يُسيطر الغضب على الكثير من المواطنين في ليبيا من جراء تهاون سلطات البلاد في حلّ أزمة الكهرباء المستمرة منذ أكثر من ست سنوات، من دون أن تتمكن من وضع حلول جذرية لها، على الرغم من القرارات الكثيرة التي اتخذتها، والتي يصفها مواطن من حي السراج في طرابلس بـ "المسكنات". وأطلق عدد من الناشطين حملة على صفحة "حراك التغيير #الكهرباء" على فيسبوك، مطالبين بتغيير إدارة الشركة العامة للكهرباء، ومشيرين إلى أن إقامة 11 تظاهرة خلال 54 يوماً في مختلف مناطق ليبيا، انتهت بإعلان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني في 17 الشهر الجاري (يوليو/ تموز)، إعادة تشكيل الجمعية العمومية للشركة العامة للكهرباء.
يقول ماهر الزروق، وهو عضو في "حراك التغيير" لـ "العربي الجديد": "القرار لم ينفذ بعد. على الرغم من إعادة تشكيل الجمعية العمومية، إلا أن الإجراءات التي كلفت بها لم تنفذ بالشكل الصحيح"، مؤكداً أنّ الجمعية أعادت تشكيل مجلس إدارة جديد للشركة، إلا أنه يضم الأشخاص أنفسهم في المجلس القديم تقريباً.
ويتّهم الحراك، عبر صفحته، المجلس الجديد بـ "الجهوي"، مشيراً إلى أن أزمة الشعب مع الحكومة هي "أزمة ثقة"، مؤكداً أن المحسوبية موجودة كما في المجلس القديم، ما يعني استمرار الأزمة. وعلى الرغم من مضي أكثر من أسبوع على قرار المجلس الرئاسي بإعادة تشكيل الجمعية العمومية التي كلفت مجلساً جديداً لشركة الكهرباء، إلا أن ساعات تقنين الكهرباء تصل في بعض أحياء طرابلس إلى 18 ساعة يومياً، كما يقول المواطن ميلاد لـ "العربي الجديد".
وليست أزمة الكهرباء التي تتفاقم خلال فصل الصيف جديدة. فمنذ عام 2014، أعلنت الشركة العامة للكهرباء البدء في برنامج تقنين ساعات الكهرباء في مختلف المناطق للحفاظ على استقرار شبكة الكهرباء. لكن في بعض الأحيان، تدخل البلاد في ظلام تام لأيام عدة.
ورفع المحتجون في عدد من التظاهرات التي نظموها أمام مقر الحكومة في طرابلس ومقرات المجالس البلدية في مناطق سوق الخميس وزليتن ومسلاتة وغيرها، غرب العاصمة، شعارات تحمل أسماء مسؤولي شركة الكهرباء، وسط هتافات تطالب بتغييرهم واتهامهم بتعمد إحداث أزمة الكهرباء.
وعلى الرغم من التصريحات واللقاءات الخاصة التي أطلقها ونظمها مسؤولو الشركة، إلا أن ميلاد يؤكد أن الرأي العام بدا مقتنعاً بأن أزمات الكهرباء والمياه والوقود وغيرها "مفتعلة لأسباب خاصة" تتعلّق بمصالح الأطراف المتصارعة أو لصالح التجار.
ووسط ضجيج المولّدات، اضطر المواطنون إلى شرائها لتعويض ساعات غياب الكهرباء. يقول علي سلامة، وهو مواطن من حي الهضبة في طرابلس: "تدعي الشركة الاستهلاك الزائد للكهرباء فتقطع التيار الكهربائي ساعات طويلة جداً، علماً أن غالبية المصالح العامة متوقفة عن العمل إضافة إلى المساجد والأسواق والمحال الكبرى، وهذا يعني أن كل هذه الأماكن لا تستهلك الطاقة"، مؤكداً أنه اضطر إلى إقفال مخبزه بسبب نقص الوقود المشغل للمولد الذي اشتراه لتشغيل مخبزه.
يتابع سلامة لـ "العربي الجديد": "الأزمة من دون شك مفتعلة. كلما بدأ فصل الصيف وارتفعت درجات الحرارة، وجدنا في السوق أنواعاً جديدة من المولدات. وهناك حديث عن صلة مسؤولين كبار بصفقات المولدات"، الأمر الذي ينفيه المسؤول في دائرة توزيع طرابلس المركزية التابعة لشركة الكهرباء خالد ندير، لافتاً إلى أن "الأمر لا يتوقف على قدرة الشبكة على توفير الكهرباء بناء على حجم الاستهلاك. الحرب على طرابلس دمرت عدداً من محطات التوليد وتضررت أخرى. ليس لدينا قدرة على الصيانة، والشركات الأجنبية ترفض الاستثمار في البلاد بسبب الظروف الأمنية ما اضطرنا إلى ربط طرابلس بشبكات المدن الأخرى، الأمر الذي أدى إلى المزيد من الضغط وبالتالي انقطاع التيار الكهربائي".
وفي ظلّ إصرار الحراك على المطالبة بتغيير مجلس إدارة الشركة، طلب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني قبل نحو أسبوع، "إعداد خطط عاجلة لمشكلة انقطاع التيار الكهربائي، في إطار ما أبدته دول صديقة من استعداد للمساهمة في حلّ أزمة الكهرباء بوسائل فعالة".
ويصف ميلاد القرارات بالمسكنات. منذ سنوات، تُصدر حكومات ما قبل المجلس الرئاسي القرارات نفسها من دون حل. وفي كل صيف، يلجأ المواطنون في العاصمة طرابلس إلى شاطئ البحر بسبب ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير. وصحيح أنه يجب توعية المواطن بأهمية التباعد الاجتماعي ومخاطر تفشي كورونا، لكنه يسأل: "إلى أين الفرار؟ لا يعقل أن تُفرض إجراءات احترازية، من بينها حظر التجول، علماً أننا نعيش من دون كهرباء وقد بات الأمر لا يطاق".
من جهته، يؤكّد الزروق أنّ الحلّ يكمن في تغيير مجلس الإدارة الجديد والجمعية العمومية للشركة، وتعيين أشخاص كفوئين، مؤكداً أن الحراك سيدعو إلى تظاهرات بهدف مواصلة الضغوط إلى حين إصلاح أوضاع الشركة. ويذكر أنّه لدى الحراك وثائق من داخل الشركة، مؤكداً أنّ برنامج التقنين لا يطبق إلا على مناطق معينة، بينما لا ينقطع التيار الكهربائي عن مناطق ومدن تحميها مجموعات مسلّحة كبيرة.
تجدر الإشارة إلى أن أهالي منطقة السراج في طرابلس عمدوا مؤخراً إلى إقفال الطرقات الرئيسية وإشعال الإطارات لليال عدة، احتجاجاً على قطع الكهرباء لنحو 20 ساعة يومياً.