لم تكن حياة الفنانة كريمة مختار التي ودّعت عالمنا أول أمس عن عمر يناهز 81 عاما، سعيدة دائماً كما يعتقد الكثيرون، بل كانت مليئة بالتحديات والأزمات ومقاطعة من والدها بسبب اتجاهها إلى التمثيل.
كانت كريمة مختار طفلة عادية عاشت في بيت لأب يعمل موظفاً في إحدى الشركات التي تقع أسفل الإذاعة المصرية، كان مؤمناً أن الفن عيب، وأن من تعمل فنانة قد خرجت عن تقاليد العائلة. ولكن وبعد محاولات عدة ارتضى والدها أن تمثل في الإذاعة كونها فقط طفلة، على أن تتوقف تماماً حينما تكبر. لكن جاءت موهبة كريمة وإصرارها أن تلحق أحلامها الفنية أكبر من كل شيء حتى أكبر من اعتراض والدها.
فظهرت كريمة في برنامج "بابا شارو"، وهو برنامج إذاعي كان يبث في الخمسينيات وكان يقدمه الإعلامي محمد محمود شعبان، وذهبت إليه بعدما استمع إليها بالصدفة وهي تتحدث مع المخرج، فكان صوت كريمة مميزاً للغاية وغير مألوف. وهو ما جذب إليها كل من المخرج والفنان عبد الرحيم الزرقاني والإذاعي محمد الطوخي، ولقد شبهها الاثنان في صوتها بسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. ومن هنا بدأت كريمة تتعلق بالتمثيل رافضةً سماع أي أصوات معارضة، حتى إن كل شقيقاتها الخمس وقفن ضدها.
لم تبالِ كريمة، بالأصوات المعترضة وكانت تذهب إلى الإذاعة كل يوم للمشاركة في البرنامج، وكانت دائما تدخل في عراكات مع والدها الذي يراها وهي تصعد الإذاعة كونه كان يعمل في شركة تقع أسفل الإذاعة المصرية في وسط المدينة.
رغب المخرج السيد بدير في صوت جيد وجديد ومختلف ليشارك في أحد أعماله، فكان الترشيح الأول لها في التمثيل لكن هذه المرة على الشاشة وليس وراء الميكروفون.. فرفض والدها. وبعد سلسلة من الإلحاحات عليه من عدد من المخرجين وافق شريطة أن تعود كل يوم إلى منزلها في السابعة مساء وهو ما وافق عليه المخرجون. وبعد فترة بدأت الأمور تهدأ بينهما ولكن مع إصرارها على استكمال الفن قاطعها.
تعلُّق كريمة مختار بالتمثيل ورغبتها أن تكون ممثلة مشهورة ولها اسمها وسط النجوم دفعاها لأن ترفض كل مَن تقدم لخطبتها إيمانًا منها أن أي ارتباط سيحُول دون تنفيذ رغبتها، خصوصاً في ظل نظرة المجتمع حينذاك للممثلة. لكن حينما تقدم لها زميل شقيقتها في الجامعة نور الدمرداش حاولت والدتها إقناعها بالجلوس معه لرؤيته وأن تلقي فقط السلام وتعود إلى حجرتها، ولكن ألقت كريمة السلام على نور ووالدتها ولم تعد لغرفتها، فظلت جالسة شاعرة لأول مرة في حياتها بالحب الذي تسلل إلى قلبها في وقت كان مغلقاً بمليون مفتاح.
فأتمت كريمة خطبتها ولكن ما كان يؤرقها وسامة خطيبها ونزواته أحيانا، لكنها كانت تحاول تجاهلها لثقتها أنه يحبها وهي أيضاً تحبه وتزوجا وبدأت الحياة الفنية تفتح أبوابها أمام كريمة. لكن والدها كان لا يزال غاضبا منها بسبب رفضها الرضوخ لأوامره، فكان العمل الأول فعليا ًلها على الشاشة الكبيرة هو فيلم "ثمن الحرية"، الذي قدمته كريمه كممثلة للمرة الأولى ونور الدمرداش كمخرج للمرة الأولى أيضاً. وشارك في هذا الفيلم عدد ضخم من الأسماء الفنية التي لها ثقلها مثل صلاح منصور ومحمود مرسي ومحمود الحديني وعبد الله غيث، وأنتج عام 1967، أما التعاون الأول بينهما على النطاق التلفزيوني فكان مسلسل "بنت الأيام" مع كل من الفنانين محمود مرسي وصفية العمري وهدى رمزي.
ظلت كريمة متألقة سينمائياً وتلفزيونياً وحتى على النطاق الأسري كانت مستقرة وسعيدة مع نور الدمرداش، لكن هناك غصة كانت تؤرق قلبها ألا وهي خصام والدها لها، وظلت تفكر في ما ستفعل حتى تصالحه.. ولكن كانت الأسئلة من دون إجابات وتركت الجرح تداويه الأيام، وقد كان لها ما تتمناه.
فقدمت كريمة مختار شخصية من أعظم الشخصيات التي قدمتها في حياتها الفنية ألا وهي شخصية والدة النبي موسى، وحققت الشخصية نجاحاً كبيراً لنزعتها الدينية الشديدة، فشاهدها والدها في هذا الدور وعلى الفور اتصل بها هاتفياً وبدأت تعود المياه إلى مجاريها.
لم تملّ كريمة مختار أبداً من أدوار الأم، فكانت تجد نفسها فيها وتعلقت بها منذ عملها الأول في فيلم "ثمن الحرية"، وتعددت أدوارها في نفس الشخصية. واستطاعت بقدرتها التمثيلية القوية أن تقدم كل شخصية بشكل مختلف تماماً عن الأخرى. فقدمت فيلمها "الحفيد" الذي كان أول عمل لها مع المخرج عاطف سالم. وتوالت الأدوار بعد ذلك على كريمة وكانت تعتذر عن بعضها بسبب ظروف حملها، حيث أنجبت أربعة أبناء هم: الإعلامي معتز الدمرداش والمخرج أحمد وهبة الله والمهندس شريف.
على النطاق المسرحي وعلى الرغم من حصولها على بكالوريوس الفنون المسرحية، إلا أن الفنانة كريمة مختار لم تقدم على مدار مشوارها الفني سوى عرض مسرحي واحد فقط، وهو "العيال كبرت"، الذي أنتج عام 1979 واستمر عرضه الناجح جماهيرياً عاماً ونصف العام، مع كل من الفنانين حسن مصطفى وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي. وكانت صداقة قوية تربط كريمة بحسن مصطفى على النطاق العملي والأسري، وكانت قد وصفته في تصريح سابق بأنه بمثابة "حمامة السلام" في العرض الذي شهد بعض الخلافات بين أبطال المسرحية، فكان يقوم فعلياً بدور الأب الذي يحتوي خلافات أبنائه.
ابتعدت كريمة عن الفن لسنوات نظراً لظروف شيخوختها، وكانت عودتها من خلال مسلسل "يتربى في عزو"، في الشخصية الأشهر لها "ماما نونة" مع الفنان يحيى الفخراني، وحققت نجاحاً كبيراً فاق الكثير من أعمالها، وبعدها كانت ضيفة شرف في مسلسل "دلع البنات". وعلى النطاق السينمائي كان آخر أدوارها هو فيلم "ساعة ونص"، وحققت شخصية الأم التي قدمتها نجاحا كبيراً، خاصة المشهد الذي صفق له كل من كان يحضر العمل في دور العرض والذي جمعها بالفنان إياد نصار، وكان هذا هو العمل الذي أنهت به كريمة مشوارها الفني الطويل الذي أسدل الستار عنه بوفاتها وإن كانت ستظل باقية في قلوب جمهورها.
اقــرأ أيضاً
كانت كريمة مختار طفلة عادية عاشت في بيت لأب يعمل موظفاً في إحدى الشركات التي تقع أسفل الإذاعة المصرية، كان مؤمناً أن الفن عيب، وأن من تعمل فنانة قد خرجت عن تقاليد العائلة. ولكن وبعد محاولات عدة ارتضى والدها أن تمثل في الإذاعة كونها فقط طفلة، على أن تتوقف تماماً حينما تكبر. لكن جاءت موهبة كريمة وإصرارها أن تلحق أحلامها الفنية أكبر من كل شيء حتى أكبر من اعتراض والدها.
فظهرت كريمة في برنامج "بابا شارو"، وهو برنامج إذاعي كان يبث في الخمسينيات وكان يقدمه الإعلامي محمد محمود شعبان، وذهبت إليه بعدما استمع إليها بالصدفة وهي تتحدث مع المخرج، فكان صوت كريمة مميزاً للغاية وغير مألوف. وهو ما جذب إليها كل من المخرج والفنان عبد الرحيم الزرقاني والإذاعي محمد الطوخي، ولقد شبهها الاثنان في صوتها بسيدة الشاشة العربية فاتن حمامة. ومن هنا بدأت كريمة تتعلق بالتمثيل رافضةً سماع أي أصوات معارضة، حتى إن كل شقيقاتها الخمس وقفن ضدها.
لم تبالِ كريمة، بالأصوات المعترضة وكانت تذهب إلى الإذاعة كل يوم للمشاركة في البرنامج، وكانت دائما تدخل في عراكات مع والدها الذي يراها وهي تصعد الإذاعة كونه كان يعمل في شركة تقع أسفل الإذاعة المصرية في وسط المدينة.
رغب المخرج السيد بدير في صوت جيد وجديد ومختلف ليشارك في أحد أعماله، فكان الترشيح الأول لها في التمثيل لكن هذه المرة على الشاشة وليس وراء الميكروفون.. فرفض والدها. وبعد سلسلة من الإلحاحات عليه من عدد من المخرجين وافق شريطة أن تعود كل يوم إلى منزلها في السابعة مساء وهو ما وافق عليه المخرجون. وبعد فترة بدأت الأمور تهدأ بينهما ولكن مع إصرارها على استكمال الفن قاطعها.
تعلُّق كريمة مختار بالتمثيل ورغبتها أن تكون ممثلة مشهورة ولها اسمها وسط النجوم دفعاها لأن ترفض كل مَن تقدم لخطبتها إيمانًا منها أن أي ارتباط سيحُول دون تنفيذ رغبتها، خصوصاً في ظل نظرة المجتمع حينذاك للممثلة. لكن حينما تقدم لها زميل شقيقتها في الجامعة نور الدمرداش حاولت والدتها إقناعها بالجلوس معه لرؤيته وأن تلقي فقط السلام وتعود إلى حجرتها، ولكن ألقت كريمة السلام على نور ووالدتها ولم تعد لغرفتها، فظلت جالسة شاعرة لأول مرة في حياتها بالحب الذي تسلل إلى قلبها في وقت كان مغلقاً بمليون مفتاح.
فأتمت كريمة خطبتها ولكن ما كان يؤرقها وسامة خطيبها ونزواته أحيانا، لكنها كانت تحاول تجاهلها لثقتها أنه يحبها وهي أيضاً تحبه وتزوجا وبدأت الحياة الفنية تفتح أبوابها أمام كريمة. لكن والدها كان لا يزال غاضبا منها بسبب رفضها الرضوخ لأوامره، فكان العمل الأول فعليا ًلها على الشاشة الكبيرة هو فيلم "ثمن الحرية"، الذي قدمته كريمه كممثلة للمرة الأولى ونور الدمرداش كمخرج للمرة الأولى أيضاً. وشارك في هذا الفيلم عدد ضخم من الأسماء الفنية التي لها ثقلها مثل صلاح منصور ومحمود مرسي ومحمود الحديني وعبد الله غيث، وأنتج عام 1967، أما التعاون الأول بينهما على النطاق التلفزيوني فكان مسلسل "بنت الأيام" مع كل من الفنانين محمود مرسي وصفية العمري وهدى رمزي.
ظلت كريمة متألقة سينمائياً وتلفزيونياً وحتى على النطاق الأسري كانت مستقرة وسعيدة مع نور الدمرداش، لكن هناك غصة كانت تؤرق قلبها ألا وهي خصام والدها لها، وظلت تفكر في ما ستفعل حتى تصالحه.. ولكن كانت الأسئلة من دون إجابات وتركت الجرح تداويه الأيام، وقد كان لها ما تتمناه.
فقدمت كريمة مختار شخصية من أعظم الشخصيات التي قدمتها في حياتها الفنية ألا وهي شخصية والدة النبي موسى، وحققت الشخصية نجاحاً كبيراً لنزعتها الدينية الشديدة، فشاهدها والدها في هذا الدور وعلى الفور اتصل بها هاتفياً وبدأت تعود المياه إلى مجاريها.
لم تملّ كريمة مختار أبداً من أدوار الأم، فكانت تجد نفسها فيها وتعلقت بها منذ عملها الأول في فيلم "ثمن الحرية"، وتعددت أدوارها في نفس الشخصية. واستطاعت بقدرتها التمثيلية القوية أن تقدم كل شخصية بشكل مختلف تماماً عن الأخرى. فقدمت فيلمها "الحفيد" الذي كان أول عمل لها مع المخرج عاطف سالم. وتوالت الأدوار بعد ذلك على كريمة وكانت تعتذر عن بعضها بسبب ظروف حملها، حيث أنجبت أربعة أبناء هم: الإعلامي معتز الدمرداش والمخرج أحمد وهبة الله والمهندس شريف.
على النطاق المسرحي وعلى الرغم من حصولها على بكالوريوس الفنون المسرحية، إلا أن الفنانة كريمة مختار لم تقدم على مدار مشوارها الفني سوى عرض مسرحي واحد فقط، وهو "العيال كبرت"، الذي أنتج عام 1979 واستمر عرضه الناجح جماهيرياً عاماً ونصف العام، مع كل من الفنانين حسن مصطفى وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي. وكانت صداقة قوية تربط كريمة بحسن مصطفى على النطاق العملي والأسري، وكانت قد وصفته في تصريح سابق بأنه بمثابة "حمامة السلام" في العرض الذي شهد بعض الخلافات بين أبطال المسرحية، فكان يقوم فعلياً بدور الأب الذي يحتوي خلافات أبنائه.
ابتعدت كريمة عن الفن لسنوات نظراً لظروف شيخوختها، وكانت عودتها من خلال مسلسل "يتربى في عزو"، في الشخصية الأشهر لها "ماما نونة" مع الفنان يحيى الفخراني، وحققت نجاحاً كبيراً فاق الكثير من أعمالها، وبعدها كانت ضيفة شرف في مسلسل "دلع البنات". وعلى النطاق السينمائي كان آخر أدوارها هو فيلم "ساعة ونص"، وحققت شخصية الأم التي قدمتها نجاحا كبيراً، خاصة المشهد الذي صفق له كل من كان يحضر العمل في دور العرض والذي جمعها بالفنان إياد نصار، وكان هذا هو العمل الذي أنهت به كريمة مشوارها الفني الطويل الذي أسدل الستار عنه بوفاتها وإن كانت ستظل باقية في قلوب جمهورها.