كلّهم وطنيون؟

05 أكتوبر 2014
+ الخط -
يحلو، في مصر، لمعسكر تمرّد 30 يونيو/ حزيران، وما تلاه من نظام 3 يوليو/ تموز، أن يوزعوا صكوك الوطنية على المصريين، فيمنحوا ويمنعوا من عند أنفسهم، يشيرون إلى هذا ويمنحونه الصك، وكأنما هو صك غفران، يغفر له ما يرتكب من خطايا وأخطاء، ولو كانت الإيغال في دماء آلاف المواطنين، بينما ينزعونه عمّن يشاؤون، فإذ بمواطنين مصريين شرفاء، يتحولون فجأة إلى خونة لمجرد الخلاف السياسي.

إن معيار الوطنية ليس الصراخ باسم الوطن، وليس هو "التحزُّم" والرقص بالعلم، وليس هو المزايدات على الآخرين في وطنيتهم، فإن الخائن يستطيع أن يفعل ذلك كله، وكم من خائن اتخذ من تلك المظاهر ستاراً يداري به خيانته، وأكثر من ذلك، كم من وطني فعل ذلك كله ثم كان وبالاً على بلاده وأمته، لما عاث في أرضها فساداً.

إن معيار الوطنية الحقة هي إصلاح حال المواطن والوطن، ولو أن الوطنية معيارها الهتاف والأناشيد، ويكون هذا صك غفران ترتكب تحت أستاره أبشع الجرائم والممارسات، فإننا يجب أن نذكر هنا أن هتلر كان وطنياً، إذ لا يشك أحد في حبه لألمانيا، وقد نهض بها قبل الحرب، وهو صاحب المقولة الشهيرة: "ألمانيا فوق الجميع"، التي طار صيتها في العالم، وأراد أن تكون ألمانيا أقوى بلاد العالم وأعظمها، وأنشأ إمبراطورية ألمانية كبرى، فهل شفع له هذا كله بعد جرائمه التي ارتكبها وقمعه ودكتاتوريته؟ هل تحولت وطنيته إلى صك غفران له يوازن جرائمه؟

وموسوليني كان وطنياً، كان يريد أن يستعيد مجد إيطاليا، ويستعيد الإمبراطورية الرومانية، لكنه قمع مواطنيه عبر نظامه الفاشي، وقتل الآلاف وعذّبهم، وكانت النتيجة أنه جاء بالدمار والاحتلال لبلاده، وراح كل ما سعى إليه.

وستالين كان وطنياً، لا شك في هذا، بنى قلاعاً صناعية وقاد الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية ضد عدوّ جبار، وانتصر عليه، فهل شفع له ذلك؟ ليس فقط بالمعايير الأخلاقية، بل حتى بالمعايير الوطنية، قتل ملايين المواطنين، فانقلب الجميع على ذكراه، ومحو اسمه من كل مكان، وأصبح مثالاً وأمثولة على الإجرام والدموية حتى في بلاده.

الوطنية الحقّة هي مراعاة المواطن والوطن، ودون ذلك هي فساد وإفساد يلفظه الوطن بعد حين ويلعنه، حتى بالمعيار الوطني، ناهيك عن المعيارين، الديني والأخلاقي.

avata
avata
يحيى حسن عمر (مصر)
يحيى حسن عمر (مصر)