كريستين ريبي: بورتريه بالشذرات

04 يونيو 2015
(تصوير: كايل أولسين)
+ الخط -

بدأت الاهتمام بالكتابة الأدبية في سن الخامسة والعشرين عندما سألوني في المستشفى: تفكرين في ماذا؟! فقلت لنفسي إذا كنت سأخبرهم عن أفكاري وانشغالاتي؛ فلأقل ذلك للوسط الأدبي وبطريقتي! أقول، أنا امرأة شابة. أقول، أنا في السادسة والعشرين، من اليوم الذي حملت بك.

تقول أمّي ولدتُكَ، سيكون لي طفلي وأنجبتكِ، أنت الطفلة المنتظرة، تخبرني بذلك وكثيراً ما تكرّرُه. عشت معها. الآن أنا في السادسة والعشرين، أقول أنا، أقول أنا التي اختارها الإله، أنا الخالقة. أشعر أن الكلمات تكلمني.

***

الشعر بخصائصه، الرواية بخصائصها، لكني أرغبُ فيها جميعاً، كما قال باختين: فقط الرواية تستطيع إظهار كلّ هذا التنوع. المفكر الفرنسي رولان بارث يقول: الأكثر إثارة في القراءة ليس الحبكة، إنما الموسيقى. لا نستطيع أبداً نسيان نهاية الرواية عند قراءتها، لكن الموسيقى، يمكننا المضي في القراءة بلا توقف، نغنمُ المتعة مرّة ومرّة.

***

قراءة رواية جيدة يحتاج إلى جهد وهذا الجهد سيغيّرك ويجعل حياتك مختلفة.

***

النصوص المألوفة تجعلني أشعر بالملل. لا جديد في حياتي.

***

أحب الكتابة عن: الموت، العنف، الكراهية، الحب الأبوي والقلق العميق العميق.

وعادة ما تكون كيفية الكتابة عنها بالوقوف في طرفي الوتر المشدود، حيث التوتر يمضي إلى أقصى مداه. لذا تجد الكثير من أنواع الكتابة في رواياتي:

قوائم ذكريات

قوائم تجارب لمتع ولذاذات

قصائد

جمل تطرق أذني مما يتفوه به أناس لا أعرفهم، في الطرقات أو في وسائل المواصلات أو في المقاهي

وصف لحديث بلغة الصم

نقاشات

مقالات

أساطير

مقتطفات من أفلام

الجوفة العتيقة تعلّق على الحدث.

***

من المستحيل كتابة شيء جديد، لكني أحاول أن تكون كتابتي مختلفة، جديدة جزئياً. أن لا أشبه أحداً. ليس فقط في شيء ما، بل كشيء ما. أكتب كموت، أكتب كحزن. أن تكتب قصصاً فحسب هو بطريقة ما جبن كبير!

***

أرسطو قال: عليك أن تكتب ناسخاً الواقع الحقيقة، الشخصية، الفكرة، الحدث. لكن ماذا عن نسخ الأحلام، اللاوعي، فوضى الفكرة؟ الفوضى أبعد مدى من القصص.

***

في روايتي"رؤيا" ثمة سؤال: لو أنّ أفكارنا تذوب، أفكارنا بحرارة أجسادنا، ما الذي سيحدث لها عندما نموت؟ وتبرد أجسادنا؟ هل سنعي أكثر، نعي لماذا على ولدي أن يموت؟

***

كتاب الموتى للتبت، مصدر إلهام كبير لي. يمثل ست حالات للعقل: الحلم، التأمل، تجربة على حافة الموت، إعادة الولادة، التبني، الموت الوشيك. أنا أستطيع معرفة الحالة الأولى، الحلم، لكن الأحلام بالغة التنوع لدرجة لن أقدر أبداً على اكتشافها تماماً.

***

أحلامي أسجلها في دفتر أحتفظ به تحت وسادتي. ألعب بالكلمات. كلّ مهامي الليلية لحل الصورة الشعرية: عيون على سلالم إلى أعلى كحبّات كرز.

***

أداوم على كتابة أحلامي على مدى سنوات عند منتصف الليل، أقدر أن أنسخ وأخلق أحلاماً جديدة مثل:

أغصان نائمة، لا أنين / معلومة/ تمضي قدماً. الدجاجة في طاحونة الأسنان، تقفز للأعلى وللأسفل. هذا يشبه: ماذا وكيف أحلم.

***

آخرون يعرفون بعضاً من هذا، هامسون: اكتب حياة لاوعي الروح. وولف: تيار الوعي. كلاهما حاد وبعيد لا يقترب من فوضى أفكاري الأولية، لا يمضيان بعيداً بما يكفي. الأفضل من ذلك: كلود سيمون، والفصل الثامن من رواية يوليسيس لجيمس جويس، كلاهما شديدا التعقيد. علاقات قفزات أفكار، غرابة، مثل الذي أحمله في رأسي في البداية - أنا لست بليغة دائماً، ليس من البداية.

***

أساطير

كنوز الأدب، الحكمة العتيقة، والطرق القديمة للتعبير عنها. ليست شائعة، لكنها ثراء سرّي.

***

أنا مشدودة لفكرة الموت. في روايتي: "بصر" ابن مات بالسرطان. يحاول الأب في خضمّ حزنه الشاسع إعادته بالتضحية بنفسه وبمحاولة كتابة قصيدة عنه. الابن من جانبه يحاول مساعدته بالكلمات والأساطير النوريسكية القديمة شارحاً الحكمة. فكرة محاولة إعادة شخص من العالم الآخر معروفة في أركان الأرض: جلجامش، أوفيد، الشعر النوريسكي، أساطير الهنود الحمر والكثير... يقول الابن لأبيه: طالما تفكر في، سأستمر في الحياة. هذه الرواية توضح نقطة هامة عن الحروف الصائتة. حروف العلّة طريق محتمل لجعل قصيدة قادرة على إرجاع الميت، لجعل الحكمة أكثر وضوحاً. وهذا أقرب ما يكون إلى الشعر.

***

في روايتي الأخيرة: "خطأ": امرأة مصابة بالسرطان، تختار عدم تناول العلاج. متعبة جداً، مرهقة جداً لتواصل شؤون حياتها. بالرغم من هذه الثيمة الكئيبة، لا توجد دراما في هذه الرواية، هي رواية هادئة جداً، بنقلات صامتة. هي رواية يقوم فيها القارئ بنسخ النقلات، يمكنه المشاركة في التعب والإرهاق، عليه أن يصاب بالعدوى بها لا أن يقرأ عنها فقط. وإذا كان هذا أثر الرواية، أعتقد أنني أنجزت شيئاً غاية في الأهمية.

***

لا حدث، لا ماضي، لا أفكار، لا مشاعر. كما في الواقع عندما نجلس بجانب شخص: نعلم النزر اليسير. الحاضر مهمّ جداً في الألم.

***

العديد من الناس يعتبرون بعض رواياتي معيبة أخلاقياً.

البعض يرسلون لي خطابات يخبرونني أنهم مروا بتجارب شبيهة- أنفسهم أو أقرابهم وجيرانهم.

لكنهم لم يتجرّأوا على البوح بها.

***

هذه الرواية تحتوي على الكثير من الأصوات. في الأدب النرويجي يوجد القليل جداً من الأصوات. هنا: صوت/ طالب ينتظر سيارة تاكسي في الخارج/ صوت/ الجار ينزل الدرج راكضاً/ صوت/ الكأس يملأ بالماء/ أعتقد بإضافة أصوات كهذه، تصير أقرب للواقع وحقيقية، نحن بالفعل نسمع. ولعلّ هذا يجعل الرواية أكثر شعرية.

المساهمون