كرة الخيط

03 ديسمبر 2015
نحن كالقطة التي تلهو بتركيز بالغ بكرة خيط(فرانس برس)
+ الخط -
(1)
على طريق سريع تمشي السيارة في عكس اتجاه الهواء، أخرج يدي فإذا بها خفيفة كورقة شجر، يعجبني الأمر فأخرج رأسي واجعلها تتدلى، يدغدغ الهواء وجهي، فأصدر صيحات عالية والرياح تمسك حنجرتي بكفين كبيرين كأب ضخم يحمل مولوده ابن الأيام، أضحك وأرى الصداع وأفكاري البشعة تنسكب على الأسفلت، وأكاد أسمع صوتها وهي تنسحق.. أقول الحياة بسيطة ورائعة!


أتصفح الأخبار فأجد من قُتل ومن خطف، وثكالى هنا وهناك، تسقط دموعي بنفس سرعة سقوط الصداع وأفكاري على الأسفلت، وأقول الحياة بشعة الدناءة ليتنا متنا جميعاً قبل هذا وكنا نسياً منسياً.

يحدث هذا في نفس اليوم وربما في نفس الساعة، هذه ليست يومياتي، ولكنها قد تكون قصة جيل بأكمله.

نحن كالقطة التي تلهو بتركيز بالغ بكرة خيط، تلتف حولها الخيوط وتحاول أن تمسك بكل واحد منها على حدة، لا تعلم أنها في النهاية خيط واحد طويل يعود بها لنفس الكرة.

نثرثر عن كل شيء ونخوض معارك كلامية عن الأفلام الهابطة والحب والفضاء وفي المنتصف نجد أنفسنا قد عدنا إلى نفس نقطة الهروب.. السياسة.

(2)
في الذكرى السنوية لانتحار فتاة لعبت هي الأخرى بكرة الخيط، وجدتني أكتب في دفتري "لو فقط كنت ارتديت نظارة طبية يا زينب كنت رأيت تباين الألوان بشكل جيد، أنا مثلك يضيق صدري من اللون الواحد ولو كان أبيض أو زهريا، وإن كانت الزهور جميعها بنفس اللون ما كان أحبها أحد، لكن كلنا ضعيفي النظر يا زينب ونحتاج لنظارة طبية نرى بها أن هناك ألوانا عدة تتراوح بين الداكن والفاتح.. لو كنت انتظرت!".

بعد أن كتبت ذلك تخيلت أنني أقف في مكان شمسه حارقة لا تمكّنني من فتح عيني، وقال لي شخص أن الآن النصف الآخر من الكرة الأرضية لا توجد به شمس، وعلمياً ستتركنا وتذهب إليهم بعد فترة، حتماً سأقول له اخرس الآن أو للأبد وامشِ أنت مغمض العينين حتى تصل للنصف الآخر حيث الظل واتركني وشأني.

لكن إن قال لي هناك شجرة قريبة يمكن أن أختبئ تحتها من الشمس لأستطع الرؤية سأفكر حينها كيف أصل للشجرة.

(3)
يمكننا بالكلام أن نربت على كتف العواصف حتى تهدأ بدلاً من الحديث عن أنواعها ومقارنة قوتها ببعض.

لا أحد يريد أن يسمع كلمات محفوظة عن الابتلاء ومن هم أشد منه كرباً وهو في منتصف طريق وعر لا يقدر على تحمل وعورته، هو ببساطه استمع لذلك في الخطب ومن والديه وهو صغير وحتى من سائق التاكسي الحكيم الذي يقابله الجميع.. هو فقط يحتاج من يقول له إنه حقاً طريق شاق ونحن ضعفاء ومكاسير، لكن هناك طرق متفرعة مؤهلة لمشي العرجان والمتعبين.

لم يعتب الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لغضبه من زوجاته أحياناً، لأن هناك من لا يستطيع الزواج أو حزنه على مرض ووفاة أولاده لأن في الغزوات من يموتون وهو على عاتقيه أمر جلل و شؤون أمة.
خلقنا من طين والطين لين سهل الذوبان وإن خالطته الحصى.

فسلام من الله على أوليائه الذين في صدورهم مساحة تكفي الشخص وهمه ومن قبلهم على خاتم الأنبياء المخلوق مثلنا من طين يبكي ويتألم ويصيبه الشوق والحنين وعلى آله وصحبه أجمعين ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين ومن تعلق به قلبه ولو كان من المقصرين.

(مصر)
دلالات
المساهمون