أحد عشر عاماً تفصل بين رحيل الفنان البلغاري الأميركي كريستو (1935 - 2020) وزوجته وشريكته في الفن، الفرنسية جين كلود دي غويلبون (1935 - 2009)، واللذين أطلقا مشروعاً خاصاً في الفن المفاهيمي، باستخدام النسيج الذي غطّى عشرات المباني الشهيرة حول العالم.
أراد الفنانان إعادة اختراع تاريخ لأمكنة تجمّدت في شكل أيقوني، ولم يعد من يعيشون بقربها يستعشرون وجودها في الحاضر، حيث هي أشبه بكتلة خرساء تنتمي إلى الماضي، ليقوما بدروهما في إعادة إحيائها عبر تفكيك رمزيتها الراسخة في عمل فني يخفيها بشكل مؤقت، ويحفّز الناس للتفكير مجدّداً بالاقتراح الجمالي الذي قدّمه الزوجان الفنانان حولها.
حتى السابع عشر من آب/ أغسطس المقبل، يتواصل معرض "مشاريع كريستو وجين كلود 1963 - 2020" الذي أعيد افتتاحه في فضاء "قصر الشعب" ببرلين، في السادس من أيار/ مايو الماضي، ويتتبّع تجربتهما خلال ما يقارب ستّ عقود.
يضيء المعرض على واحدٍ من أبرز أعمالهما، الذي نُفّذ في العاصمة الألمانية عام 1995، حين قاما بلفّ مبنى البرلمان (الرايخستاغ) بثلاثين ألف متر مربع من نسيج البولي بروبلين المقاوم للحريق، والذي يعكس عدم الثبات، في إشارة إلى المخاوف التي كانت تحيط بفكرة ألمانيا الموحدة سياسياً، وغُطّى بطبقة من الألمنيوم، ملفوفاً بالحبال الزرقاء في مشروع تطلّب العمل فيه من قبل مئة متسلق مدرب مدة خمسة أسابيع.
يشير بيان المنظّمين إلى وضعهما رؤيتهما الأولية للعمل منذ منتصف السبعينيات، حين كانت برلين لا تزال مقسّمة بين شرق وغرب، لكن مشروعهما رُفض ثلاث مرات قبل أن يتمكّنا من إقناع أعضاء البرلمان والمؤسسات الحكومية والاستعانة بجماعات الضغط والناشطين، وينجحا في تحقيق هدفهما بعد نحو عقدين.
يضم المعرض، الذي يأتي بعد مرور ربع قرن على تنفيذ العمل الذي جذب اهتمام جمهور عريض من شرائح مختلف، شأن بقية أعمالهما، سبعين عملاً آخر جرى استعارتها من "مجموعة إنجريد وتوماس يوخايم الفنية"، والتي تضمّ لوحات واسكشتات وضعها كريستو وجين في بداية مشوراهما، بالإضافة إلى الإصدارات والمطبوعات التي احتوت فنّهما.
يضيء المعرض على ثلاثة وعشرين عملاً تركها الفنانان في قارات مختلفة، تُبرز تحوّلاتهما الفنية ونظرتهما إلى جدل الطبيعة والمعمار، والتي تمّ تنفيذها من دون أي نوع من التمويل، بالاعتماد على إيرادتهما من الرسومات والكولاجات وأعمال الطباعة الحجرية.
تُعرض الرسومات الأولية التي تبدو أكثر من مجرّد افكار أو مسودات أو خارطة لبناء مشاريعهما، حيث تُظهر اهتمامهما الكبير بالتعامل معها باعتبارها أعمالاً فنية أيضاً، تتسم بالدقة والتخطيط المدروس لنوع من الأعمال يقام كورشة كان يشرف فيها كريستو وجين على عشرات العمال والحرفيين.
من الأعمال المعروضة: "ستارة الوادي" في كولورادو (1970 - 1972)، و"ركض السياج" في كاليفورنيا (1972 - 1976)، و"جسر نوف" في باريس عام 1985، و"متحف الفن المعاصر" في شيكاغو، ومشروع أقيم على ساحل بالقرب من سيدني بأستراليا.