قبل أيام، صارت كندا الدولة الثانية التي تشرّع حيازة القنّب الهندي واستهلاكه لأغراض ترفيهية، بعد أورغواي التي كانت قد أصدرت قرارها التاريخي في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013.
واكب الكنديون تنفيذ قرار تشريع القنّب الهندي لأغراض ترفيهية بالتهليل، مع تسجيل مخاوف لدى بعضهم وتحذير من خطورة الأمر على الفئات العمرية الأصغر سناً وكذلك على مجالات أخرى، مثل صناعة الخمر وغيرها. وبعد حظر استخدام القنّب الهندي أو ما يُعرف بحشيشة الكيف، الذي استمرّ نحو مائة عام، سجّل السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري تاريخاً مفصلياً وبداية "حقبة جديدة". يُذكر أنّ تشريع كندا القنّب الهندي لأغراض طبية كان قد تمّ في أوائل الألفية الأخيرة، تحديداً في يوليو/ تموز من عام 2001.
سُجّلت أوّل عمليّة شراء قانونيّة لحشيشة الكيف في ولاية بريتيش كولومبيا في الساعة الثانية وثلاث دقائق من بعد منتصف ليل الأربعاء 17 أكتوبر/ تشرين الأول، وقد وثّقها الإعلام مثلما وثّق مشاهد طوابير المنتظرين دورهم لتسلّم حصصهم. ومن المتوقّع أن يتخطّى عدد المتاجر المتخصصة في بيع القنّب الهندي 109 متاجر في كلّ أنحاء البلاد، لكنّها لن تتمكّن من فتح أبوابها أمام الزبائن قبل فصل الربيع المقبل. يُذكر أنّ افتتاح السوق الكندي للقنّب الهندي يأتي وسط تساؤلات حول مدى تأثيره على الصحة والسلامة العامة والنواحي القانونية.
تحتكر سلطات مقاطعات عدّة عمليّة بيع القنّب الهندي، من قبيل مقاطعة ألبرتا، بينما تخصص مقاطعة أونتاريو على سبيل المثال منفذاً للبيع عبر شبكة الإنترنت، هو المنفذ القانوني الوحيد في خلال الأشهر الستة الأولى من عمليّة التشريع. وكانت المقاطعات والبلديات الكندية قد بدأت تستعد في خلال الأشهر الماضية لإنهاء حظر القنّب الهندي لأغراض ترفيهية، بعد القرار الرسمي الصادر في يونيو/ حزيران 2018. وقد شملت الاستعدادات رسائل بريدية وُجّهت إلى 15 مليون أسرة تتضمّن تفاصيل حول القوانين الجديدة الخاصة بالقنّب الهندي ومواد خاصة بالتوعية.
وتحدّد المقاطعات والأقاليم الكندية أطر عمليات شراء القنّب الهندي واستهلاكه في نطاق سلطاتها القضائية، الأمر الذي يؤدّي إلى تشريعات عدّة في أنحاء البلاد. على سبيل المثال، ثمّة مقاطعات تسمح بتدخين حشيشة الكيف ابتداء من سن الثامنة عشرة مثل مقاطعة ألبرتا، بينما تحظر مقاطعة كيبيك تدخينها قبل الواحدة والعشرين. من جهته، يسمح القانون الاتحادي للفرد بحيازة 30 غراماً من حشيشة الكيف وزراعة أربع شتلات قنّب هندي في منزله. كذلك يُشترط استهلاك حشيشة الكيف بعيداً عن المدارس. وسوف تشدّد العقوبات في السياق، لتصل إلى السجن 14 عاماً لمن يُلقى القبض عليه وهو يبيع حشيشة الكيف لقاصر.
وفقاً لتحليل المصرف الاستثماري "سي آي بي سي ورلد ماركتس" الذي يتعامل مع أبحاث السوق الشاملة وتحليل البيانات الدولية، من المتوقع أن تصل عائدات الضرائب الحكومية الكندية من سوق القنّب القانوني إلى خمسة مليارات دولار أميركي سنوياً. وقد جاء تشريع حيازة القنّب الهندي واستهلاكه لأغراض ترفيهية، وفاء بوعد قطعه رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو في خلال إحدى حملاته السياسية في عام 2015. وقبل يومَين من تنفيذ القرار، في الخامس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، نشرت دورية الجمعية الطبية الكندية مقالاً وصفت فيه التشريع الجديد بأنّه "تجربة غير منضبطة، تُجنى من خلالها أرباح منتجي القنب وعائدات الضرائب على حساب صحة الكنديين بصورة مباشرة".
من جهة أخرى، عبّرت قيادات بارزة في الشرطة الكندية عن رغبتها في عدم تنفيذ القرار أو على الأقل تأجيله، وقال ممثلون عن الجمعية الكندية لرؤساء الشرطة، أمام لجنة الصحة في مجلس العموم، إنّ ضباط الشرطة لن يتمكّنوا من التدرّب على الإطار القانوني الجديد لحيازة حشيشة الكيف واستهلاكها ولا تطبيقه قبل حلول العام المقبل، بحسب ما أفادت النسخة الكندية من صحيفة "هافنغتون بوست". وإذ طالبوا بمزيد من الوقت، لم يخفوا عدم رضاهم عن خطة الحكومة الاتحادية التي تسمح للكنديين بزراعة القنّب الهندي الخاص بهم.
وتتّجه شرطة الخيالة الكندية الملكية ووحدة شرطة مدينة تورونتو في مقاطعة أونتاريو إلى منع رجال الشرطة من استهلاك حشيشة الكيف قبل 28 يوماً من استلامهم مهامهم. وهو أمر يعترض عليه كثيرون. من جهة أخرى، أبدى رجال شرطة في مدينة كالغاري في مقاطعة ألبرتا استياءهم من السياسات التي حددتها المقاطعة، والتي تأتي أكثر تشدداً من مسألة الأيام الثمانية والعشرين، إذ إنّها قرّرت عدم السماح لهؤلاء باستهلاك حشيشة الكيف في خلال دوام العمل وكذلك في خارج الدوام. وقال ممثلو اتحاد شرطة كالغاري في تصريح صحافي إنّ "الاتحاد الذي يمثل الأعضاء غير سعيد". من جهته، سأل رئيس الاتحاد لي كامينسكي: "لدينا خمسة أيام إجازة، لماذا لا يُسمح لنا بتدخين حشيشة الكيف في اليوم الأوّل من تلك الإجازة؟".
في سياق متّصل، عبّرت صحيفة "ناشونال بوست" الكندية المحافظة عن بعض المخاوف، مرتكزة على دراسة بيّنت أنّ صناعة الخمر سوف تتأثر من جرّاء قرار التشريع، وأنّها قد تصير مهددة نتيجة سهولة الحصول على حشيشة الكيف. وأشارت من جهة أخرى إلى أنّ العائدات الضريبية التي كانت قد أشارت إليها دراسات حكومية، لن تنال منها مقاطعة كبرى مثل أونتاريو سوى مائة مليون دولار، وهو مبلغ ضئيل بالمقارنة مع الأضرار التي سوف يتسبّب بها التشريع.