كلير موس كوبو.. كل ما حدث في مزرعة أمزيان

10 اغسطس 2018
(الجزائرعام 1961)
+ الخط -

في مقال نشره في أيار/ مايو 1961، عاد الكاتب الفرنسي بيار فيدال ناكي إلى وقائع حدثت في "مزرعة أمزيان"، وكانت هذه أول مرّة يأتي فيها أحد على ذكر ما فعله الفرنسيون في مزرعة تقع بالقرب من قسنطينة، تضمّ بيتاً وإسطبلات، استولوا عليها وحوّلوها إلى مكان للتعذيب، فكانت هذه الاسطبلات سجوناً وهذا البيت غرفاً للتحقيق والتنكيل بالأسرى من الثوار الجزائريين.

المؤرخة الفرنسية كلير موس كوبو تعود اليوم إلى ذلك المكان من جديد وتفتح ملفاته في كتابها الصادر حديثاً عن دار "ميديا بلوس" بعنوان "هجيرة: مزرعة أمزيان وما وراءها".

لكن لا بد من الإشارة إلى أن أوّل من ألف كتاباً كاملاً عن الوقائع التي حدثت في "أمزيان" كان المؤرخ والكاتب الفرنسي، جون لوك اينو، الذي وضع 12 كتاباً حول الثورة وفظائع الاحتلال الفرنسي في الجزائر.

تركّز المؤلفة على شهادة مناضلة جزائرية تدعى هجيرة، وهي واحدة من الناجين القلائل من تعذيب أمزيان، والتي التحقت بالثورة والعمل النضالي، إلى أن اعتقلت وتعرضت إلى التعذيب إلى أن أطلق سراحها بعد عشرة أشهر.

كوبو واحدة من المؤرخين القلائل الذين اهتموا بدور المرأة الجزائرية في الثورة، وهي كذلك متخصّصة في وقائع انتفاضة 20 آب/ أغسطس 1955، وقد أصدرت كتاباً يحمل هذا العنوان ممهوراً بعنوان فرعي آخر "انتفاضة قمع مجازر" وآخر بعنوان "المجندون في الجزائر"، وتسعى في مؤلّفاتها إلى ما تسميه "تجاوز الروايات الخرافية الفرنسية".

تعتمد كوبو في كتابتها بالعموم على السرديات الشفهية للأحداث من قبل من شاركوا فيها أو عاشوها، من هنا فإنها تستند إلى رواية وشهادة هجيرة (1937) التي أُسرت على يد قوات الاحتلال الفرنسي في عمر 21 عاماً.

كانت هجيرة ابنة مترجم قضائي، وتنتمي إلى عائلة ثرية، تلقت دراستها في المدرسة الفرنسية إلى أن وقعت أحداث إضراب مايو 1956، فتركت الدراسة والتحقت بصديقتيها مريم وفضيلة سعدان، وسرعان ما أقنعت والدتها بإيواء الثائرين المطلوبين في البيت.

ليلة القبض على هجيرة، اقتيدت من بيتها ليلاً مع مريم سعدان إلى المزرعة، استشهدت الأخيرة وظلت هجيرة حية لمدة أربعة أشهر بين أيدي الجلادين قبل أن تنقل إلى سجن آخر في منطقة الحامة ويُطلق سراحها بعد ستة أشهر أخرى، لتكون الناجية التي تعود المؤرخة الفرنسية اليوم إليها شاهدة على الفظائع التي جرت في تلك المزرعة.

تقول كلير في وصف المكان "عند وصول المواطنيين إلى المزرعة يتمّ فصلهم إلى مجموعتين، فمنهم من تتم عملية استجوابهم على الفور، ومنهم من ينتظر ليزجّ بهم داخل إسطبلات، لا يقدم لهم الطعام لمدة يومين إلى ثمانية أيام وأحياناً أكثر".

وحول ما تعرّضت إليه هجيرة تقول "عرفت أثناء مكوثها بهذه المزرعة الجوع والقذارة والشتائم والصفعات والركلات والعقوبات والتعذيب بالكهرباء.. وُضعت في غرفة كبيرة كانت تحيط بها جميع أدوات التعذيب، تعرضت إلى تعذيبها في حوض للاستحمام مليء بالماء والبراز".

المساهمون