كفتة الإلحاد!

15 ديسمبر 2014

في مقهى مصري (Getty)

+ الخط -

أنهى صائد الفيروسات، اللواء عبد العاطي، صلاة العشاء، ثم خَرّ متضرعاً بين يدي الله، بلوعة من يدرك أن حياته باتت على المحك، وأخذ يردد الدعاء الذي كتبه له الشيخ علي جمعة خصيصاً لرفع كربه: "اللهم إنك تعلم أنني ما سعيت إلى اختراع علاج للإيدز، ولفيروس سي، إلا لنصرة خير أجناد الأرض، اللهم إن الأعداء تربصوا بي، متخذين مما جرى لي من سوء توفيق سبيلاً لإسقاط مصر التي اختصصتها بالذكر في كتابك، دوناً عن بقية الدول. يغيظهم ذلك، يا أكرم الأكرمين، فيقولون ساخرين، إن جهنم مذكورة في القرآن، فهل يجعل منها ذلك مكاناً صالحاً للحياة الآدمية؟ يسخرون من كنانتك في أرضك، فكيف، إذن، يمسكون ألسنتهم عني وعن عبدك المشير الذي يؤلمني أن يكون سوء توفيقي سبباً في تعرضه للتجريح، واتهامه بعدم الكفاءة، اللهم إني أسألك نصراً من عندك، ليس من أجلي، بل من أجل عبدك المشير، فلا تشمت به الأعداء والحاسدين، وانفخ في صورة جهازي من روحك، ليصبح له فائدة، يا أرحم الراحمين".

لم يستغرب اللواء عبد العاطي سرعة الإجابة، فقد كان لديه يقين أن الرد سيأتيه في المنام، كما اعتاد. قبل ذلك، جاءته فكرة تحويل فيروس الإيدز إلى كفتة، في منام بليلة عاشوراء، وها هي فكرة إنقاذ مصر من خطر الإسقاط تأتيه، بدورها، في ليلة جمعة مباركة كهذه، كان مُفعماً بطاقة إيجابية عارمة، وهو يقترب من قصر الرئاسة الذي خرج منه مخذولاً كسيفاً قبل أسبوع. لم يكن لديه شك أن المشير عبد الفتاح سينسى غضبه منه فور سماع فكرته الهابطة من السماء، فهو رجل صالح، يعرف قيمة الرؤى والهواتف. ما زال يتذكر الساعات المبهجة التي قضاها في صحبة المشير، يستعيدان المنامات التي وجّهتهما في دروب الحياة. هذه المرة سيستغل كل دقيقة من الدقائق العشر التي سمحت الرئاسة له بها على مضض، ولن يضيع ثانية في التفسير أو التبرير، أو حتى المجاملة، سيروي صوت الهاتف، كما جاءه بالضبط: "فيروس سي ليس مهماً يا عبد العاطي، سيشفيه الدواء الأميركي. لكن، من يشفي فيروسات العقول؟ إيدز الأجساد سيخترعون له دواء، هنا أو هناك. لكن، من يشفي إيدز الأرواح، يا عبد العاطي؟ اذهب إلى عبد الفتاح، وقل له لا خير في أمة صحت فيها الأجساد، وفسد فيها الدين".

"ألف وميتين ملحد إزاي، هو مش العدد كان 866 ملحد من يومين؟"، سأل المشير مفتي الجمهورية، بعد أن طالع قوائم الملحدين التي أحضرها له، فور استدعائه إلى الرئاسة. تلعثم المفتي، وقال "للأسف، سيادتك اتضاف عليهم 300 ملحد جديد، بعد حلقة ريهام سعيد الأخيرة، غير إن في 100 ملحد بيزيدوا تلقائياً، بعد كل ظهور لمظهر شاهين في التلفزيون، غير اللي بيكفروا في سرهم، يا فندم، فما بنلاقيش حد يبلغ عنهم"، هز المشير رأسه بأسى واستغفر وحوقل، ثم نظر إلى اللواء عبد العاطي، وقال له بصوت متهدج "الأمن الوطني قبض لحد دلوقتي على 170 من قدامى الملحدين، وعلى ما يجيبوا الباقي ابدأ جرب فكرتك على بركة الله، ولو التجربة نجحت هنعلنها للشعب، ومش محتاج أفكرك إن دي فرصتك الأخيرة".

بعد يومين فقط، وفي حضور لفيف من القيادات الرسمية والتنفيذية والشعبية، يتقدمهم المشير عبد الفتاح شخصياً، شهدت مصر، على الهواء مباشرة من دار الإفتاء وقائع بث تجربة علمية، اعتبرها الشيخ الطيب تطويعاً غير مسبوق للعلم، ليصبح في خدمة الدين، وبعد أن ألقى اللواء عبد العاطي كلمة قصيرة، كشف فيها أن كل ما كان ينشر ويذاع من قبل كان تمويهاً محسوباً على الهدف الحقيقي من جهازه، لتضليل أجهزة المخابرات العالمية الكافرة، لأن جهازه يهدف لوقف زحف الإلحاد الذي أصبح يهدد مصر والعالم الإسلامي، وأنه أصبح بالإمكان، الآن، وضع أي ملحد على الجهاز ليتلقى مخه ذبذبات تستهدف الأفكار الإلحادية التي تسكن خلايا مخه، وتحولها إلى بروتينات تبلغ خمسة أضعاف البروتينات الموجودة في طلب كفتة "من عند الرفاعي"، وثلاثة أضعاف البروتينات الموجودة في طلب كفتة "أبو شقرة".

لم يكتف عبد العاطي بالكلام، هذه المرة، بل نقل للشعب المصري على الهواء تجربة عملية، تم فيها وضع أدمن صفحة (ملحد فشخ) على الجهاز، لينشد ابتهالاً للشيخ النقشبندي، بعد دقيقتين، من تشغيل الجهاز، لتسود الشعب بأسره حالة من الانبهار والحبور والارتياح، لتخلصه من خطر الإلحاد، فيما لم يعرف أحد أن ضباط الأمن الوطني تكفلوا بإيصال الجهاز بأسلاك كهرباء، لو أوصلت بمؤخرة أبي لهب، لنطق الشهادتين في التو واللحظة.

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.