01 نوفمبر 2024
كلام رؤساء
خلال الأسبوع الماضي، وردت جملة من العبارات على لسان أكثر من رئيس عربي، تختصر الحالة التي وصلت إليها الدول العربية، والتي يمثلها من يفترض أنهم مسؤولون عن تطوّرها ورخائها. قد لا تكون هذه المرة الأولى التي يتحدّث فيها الرؤساء العرب بشكل غير مألوف، ولا سيما أننا شهدنا مواقف كثيرة في السابق، غير أن ما ورد هذا الأسبوع كان فاقعاً ومعبراً عن طريقة إدارة هؤلاء الدول العربية، وكيف ينظرون إلى شعوبهم.
يحتل الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في العادة، المرتبة الأولى بالعبارات المثيرة للجدل، والتي تدخل في العادة من باب الكوميديا السياسية، وهي التي يتلقفها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، لنسج ما أمكن من "كوميكس" حول تصريحات الرئيس المصري، والتي كان آخرها عبارة "يلي يقدر على ربنا، يقدر علينا". عبارة تسير وفق نهج الارتجال الذي يقوم به السيسي، وهي أثارت ردود فعلٍ وتعليقات ساخرة عديدة، غير أنها ليست من ضمن ما يتحدّث عنه المقال من جمل وردت على لسان الرؤساء. فما ورد على لسان رئيس النظام السوري، بشار الأسد، والرئيس السوداني، عمر البشير، خلال الأسبوع الماضي، لا يمكن أن يوضع في مجال المقارنة مع جمل السيسي، والتي يمكن وصفها بـ "الهزلية".
ففي الحوار مع صحيفة الوطن السورية، مرّر الأسد جملةً ذات دلالة في سياق الكلام عن الوضع في سورية. جملة لا بد أن تحفظ، لأنها تشكل دليلاً على عملية التطهير العرقي الذي يمارسه النظام ضد شعبه، فالأمر ليس فقط مواجهة ثورة شعبية، أو "محاربة الإرهاب"، كما يدّعي، فالأمر أبعد من هذا وذاك، وهو يختصّ بتأمين "الصفاء" في المجتمع السوري. التعبير ورد حرفياً على لسان الرئيس السوري، عندما سئل عن وضع الأعراق والطوائف في المجتمع السوري، فجاء جوابه إن "البنية الاجتماعية للمجتمع السوري أصبحت أكثر صفاءً من قبل الحرب. قبل الحرب، كانت هناك شوائب طائفية وعرقية تنتشر بشكل خفي في عمق المجتمع، أما الآن، فهذا المجتمع أصبح أكثر صفاءً، لأن الأمور اتضحت له".
يعترف الأسد في هذا الإطار بعملية تطهير عرقي ممنهج خلال السنوات الست الماضية، ولا تزال مستمرة، لتأمين "عرقٍ صاف"، يدور في فلك نظام الأسد لا غير، وأي صوت مختلف عن هذا الصفاء سيكون مصيره القتل أو الاعتقال، وهو ما يحصل فعلياً. اللافت أن الأسد لم يأت على سيرة الإرهاب هذه المرة، بل اعترف أن من يحاربهم أو من قتلوا في حربه هم من نسيج المجتمع السوري، وكانوا يخفون انتماءاتهم الطائفية أو العرقية، من دون أن يوضح لماذا كان هذا الإخفاء، لكنه يرى أن موتهم يصبّ في مصلحة سورية، وفي مصلحته بالنهاية. على هذا الأساس، يخوض الأسد حربه ضد شعبه، وهو أساس الولاء والانتماء للنظام، وكل من يخرج عن هذا المعيار، يصبح تهديداً للمجتمع ويستوجب قتله.
إلى جانب هذا الإقرار بالتطهير العرقي من الرئيس السوري، كان هناك تصريح للرئيس السوداني مثير للصدمة. قد لا يكون على درجة "وقاحة" كلام الأسد، غير أنه يكشف أيضاً عن آلية تعاطي عمر البشير مع شعبه، فالرجل وقف أمام المعلمين، ليستنكر أشدّ الاستنكار وقف عقوبة "جلد" الطلاب وليس ضربهم، فالضرب لا شك مستمر. لكن هذا لا يكفي في عرف البشير، فعقوبة جلد الطالب يجب أن تعود كي لا "ينمي في التلاميذ شعور بالحرية المفرطة". تعبير يكشف عن نظرة الرئيس السوداني في كيفية مواجهة "حركات الحرية" في الشارع، ويرى أنه لا بد من حربٍ استباقيةٍ عليها، تبدأ بالجلد في المدارس، وصولاً إلى القتل في الشوارع لاحقاً.
تصريحان للأسد والبشير، لم يكن المرء ينتظرهما للحكم على هاتين الشخصيتين، لكن هذه المواقف تأتي على لسان هذين الرئيسين، ولاحقاً ربما غيرهما، لتؤشر إلى مصير الدول العربية في ظل مثل هذه "القيادات".