كليات التميز في السعودية.. مستقبل غامض ينتظر الطالبات

31 اغسطس 2015
طالبات جامعيات في السعودية (فرانس برس)
+ الخط -

لم تكن الشابة السعودية، نورة العسيري، تعتقد أن حلمها بإكمال دراستها الجامعية سينتهي سريعاً، وبشكل مثير للإحباط، بعد أن انضمت إلى واحدة من كليات التميز، إذ فوجئت بخطاب الطرد من الكلية، بعد أقل من عام واحد على بدء الدراسة، على الرغم من أنها نجحت بتفوق في السنة الأولى من الكلية.

توقعتْ أن مشكلتها فردية، ولكن عندما ذهبت إلى الكلية للاستفسار عن سبب طردها، فوجئت بأن 600 طالبة، حصلن على خطاب الطرد ذاته، وقبل أسبوعين فقط من إنهاء السنة الدراسية الأولى. لم تصدق ما حدث في الكلية ذلك اليوم، قائلة :"كانت مذبحة للجميع"، وتضيف :"جمعونا في مسرح الكلية، طلبوا منا التوقيع على قرار للطرد، ومَنْ ترفض التوقيع، تُحبس في المسرح. هكذا بكل بساطة".

بدأت القصة في الظهور للعلن عندما قررت كلية التميز في الدمام (إحدى الكليات المتعاقدة مع المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني)، فصل أكثر من 600 طالبة، في إجراء وصفته المتضررات بـ(التعسفي) الذي تم دون إنذار، وهو ما دفع بعض أولياء أمور الطالبات إلى توكيل محام لرفع قضية ضد الكلية، التي اتهموها بالإضرار بمستقبل الطالبات دون مسوغ قانوني، وعلى الرغم من احتجاج الطالبات، رفض القائمون على الكلية الإفصاح عن الأسباب التي دفعتهم لاتخاذ هذا القرار، الذي هدد 54% من طالبات الكلية بالإبعاد عنها، وفي كل مرة كانت الحجة هي الغياب، على الرغم من نفي الطالبات ذلك.

اقرأ أيضاً: أكاديميون وهميون في السعوديّة

تسجيل الغياب


تقول نورة :"المسؤولون عن تسجيل الحضور كن يسجلن الطالبات على أنهن غائبات، رغم وجودهن يوميا، كما أن الأمور كانت تدار بعشوائية في الكلية، وكأنهم يريدون أن تفشل الطالبات في اجتياز الاختبارات، إذ قامت الكلية بتغيير مستويات الطالبات في اللغة الإنجليزية، بشكل عشوائي، وتم نقل بعض الطالبات ذوات المستوى المنخفض إلى مستويات عالية، والعكس، كما تم وضعهن في مستويات لا تتناسب مع قدراتهن في اللغة".

مثل نورة، استلمت الطالبة، هنادي البراك، إشعار الطرد عبر رسالة على هاتفها الجوال. تقول هنادي بنفس نبرة الإحباط، التي كانت نورة تتحدث بها:"لم أفاجأ بهذا القرار. كثيرات من زميلاتي، تعرضن لنفس الموقف قبلي بأسبوع. إحداهن تلقت قرار الفصل وهي تؤدي الاختبار، ومنعت من إكماله".

اقرأ أيضاً: تزييف الشهادات الجامعية.. تجارة الوجاهة الاجتماعية في السعودية

شكوى جماعية

لم يكن الأمر مقصورا على عدد صغير من الطالبات، في مدينة واحدة، لكن المشكلة انتشرت، في مختلف مناطق السعودية، ففي مكة المكرمة، تطالب أكثر من 200 طالبة، تم طردهن من كليات التميز، بالتدخل لإنصافهن وإعادتهن إلى مقاعدهن الدراسية ليتسنى لهن إكمال دراستهن. تكررت نفس التفاصيل في جدة والرياض، ولكن في مكة المكرمة، كما في جدة، تغير سبب فصل الطالبات من الكلية، من حجة التغيب عن الدراسة إلى التذرع بمرور أكثر من 3 أعوام على تخرج الطالبات من الثانوية العامة، على الرغم من أنهن تجاوزن المقابلة الشخصية، وتم قيد اسمائهن في الكشوفات واستمررن في الدراسة ثلاثة أسابيع.

تؤكد طالبات كلية التميز في الدمام، على أن الأمور كانت تسير بشكل طبيعي في البداية، وهو ما دفع الطالبات لدعوة زميلاتهن للالتحاق بالكلية، ولكن بعد ثلاثة أشهر تغيرت الأمور، كما يروين لـ"العربي الجديد".

بدرية السعيدان، واحدة من مجموعة طالبات حملن على عاتقهن مهمة إيصال أصواتهن للمسؤولين، تؤكد على أن الأمور لم تتحول للأسوأ إلا بعد أن تم تغيير العميدة بأخرى، وتضيف :"قامت العميدة الجديدة بإصدار أنظمة غير عادلة، إذ حددت موعد الحضور عند السابعة والنصف صباحا، مع أن المحاضرات لا تبدأ إلا الساعة 12 ظهرا، وبلا فترات راحة، كما لا توجد مقررات دراسية واضحة، ولا ساعات محددة لكل مادة"، وتضيف :"كانت الأمور غير واضحة، حتى نتائج الاختبارات لا نعلم عنها، وعندما نسأل المشرفات يؤكدن أنهن لا يعرفن شيئاً. الأمور عبارة عن تطفيش".

تطور الأمر، بحسب بدرية السعيدان، إلى أن أصدرت العميدة قرارا بمنع تناول الإفطار، وعدم فتح مطعم الكلية إلا بعد الظهر، كما منعت الطالبات من الجلوس في ساحة الكلية، وفي نهاية السنة الدراسية قامت الكلية بفصل أكثر من 600 طالبة بلا سابق إنذار. تكشف الطالبة، هيا الأسمري، المزيد من المعاناة، وتقول لـ"العربي الجديد":"استلمت إنذارين من الإدارة يوضحان عدد ساعات غيابي في ثلاثة فصول دراسية، وكان عدد الساعات المكتوبة في كلا الإنذارين 74 ساعة، وطلبوا مني الحضور يوم السبت إلى الكلية لكي تقل عدد ساعات الغياب، وأستمر بدراستي إلى نهاية العام، وفعلا نفذت الأمر برحابة صدر لكي أكمل دراستي، ولكن بعد عدة أيام وصلني الإنذار الأخير وفوجت بأنه تم طردي على الرغم من كل ما فعلت".

بعد أن راجعت هيا الإدارة أخبروها أنهم لن يقبلوا عذر التغيب المرضي كسبب لعدم احتساب أيام الغياب، على الرغم من إحضار تقارير من مشفى حكومي رسمي. تقول هيا: "طلبت مقابلة العميدة وهي من أخبرني بأن هناك خطأ في النظام وفي الرسائل والإنذارات، وأن عدد ساعاتي تختلف عندها، ولكن في نهاية المطاف وجدت نفسي مع المطرودات".

13 مليار ريال

يبلغ عدد كليات التميز السعودية، 33 كلية (19 للبنات و14 للبنين)، تم توزيعها على مختلف مدن السعودية. يذكر المتحدث الرسمي باسم المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فهد العتيبي، أن "منظومة كليات التميز، موزعة على 27 مدينة على مستوى السعودية"، ويقول :"تهدف الكليات إلى إحداث نقلة نوعية على مستوى التدريب التطبيقي، بالتعاون مع أبرز الكليات التطبيقية العالمية في عدد من القطاعات المتخصصة. وتركز الكليات على توفير احتياجات سوق العمل من خلال طرح التخصصات، التي تتفق مع متطلباته"، وبحسب العتيبي تقوم الكليات بتدريب الطلاب والطالبات على قطاعات السياحة والفندقة والصناعة وتقنية المعلومات والإدارة وتقنية الطيران، واستقطبت في البداية أكثر من 6 آلاف طالب وطالبة، في السنة الأولى و15 ألفاً في السنة الثانية غير أن هذه الخطة الطموحة لم تسر كما كانت على الورق.

يؤكد المدير السابق للشراكات الاستراتيجية بالمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، الدكتور فهد الدهيش، على أن المشكلة التي تعاني منها كليات التميز، ترجع إلى إسنادها لشركات ضعيفة، ويشدد الدكتور الدهيش الذي كان المسؤول الأول عن ملف الكليات على أنه كان معارضا على التوسع في إنشاء هذه الكليات، معتبرا أن  مبلغ الـ13 مليار ريال الذي خصص لها كان يمكن أن يدرب ويوظف الكثير من الطلبة في المصانع العالمية، ويقول:"كنت آمل أن يتم توقيع الاتفاقيات مع الدول والحكومات بدلاً من الشركات، ويتم استخدام كثير من المبالغ للتدريب في شركات الدولة الموقعة للتشغيل"، ويضيف :"هذا التوجه عمل به العديد من الدول، منها على سبيل المثال كوريا الجنوبية، حينما كانت ترسل طلابها ليعملوا خارج بلادهم لسنتين، وبعد اكتسابهم الخبرات يعودون إلى وطنهم، وهذا يطور الجودة، ويكون المتدرب أكثر قرباً من سوق العمل الجدي"، غير أن أيا من هذه الخطط لم تتحقق على أرض الواقع، وتحولت الخطة لجنين غير مكتمل النمو.

اقرأ أيضاً: سعوديون في داعش..12 سبباً تدفع مراهقي المملكة إلى التنظيم

نفي رسمي

في كل مرة يسمع مدير كليات التميز، الدكتور صالح العمرو، سبب اتصال كاتب التحقيق، يرفض الإجابة عبر الهاتف ويحتج أنه في اجتماع هام. بعد إعادة الاتصال أكثر من مرة، نفى العمرو الوقائع السابقة، غير أن الأصوات العالية للطالبات، أجبرت المتحدث الرسمي للمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فهد العتيبي، على الخروج للتأكيد على أن عدد المستبعدات من الكلية لا يتجاوز 165 متدربة، بعد إنذارهن بثلاثة إنذارات على الأقل، وذلك لتراوح نسبة غيابهن بين 50 و90% لهذا الفصل التدريبي".

أثار التصريح السابق غضب الطالبات المفصولات واللاتي يؤكدن على أن ما قاله العتيبي غير صحيح، فالعدد أكبر بكثير مما قال، ويتجاوز الألفي طالبة في مختلف مناطق السعودية، كما أن السبب الذي ذكره غير صحيح، بحسب الطالبات اللاتي تواصلت "العربي الجديد"معهن.

أحد الموظفين، الذين يعملون في واحدة من كليات التميز(رفض الكشف عن هويته خوفا على وظيفته)، يؤكد لـ"العربي الجديد" أن:"الشركات التي تشغل هذه الكليات، تحاول التغطية على قصور تدريبها، بإلقاء اللوم على منتسبيها من الطالبات، وتفصلهن لتؤكد على أن الفشل ليس منها"، ويتابع :"من يدير هذه الكليات هي شركات خارجية، تستفيد مما يحدث فيها، ولا تبذل أي جهد لرفع مستوى الطلاب".

ويشدد الموظف على أن أسلوب الفصل التعسفي هو استراتيجية في كل الشركات التعليمية، التي تعمل تحت مظلة الكلية، ويضيف :"السبب الأول لما يحدث هو الضغط على مؤسسة التعليم المهني لرفع الدفعات المالية التي تحصل عليها الشركات، وأيضا البقاء على كرسي إدارة الكليات لأطول فترة ممكنة بعد إلقاء اللوم في الفشل على المفصولين"، ويضيف موضحاً: "عندما يفشلون في التذرع بغياب الطالبات، يقومون بخفض نسب النجاح، لإيجاد مبرر لطرد الطلاب، والإبقاء على أسمائهم على نظام الكلية في الوقت ذاته".

وعود بشهادت دولية

لا يقتصر الأمر على الطرد العشوائي، فالكلية ذاتها تحيط بها الكثير من الشكوك، بعد أن بدأت كليات التميز منذ عام 2013، تحت مظلة المؤسسة العامة للتعليم المهني، وبدعم من صندوق الموارد البشرية، وكان الهدف منها، تقديم تعليم مهني متميز، يكون خليطا من التعليم الخاص والعام، إذ تحصل الطالبات على مكافآت مالية شهريا، فيما تحصل الكلية على دعم حكومي عن كل طالب أو طالبة تقوم بتدريسه، كما تحصل على رسوم عن كل عملية تسجيل، ومع ذلك يشتكي طلاب وطالبات من تأخر مكافأتهم لأشهر طويلة، كما اشتكى عدد كبير من الطلاب والطالبات، الذين سجلوا في الكلية وقرروا عدم الاستمرار فيها، من صعوبة إسقاط أسمائهم من سجلات الكلية، وهو ما حرمهم من الالتحاق بكليات أو جامعات أخرى.

لميا الجريس، واحدة من هؤلاء، إذ عانت لأشهر طويلة من نظام الكلية. تقول لميا لـ"العربي الجديد":"بعد شهرين من الدراسة لم أجد نفسي في الكلية، لعدم وضوح الدراسة فيها ولكثرة المضايقات، وعندما قررت الانسحاب منها، وجدت صعوبة كبيرة في إسقاط اسمي من النظام. وهو ما حرمني من التوظيف أو حتى التسجيل في برنامج العاطلين عن العمل(حافز) وفي كل مرة أشتكي لا أجد من يخبرني السبب، فكل موظفة تحيلني إلى أخرى دون فائدة".

وعدت الكلية في بداية إطلاقها بمنح طلابها وطالباتها شهادة معتمدة من مؤسسة كامبردج الدولية، ولكنها لم تفِ بهذا الوعد، بل إن شهادة الدبلوم التي تمنحها لطلابها غير معتمدة لدى وزارة الخدمة المدنية، ولا تعترف بها، لأنها غير معتمدة من قبل وزارة التعليم، وبالتالي لا تؤهلهم للوظائف الحكومية، وهو ما أكده المتحدث الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، عبد العزيز الخنين، الذي قال إنه طالما وزارة التعليم العالي لم تعتمد كليات شهادات كليات التميز، فوزارة الخدمة المدنية لا تعترف بشهاداتهم، مشددا على أن  وزارته :"توظف فقط أصحاب المؤهلات المعتمدة من وزارة التعليم".

حسنا إذاً، ما فائدة الشهادة التي سيحصل عليها الطلاب والطالبات؟ تتساءل بدرية السعيدان، قائلة:"لماذا ندرس، مع عدم اعتماد شهادة (الدبلوم)، وعدم قدرتنا على الحصول على الوظائف؟".

الأحداث السابقة دفعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) للتحقيق في شبهات الفساد، التي تحيط بكليات التميز، بعد أن تسلمت الهيئة ملفا متخما بـ(التهم)، ولكن حتى الآن لم تنه تحقيقاتها، التي تنتظرها أكثر من 15 ألف طالب وطالبة على أحر من الجمر.

-------
اقرأ أيضاً:
 المناطق النائية بالسعودية.. بحث لا يتوقف عن الطبيب