آل أحمد" بمدينة عبادان، جنوبي غرب البلاد. ولم يفصل كورونا بين المعلمة، شكر اللهي، وتلميذاتها، لتعمل على طرح أسئلة الرياضيات وترسلها لهن عبر تطبيق "واتساب" بالرغم من وضعها الصحي الصعب، وفقاً لما أوردته وكالة "تسنيم" الإيرانية. وقالت المعلمة إنّ حبها التعليم والتلاميذ هو الدافع الحقيقي لها للاستمرار فيه، وإن من سرير المستشفى.

كذلك، قررت ممرضات إلغاء حفلات زفافهن، في أيام لم تكن التجمعات محظورة فيها بعد في إيران بسبب تفشي الفيروس، وذلك بغية خدمة المصابين بكورونا. ومن هؤلاء الممرضات، مريم مرادي، من مدينة دلفان، غربي إيران. ونقلت وكالة "إرنا" الإيرانية عن العريس أنّه وخطيبته قررا إلغاء الحفل، الذي كانا قد حضّرا له على مدى أشهر وحجزا الصالة ووزعا بطاقات الدعوة، مضيفاً أنّ السبب وراء ذلك هو عمل العروس في المستشفى كممرضة، وخشيتها من تأثر عملها في خدمة المواطنين، فضلاً عن كونه تدبيراً وقائياً لمنع انتشار كورونا من خلال الحفل.



قصة الممرضة آمنة أنتوتن، أصبحت أكثر شهرة، إذ أشار إليها المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، في إحدى كلماته. أنتوتن رئيسة قسم التمريض في مستشفى "مسيح دانشوري" بالعاصمة طهران، أعلنت في الأيام الأولى لتفشي فيروس كورونا الجديد في البلاد، عن تأجيل انتقالها إلى بيتها الجديد، أي بيت الزوجية، للتركيز على عملها في المستشفى، الأمر الذي لقي استحساناً كبيراً في الشارع الإيراني. وفي تغريدة على "تويتر" ذكر مستشار وزير الصحة الإيراني، علي رضا وهاب زاده، قصة هذه الممرضة، مشيراً إلى أنّها أجّلت زواجها شهرين، معلقاً: "فلنعرف أبطالنا".

أما خارج المستشفيات، فسطّر البعض بطولات من نوع آخر في مواجهة كورونا، خصوصاً في مجال توفير المستلزمات الطبية، مثل إنتاج الكمامات والمعقمات، بعدما واجهت إيران نقصاً حاداً فيهما في الأسابيع الأولى. وشمرت أسر ومجموعات شبابية عن سواعدها، وحوّلت بيوتها إلى معامل إنتاجية لهذه الأدوات الضرورية. من بين هؤلاء مجموعة شباب في مدينة آمل، شمالي البلاد، قررت، وفقاً لتقرير من صحيفة "همشري" الإيرانية، صنع المعقمات، وتوزيعها مجاناً، في الوقت الذي كان فيه آخرون، على المقلب الآخر، يحتكرون هذه المواد لبيعها بأسعار باهظة في السوق السوداء. ونقلت الصحيفة عن إسماعيل مدني، أحد أفراد الفريق، قوله إنّ هذه المجموعة الشبابية تنتج يوميا 7 آلاف لتر من المعقمات تحت إشراف متخصصي الكيمياء، مؤكداً أنها ستواصل هذا العمل الإنساني إلى أن تعود الأوضاع إلى طبيعتها.



إلى ذلك، حوّلت أم إيرانية مشغل الخياطة الخاص بها، في مدينة أراك، وسط البلاد، منذ تفشي فيروس كورونا، وبالتعاون مع جميع أعضاء الأسرة، لإنتاج الكمامات وتوزيعها بين المواطنين في المدينة مجاناً. تقول محرم خاني، للتلفزيون الإيراني، إنّها بعد تفشي الفيروس، ونفاد الكمامات، قررت أن تنتج بنفسها كمامات لأعضاء أسرتها، مشيرة إلى أنّ "ابنتي تعمل ممرضة في مستشفى أراك وابني يعمل في جامعة العلوم الطبية، وعندما رأيا كماماتي، طلبا مني إنتاج المزيد وتوزيعها بين الناس بسبب النقص الحاد فيها، فرحبت بذلك وعملت عليه". تضيف خاني أنّها بعد الحصول على التراخيص الصحية اللازمة من السلطات، وتعقيم الأجهزة ومكان العمل، بدأت بإنتاج كميات كبيرة من الكمامات وتوزيعها بين المواطنين، مشيرة إلى أنّ بعض المحسنين شاركوا أيضاً في توفير القماش.