تثير قضية استقلال إقليم كتالونيا، في إسبانيا، كثيرا من النقاش هذه الأيام في ميادين الرأي العام الأوروبي والعالمي، خاصة أن احتداما متوقعا في الخلاف، سيؤثر على مسار الملف، بعد أن كررت مدريد رفضها الشامل للخطوة، وأعلنت بوضوح أنها لن تتم، مشيرة إلى إمكانية استخدام القوة من أجل الحيلولة دون حدوث التصويت المزمع إجراؤه اليوم الأحد.
ويقدم "العربي الجديد" في ما يلي، كل ما يريد أن يعرفه القارئ العربي عن هذه القضية.
ما هي قضية كتالونيا؟
يقع إقليم كتالونيا في شمال شرق إسبانيا، وهو واحد من المناطق الأكثر غنى والأكبر مساحة هناك. يتحدث ساكنو الإقليم اللغة الكتالونية ويعيش معظمهم في العاصمة برشلونة، ويمثلهم برلمان وحكومة مستقلان. تحضر قضية الانفصال مؤخرا في جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية في الإقليم، من البرامج السياسية للأحزاب المتنافسة على البرلمان، إلى المباريات الرياضية، وهناك قناعة رائجة عند معظم الكتالونيين، بأنهم شعب مستقل، وله ثقافة مستقلة.
في السنوات الأخيرة، تبلور مطلب الانفصال بشكل أكثر وضوحا، من خلال الأحزاب الممثلة في الحكومة، ومن خلال المجموعات الشعبية ومؤسسات المجتمع المدني، إلى أن أزمع عقد استفتاء حوله هذه الأيام، وأعلنت حكومة الإقليم أنها ستجريه في الأول من أكتوبر/تشرين الأول، الذي يوافق اليوم الأحد.
وتاريخيا، ضُمت كتالونيا إلى إسبانيا في القرن الخامس عشر، عندما تزوج ملك أراغون من ملكة قشتالة. وكانت مقاطعة برشلونة قوة بحرية عظمى في العصور الوسطى. ومع تأسيس الدولة الوطنية الحديثة في إسبانيا، في ثلاثينيات القرن الماضي، أعطي الإقليم حكما ذاتيا.
ويشير الخبراء إلى أن فترة الحرب الأهلية الإسبانية في الثلاثينيات، لعبت دورا حاسما في تبلور الهوية القومية الكتالونية، في إشارة إلى دور فرانشيسكو فرانكو وانقلابه العسكري على سلطة البلاد، وانتصاره في الحرب، حيث عرف عن فرانكو حكمه المستبد للبلاد، بدعم من النازيين. وقام وقتها بمحاربة أي ظهور للهوية أو الثقافة الكتالونية، ومن ذلك أنه ألغى الحكم الذاتي في البلاد، طوال سنوات حياته، ومنع أي حديث أو نشاط أو كتابات تتعلق بقضية الإقليم. وإضافة إلى ذلك، قام بمنع اللغة الكتالونية وإلغاء النشيد الوطني.
بعد وفاة فرانكو، وبعد نضال طويل خاضه الكتالونيون ضد الفاشية، استطاع الإقليم إعادة حكمه الذاتي. وفي هذا الوقت بدأ التنظير للهوية القومية على أرضية من المظلومية، والانتهاكات التي تعرضوا لها في فترة الحرب الأهلية وما بعدها.
وخضعت الهوية الكتالونية لتطورات تاريخية مختلفة، لكنّ مراقبين يرون أن هناك أسبابا ليست أقل أهمية من الأسباب التاريخية، تقف وراء استفتاء الانفصال.
ما هو موقف السلطات الإسبانية؟
وبعد أن أصدر البرلمان الكتالوني قرارين من أجل عقد استفتاء حول الانفصال، أعلنت المحكمة الدستورية الإسبانية في 14 فبراير/شباط الماضي أن القرارين اللذين أصدرهما برلمان كتالونيا غير شرعيين. وهو ما جعل نائب رئيس الحكومة الكتالونية، أوريول جونكراس، يهدد بإجراء استفتاء من جهة واحدة بدون مشورة السلطات في مدريد.
وقد أدان رئيس الوزراء الإسباني، ماريانو راجوي، التصويت باعتباره غير قانوني. وقال "إنني أقول ذلك بكل هدوء وثبات: لن يكون هناك استفتاء، ولن يحدث"، وقال هو وآخرون إن التصويت سيقوض سيادة القانون، وإن ذلك قد يشكل سابقة خطيرة.
وخلال الأيام الماضية، ومع إصرار ناشطين كتالونيين على الخطوة، وبعد أن أقدم جزء منهم على اقتحام مدارس كانت مهيأة لتكون مراكز اقتراع، من أجل حمايتها وحماية تسيير عملية الاقتراع، لوحت السلطات الإسبانية بخيار القوة، وقالت إن تدخل الشرطة لمنع إجراء التصويت ليس مستبعدا. وتدعي مدريد أن الخطوة من شأنها أن تؤثر على وحدة وسيادة البلاد.
هل سيتم التصويت؟
وعلى الرغم من ذلك، فإنه ليس من المحتمل أن الشرطة لديها الموارد الكافية لإغلاق جميع مراكز التصويت في حوالى ألف بلدة ومدينة كتالونية. إضافة إلى ذلك، لا يزال من غير الواضح إلى أي مدى ستتدخل قوة الشرطة المستقلة في كتالونيا، المكونة من 17 ألف عنصر، لوقف الإجراءات.
ورغم أن هذه القوات ملزمة بتنفيذ القانون الإسباني، لكن مسؤولين كتالونيين يقولون إن أولويتهم الأولى ستكون الحفاظ على النظام العام، وهذا قد يعني أن هذه القوات لن تمنع التصويت يوم الأحد إذا كان هناك عدد كاف من الناس المصممين على إجراء اقتراع.
ماذا سيحدث بعد التصويت؟
هل هناك إجماع على الانفصال؟
يقول رافضو الانفصال، الذين يعتبرون أنفسهم "الأغلبية الصامتة"، إنهم يعانون من العزلة الاجتماعية والعنف اللفظي والجسدي في بعض الأحيان. ويساورهم القلق من أن كتالونيا قد تصبح أقل قبولا لأولئك الذين هاجروا إلى المنطقة. وقال أحد الناخبين، وهو يعيش في كاتالونيا منذ عام 1979، إنه يشعر بالقلق من أن تصبح القومية في المنطقة نوعا من العنصرية. وقال غابرييل زافرا، الذي يدير جمعية للمهاجرين، لصحيفة "نيويورك تايمز": "لقد خلقوا وحشا من الوهم والإثارة". "لقد وعدوهم بكتالونيا كاملة من الزهور، حيث يذهب الناس سعداء إلى الكنيسة يوم الأحد. هذه كذبة ".
لكن السؤال يبقى أكثر تعقيدا، إذ إن مناصري الانفصال يستندون إلى استقلالهم في رفض الدستور الإسباني أصلا. ويتحدث البرلمان الكتالوني عن الحق العالمي الأساسي في تقرير المصير. وعلى الرغم من أن وجود أغلبية تريد الانفصال ليس واضحا، تظهر استطلاعات الرأي أن الأغلبية تؤيد التصويت، أو "الحق في اتخاذ قرار".