كوارث قبل جائحة كورونا

28 يوليو 2020
إغلاق المدارس في لبنان بسبب كورونا (جوزيف عيد/ فرنس برس)
+ الخط -

بالحديث عن جائحة كورونا في العالم العربي يجب الانطلاق مما كانت عليه الأوضاع قبل ظهور وانتشار الوباء في العالم ومنه دولنا ومجتمعاتنا. وهنا لا بد من مقاربة مختلفة بعض الشيء بفعل تأثير الأوضاع السياسية المتفجرة فى المنطقة العربية على قطاع التعليم. بداية لا بد وأن نشير إلى أن هذا القطاع لم يعرف يوماً ثورة بالمعنى الفعلي للكلمة بمعنى تحولات كبرى في بُنيته، إذ ما شهده على امتداد المراحل منذ الاستقلالات، لا يعدو أن يكون مجرد محاولات لتكييف الهياكل القديمة مع المستجدات والتحولات. وعليه يمكن أن نرى وزارات التربية والتعليم العالي لا تختلف في كثير أو قليل عن سواها، بما هي مجال للتعليم العام وللتوظيف غير المخطط إن لم نقل العشوائي، وليست مجمعاً للإبداع المنهجي الفكري والثقافي بما ينعكس إيجاباً على العملية التعليمية وعناصرها وينقلها من حال إلى حال. 
إذن يمكن وصم هذه الوزارات بأنها مجرد إدارة مثلها مثل باقي الإدارات العامة من حيث البنية والتركيب والفاعلية والتأثير. والملفت أن معظم السلطات تعتبر الجيش وأجهزة الأمن أولوية أولوياتها، وبناءً على مقولة الأمن أولاً، تتصرف على أن وزارة التربية والتعليم العالي شر لا بد منه، ولذلك توضع من حيث الموازنات العامة والاهتمام والتقدير المهني والوظيفي والاجتماعي في أسفل الاهتمام. وبناءً عليه، ليس غريباً أن يكون المعلمون والأساتذة في أدنى المراتب الاجتماعية والمادية، خلاف ما هو عليه الوضع في الدول المتقدمة التي تفرض عليهم مقابل الامتيازات والضمانات والتقديمات الخضوع لدورات تدريبية مستمرة، ورفع معدلات التأهيل لديهم باستمرار كي يستطيعوا مجاراة تطور العلوم والمعارف، معطوفاً على تقويم سنوي لكفاءاتهم وعطاءاتهم لتحديد الصلاحية والملاءمة للقيام بالمهام التعليمية. 

وبالعودة إلى أوضاع التعليم فى المنطقة العربية لا بد من القول إنه خلال العقد الأخير شهدت معظم الدول العربية صراعات وتفجرات تركت تداعياتها على جملة المنطقة العربية، وإن كانت مختلفة بعض الشيء بين دول الجامعة. ومن دون عودة بعيدة إلى الوراء يمكن القول إنه منذ أن أحرق البوعزيزي نفسه في تونس، والمنطقة العربية تعيش مخاضاً لم يرسُ بعد على شاطئ. ولا شك أن ذلك ترك آثاره الواضحة على قطاع التعليم، وإن بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، بين الدول، كما بين القطاعين العام والخاص. ففي دول مثل ليبيا والجزائر وموريتانيا واليمن وسورية والعراق ولبنان والأراضى الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، يمكن القول إن العملية التعليمية عانت من حال فوضى نموذجية تقريباً بفعل الحروب والاضطرابات الأمنية على حد سواء. في الجانب الموازي وحتى في الدول المذكورة، ظهر أن تفاعل القطاعين العام والخاص مع تلك الأزمات كان متبايناً. لكن المؤكد أن أثقال الوضع الكارثي سقطت كالصخور على عاتق المؤسسات الحكومية، ومع أن القطاع الخاص لم ينج منها، إلا أن وقعها عليه كان مخففاً لا سيما وأن المؤسسات الخاصة تمتلك مرونة إدارية مفقودة لدى القطاع الأول الذي يجب أن يخضع لهيمنة القرار السياسي والمالي على نحو كلي، لأن أبناء أركان السلطة يدرسون ويتخرجون من القطاع الخاص. 
(باحث وأكاديمي)

المساهمون