تأخّر اكتشاف كريمة عبود حتى مطلع الألفية الثالثة، حين صدر كتاب "لقطات معاصرة" للباحث عصام نصار، ثم جرى تتبُّع أرشيفها الذي يضمّ آلاف الصور وكان لدى "جامع مقتنيات قديمة" إسرائيلي! قبل أن يُستعاد، خلافاً لكم كبير من الصور والأفلام الفلسطينية الذي لا يزال يسيطر عليه الاحتلال.
بعد ذلك، أُقيم أكثر من معرض يضمّ أعمال المصوّرة الفوتوغرافية الفلسطينية (1893 - 1940)، وأُنتج فيلم وثائقي حول تجربتها بعنوان "صور مستعارة" (2012) للمخرجة محاسن ناصر الدين، كما صدر كتاب "كريمة عبود: رائدة التصوير النسوي في فلسطين" (2013) من إعداد متري الراهب.
ضمن فعاليات "مهرجان بيروت للصورة"، افتُتح معرض استعادي لعبود يتواصل حتى الرابع من الشهر المقبل، ويشير المنظّمون إلى أصول ابنة مدينة الناصرة الفلسطينية التي تعود إلى بلدة الخيام في الجنوب اللبناني، حيث انتقلت عائلتها خلال القرن التاسع عشر إلى فلسطين واستقرّت فيها.
مثل معظم الفوتوغرافيين الفلسطينيين الأوائل، تعلّمت مبادئ التصوير على يد أحد المصورين الأرمن، الذين كانوا روّاد هذه المهنة في العهد العثماني، وحظيت بهدية من والدها، رجل الدين المسيحي سعيد عبود، تتمثّل بآلة تصوير، لتبدأ مشروعها الصغير؛ حيث افتتحت استوديو للتصوير في مدينة بيت لحم مخصّصاً للنساء فقط.
التقطت عبود صوراً شخصية لأناس عديدين توافدوا على محلّها أو صورّتهم في منازلهم وكذلك في الشارع، كما سجّلت العديد من تفاصيل الحياة اليومية ضمن المشاهد التي صوّرتها في المدن، حيث صور الأسواق والمحلات التجارية والباعة، والعديد من أصحاب المهن والحرف التقليدية.
بالطبع، تستحوذ المرأة على أغلبية الصور مع وجود بعض الرجال في العديد من المشاهد التي وثّقتها، سواء في المدينة أو في الأرياف، إذ تحضر النساء وهن يسرن بجانب بعضهن بعضاً أو متفرقات ويقمن بأشغال متعدّدة في الحقول أو في الحياكة والتطريز أو غيرها من الأعمال المنزلية.
تقدّم صور عبّود وثيقة بصرية للحياة الاجتماعية في فلسطين، ومنها صورة لمحطة التاكسيات حيفا- الناصرة التي التقطتها سنة 1922، وتظهر فيها مجموعة نساء بملابس قصيرة وقبّعات يتكئن على سيارة، ورجال يعتمرون الطرابيش.
لم تنج عبود في بعض أعمالها من بُعد استشراقي في تناول بعض الأماكن الدينية والأثرية التي قدّمتها في إطار الاستجابة لتصوّر معين يحكم ذهن السيّاح أو الحجّاج القادمين من أوروبا حول الأراضي المقدسة، والذي يندرج ضمن سياق عام في تقديم هذه المعالم في معظم الوثائق والرسوم والفوتوغرافيا والطوابع البريدية في تلك المرحلة، إضافة إلى وجود صور التقطتها لأنشطة حكومة الانتداب من حفلات وفعاليات اجتماعية لا تزال محفوظة في الأرشيف البريطاني.
يُذكر أن المعرض تقدّمه "مؤسسة قدرات الدولية" ضمن مقتنيات أيمن مطانس، ويمنح صورة شاملة عن فلسطين زمن الاستعمار البريطاني، بما تحتويه الصور من مناظر طبيعية وآثار تاريخية ومناسبات دينية واجتماعية وحكايات سيدات ولا سيما من الطبقات الصاعدة في وقتها.