08 نوفمبر 2024
كوابيس عباس
تحوّلت الأحلام الوردية التي كان يرسمها الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يوم خطا إلى داخل البيت الأبيض للقاء الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، إلى كوابيس يومية باتت تلاحقه، وتضعه تحت مزيدٍ من الضغوط التي تحولت إلى ما يشبه الحصار. مع دخوله البيت الأبيض، ظهيرة الثالث من مايو/ أيار الماضي، كان في ذهن الرئيس الفلسطيني أن هناك فرصة سانحة اليوم للعودة إلى المسار التفاوضي، مستنداً إلى ما كان سمعه في المؤتمر الصحافي المشترك بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتأكيد الرئيس الأميركي على السعي إلى وضع أسسٍ لاتفاق جديد. ظن أبو مازن أن زيارته واشنطن، وتأكيده التنازل عن كل الشروط السابقة التي كان يضعها للعودة إلى المفاوضات، على غرار وقف الاستيطان، ستكون كافية لجعل الرئيس الأميركي يرقص فرحاً، ويشيد بـ"شجاعة" الزعيم الفلسطيني وتنازلاته، غير أن الأمر لم يكن كذلك على الإطلاق، إذ تتالت بعدها الصدمات الأميركية الإسرائيلية التي وضعت عباس في موقفٍ لا يُحسد عليه.
كانت الصدمة الأولى مباشرة بعد اللقاء في البيت الأبيض، حين خرج المتحدث باسم الرئاسة الأميركية ليعلن أن ترامب طالب أبو مازن بوقف رواتب الأسرى ومخصصاتهم من باب "مكافحة التحريض" ضد إسرائيل. ساعات بعدها خرج القيادي الفلسطيني، نبيل شعث، ليؤكد بحزم أن هذا لا يمكن أن يحدث. لكنه حدث، فالرئاسة الفلسطينية استجابت سريعاً للمطالبة الأميركية، وخصوصاً بعد تلقيها الصدمة الثانية، وكانت هذه خلال لقاء ترامب وأبو مازن في بيت لحم، والذي كان هناك إجماع على أنه كان "سيئاً للغاية"، حتى باعتراف عباس نفسه خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. في ذلك اللقاء، والذي تلى المليارات التي حملها ترامب من زيارته إلى الرياض، كان "وقف التحريض" العنوان الأساس للاجتماع الذي شهد "صياحاً" من الرئيس الأميركي على نظيره الفلسطيني. لا حديث عن المفاوضات ولا خطة لقاء ثلاثي يجمع الرئيسين مع نتنياهو، فترامب وضع عباس أمام مطلبٍ وحيد، وهو "مكافحة التحريض"، من دون حتى أن يوحي له بأن هناك مقابلاً لذلك.
سارع عباس إلى الاستجابة، نسبياً، ضارباً عرض الحائط بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الأسرى على عاتق السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من محاولات المسؤولين الفلسطينيين نفي وقف مخصصات الأسرى، إلا أن وزير الخارجية الأميركي، ريك تيلرسون، أعلن في جلسة استماع في الكونغرس أن "السلطة الفلسطينية غيرت سياستها بشأن الدفع لعائلات من أدينوا بتنفيذ عمليات"، مضيفاً أنها "تنوي وقف الدفع لعائلات من اتهموا بالقتل". لكن أيضاً هذا لم يكن كافياً، لتأتي الصدمة الثالثة مع زيارة مبعوثيْ ترامب إلى المنطقة، مستشاره وصهره، جاريد كوشنر ومبعوثه لعملية السلام جيسون غرينبلات. فبحسب ما تسرب من اللقاء بين كوشنر وعباس، حمل "الصهر" مطالب حميه نفسها إلى الرئيس الفلسطيني، والذي قيل إنه خرج غاضباً من الاجتماع الذي لم يتطرّق، مرة أخرى، لا إلى اللقاء الثلاثي ولا إلى أي خطة للعودة إلى المفاوضات، حتى أن أبو مازن لم يسمع أي إدانة أميركية للمستوطنة الجديدة التي ينوي نتنياهو بناءها بدل مستوطنة عمونا، فـ"التحريض" فقط هو لب المشكلة للأميركيين الذين يتحدثون بلسان إسرائيلي.
لا تقف الكوابيس الأميركية بالنسبة لعباس عند هذا الحد، وهو يرى أن هناك مخططاً، برضى أميركي، يجري لتحضير البديل له، بمساهمة إماراتية مصرية، عبر التسويق للقيادي المفصول من "فتح"، محمد دحلان، باعتباره "المنقذ" لقطاع غزة أولاً، ومن ثم للفلسطينيين عموماً، ما دفع أبو مازن إلى الالتجاء لإسرائيل ليساهم مباشرة في حصار غزة عبر قطع الكهرباء.
لا يبدو أن عباس، وفق هذه المعطيات، يعيش أفضل أيامه، بل ربما أسوأها، وهو يرى نفسه خالياً من الخيارات والحلفاء، وينتظر فقط ما سيتقرّر في شأنه.
سارع عباس إلى الاستجابة، نسبياً، ضارباً عرض الحائط بالمسؤولية الاجتماعية تجاه الأسرى على عاتق السلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من محاولات المسؤولين الفلسطينيين نفي وقف مخصصات الأسرى، إلا أن وزير الخارجية الأميركي، ريك تيلرسون، أعلن في جلسة استماع في الكونغرس أن "السلطة الفلسطينية غيرت سياستها بشأن الدفع لعائلات من أدينوا بتنفيذ عمليات"، مضيفاً أنها "تنوي وقف الدفع لعائلات من اتهموا بالقتل". لكن أيضاً هذا لم يكن كافياً، لتأتي الصدمة الثالثة مع زيارة مبعوثيْ ترامب إلى المنطقة، مستشاره وصهره، جاريد كوشنر ومبعوثه لعملية السلام جيسون غرينبلات. فبحسب ما تسرب من اللقاء بين كوشنر وعباس، حمل "الصهر" مطالب حميه نفسها إلى الرئيس الفلسطيني، والذي قيل إنه خرج غاضباً من الاجتماع الذي لم يتطرّق، مرة أخرى، لا إلى اللقاء الثلاثي ولا إلى أي خطة للعودة إلى المفاوضات، حتى أن أبو مازن لم يسمع أي إدانة أميركية للمستوطنة الجديدة التي ينوي نتنياهو بناءها بدل مستوطنة عمونا، فـ"التحريض" فقط هو لب المشكلة للأميركيين الذين يتحدثون بلسان إسرائيلي.
لا تقف الكوابيس الأميركية بالنسبة لعباس عند هذا الحد، وهو يرى أن هناك مخططاً، برضى أميركي، يجري لتحضير البديل له، بمساهمة إماراتية مصرية، عبر التسويق للقيادي المفصول من "فتح"، محمد دحلان، باعتباره "المنقذ" لقطاع غزة أولاً، ومن ثم للفلسطينيين عموماً، ما دفع أبو مازن إلى الالتجاء لإسرائيل ليساهم مباشرة في حصار غزة عبر قطع الكهرباء.
لا يبدو أن عباس، وفق هذه المعطيات، يعيش أفضل أيامه، بل ربما أسوأها، وهو يرى نفسه خالياً من الخيارات والحلفاء، وينتظر فقط ما سيتقرّر في شأنه.