"نحن فريق من الناشطات"، حسبما قالت لينا المعينة، والتي شاركت في أول فريق نسائي لكرة السلة، منذ أحد عشر عاماً، وأدى ذلك إلى تأسيس فريق "اتحاد جدة" عام 2006، وهو أول فريق رياضي نسائي في السعودية.
وأضافت المعينة "أخذنا على أنفسنا عهداً بتشجيع هذه الرياضة، في وقت كانت فيه ممارسة النساء الرياضة تعتبر لدى كثيرين من المحرمات، وكانت هناك رقابة ذاتية على الألعاب الرياضية التي تمارسها المرأة".
وتقول المعينة، إن كرة السلة تلقى رواجاً بين الفتيات السعوديات، إذ تجمع الصداقة الحميمة أفراد الفريق. كما ينظر إليها أيضاً باعتبارها أكثر قبولاً اجتماعيّاً نظراً لقدرة الفتيات على ممارستها بملابس محتشمة واسعة، وإمكانية ممارستها داخل وخارج القاعات.
وبالنسبة للاعبات، لا تعد كرة السلة مجرد رياضة، بل أحد الأنشطة التي تمثل تحديّاً للأعراف السائدة في بلد يعتبر فيه المحافظون ممارسة الفتيات الرياضة أمراً شائناً.
ولا توجد حصص للتربية البدنية في مدارس الفتيات السعودية حتى الآن، ومع ذلك، تتزايد مشاركة السيدات في ممارسة كرة السلة، إذ يمارس عدد منهن اللعبة في بلدان عربية أخرى.
هدير صدقة (20 عاماً) بدأت ممارسة اللعبة قبل ثماني سنوات مع المعينة في جدة يونايتد، وتلعب الآن في فريق جامعة الشارقة في الإمارات العربية المتحدة.
تقول هدير "لم أكن لأصل إلى الشخصية التي أنا عليها الآن من دون الرياضة والفريق، هذا منحني المزيد من الحركة في المجتمع والمدرسة وكذلك الدراسة، وجعلني شخصية اجتماعية أكثر وواثقة بنفسي".
وقالت صدقة، المولودة في جدة "جدة هي المكان حيث المرأة هي الأكثر نشاطاً فعليّاً في المجتمع... أعتقد أنه المجتمع، نحن مختلفون، نحن لسنا مثل بعضنا بعضاً (كما الرياض)."
عراقيل
ورغم انتشار اللعبة، إلا أن كرة السلة النسائية في السعودية لا تزال تواجه عدداً من العراقيل اللوجستية، نتيجة قواعد الفصل الصارم بين الجنسين الذي تنتهجه المملكة.
وعقب بدايتها المتواضعة في نادي اتحاد جدة، توسعت الرياضة إلى مجموعة من الفرق في مدن مختلفة. ولم يجر إنشاء اتحاد رسمي حتى الآن، إلا أن الفرق النسائية تشارك في بطولات خاصة ضد مجموعة من فرق المدارس الخاصة والجامعات الأخرى في المملكة.
ولا تشكل الفرق النسائية جزءاً من اتحاد كرة السلة في المملكة الذي يشرف على الرياضات، وتسعى السيدات في كثير من الأحيان إلى البحث عن أماكن للتدريب، ولا يسمح لهن بحضور المباريات في الملاعب الرياضية. ففي جدة تؤدي اللاعبات الأكبر سناً تدريباتهن في الملعب الوحيد المخصص للنساء، ويشاركن في البطولات النسائية فقط، حتى أن مدربيهم الرجال لا يسمح لهم بحضور المباريات.
ولم تتمكن الرياضيات السعوديات من المشاركة في الدورات الأولمبية إلا في عام 2012 إذ شاركن بلاعبتين فقط. إلا أن المملكة حظرت مشاركة النساء في بطولة آسيا عام 2014، واقتصرت مشاركتها على الرجال فقط.
المجتمع ورياضات النساء
في درس تدريب على كرة السلة أخيراً في جدة، تقفز فتيات في عمر أربع سنوات وتصوب ثم تجري في الملعب المفتوح المقام خلف جدران خرسانية. في حين كان الفتيان يلعبون في ملاعب قريبة. وأثناء التدريبات يتوقف الأطفال ومدربوهم لأداء الصلاة.
غير أن الرياضة النسائية في المجمل، تواجه معارضة قوية داخل المملكة، حيث يهاجم رجال الدين المعروفون رياضات مثل كرة السلة، قائلين، إن ممارستها قد تتسبب في تمزق غشاء البكارة وفقدان العذرية، فيما أكد آخرون أن الرياضة تهدم الفواصل الجنسية وتجعل النساء أكثر شبهاً بالرجال.
وقد واجه فريق المعينة انتقادات قوية عقب مشاركته في بطولة بالأردن عام 2009، كانت اللاعبات يرتدين العباءات ونشرت صورهن في ثياب التدريب المحتشمة في الصحف المحلية. إلا أن المشاركات في الفريق وصفن بـ"الفاسقات" و"الشيطانيات".
هوجم الفريق بسبب صور مشاركته في مباريات بالأردن |
وفي الوقت الحالي لا تزال كرة السلة النسائية في المملكة العربية السعودية ظاهرة هامشية، ولكن بالنسبة للاعبين المتحمسين وأولياء الأمور، فإن وجودها هو مصدر ترحيب كبير بسبب الفوائد المتعددة الناتجة عن ممارسة الرياضة والدروس في الحياة التي تتسم ببناء الثقة.
من جانبه يقول عمر عبد السلام، المدرب المولود في نيويورك "مفهوم الرياضة يجلب ما نحاول أن نعلمه، مهارات القيادة والقيام بدور وكيفية إدارة الوقت... أتريد أن تكون جيداً في أمر ما؟ فلتعمل من أجله". ويقوم المدرب الأميركي، بتدريب الفتيات والفتيان في جدة منذ أكثر من عقد.
بالنسبة للصيدلانية آلاء الشوير، وهي أم لفتاتين، فإنها اطلعت أخيراً على لعب كرة السلة مع عبد السلام في جدة وتفكر في إشراك ابنتيها في اللعبة.
وقالت "أعرف مائة في المائة أنه لا يوجد شيء خطأ في ممارسة الفتيات والفتيان للرياضة... أفضّل أن يمارسوا الرياضة على أن أشتري لهن فساتين وحليّاً".
"جدة غير"
من المنطقي أن تصبح جدة حاضنة لكرة السلة النسائية في المملكة العربية السعودية، بسهولة لأن المدينة الساحلية في البلاد هي الأكثر ليبرالية وعالمية.
وسكان جدة هم بوتقة تنصهر فيها الأعراق الذين استقر أجدادهم على طول طريق قديم للتجارة والحج، خلافاً للجذور القبلية إلى حد كبير للسعوديين في المناطق الأخرى، وكان نتاج ذلك ثقافة متميزة وأكثر انفتاحاً من المدن السعودية مثل العاصمة الرياض.
وأنشأت جدة أماكن عامة، حيث النساء والفتيات الصغيرات يتنزهن فيها بخفة جنباً إلى جنب مع الرجال في عباءات سوداء رياضية، وهو أمر مبتدع في المملكة، حيث ممارسة الرياضة النسائية نشاط خاص إلى حد كبير.
وحتى مع الليبرالية النسبية، لا تزال الرياضة النسائية في جدة تواجه القيود التي تجعلها هواية للطبقة العليا والنخبة. فالانضمام إلى نادٍ مثل "اتحاد جدة" يكلف نحو 600 ريال شهريّاً، والوصول إلى صالة ألعاب رياضية أو إلى ناد رياضي يتطلب أيضاً الدفع لسائق لأنه لا يسمح للنساء بقيادة السيارات في السعودية.