بيّن الاحتفال الذي نظّمه جهاز الاستخبارات الإسرائيلية، (الموساد)، الثلاثاء الماضي، بمناسبة ذكرى النكبة الفلسطينية، والتي يسميها الاحتلال "الاستقلال"، طابع بعض العمليات السرية التي ينفذها الجهاز بشكل معتاد كل عام، في وقت كشف فيه مسؤول سابق رفيع في الاستخبارات عن عمليات تهجير اليهود إلى فلسطين ودور الأكراد في ذلك.
ونشر نائب رئيس "الموساد" الأسبق، نحيك نفوت، الذي خدم في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، كتاب مذكراته، والذي سلّط الضوء على بعض العمليات السرية التي خطط لها وشارك فيها. ويكشف الكتاب، الذي جاء بعنوان "عالم بأكمله: قصة رجل موساد"، عن دوره المركزي في تهجير يهود العراق لفلسطين، علاوة على إسهامه في إرساء أواصر التحالف بين إسرائيل وأكراد العراق أواخر الستينات ومطلع سبعينات القرن الماضي، ناهيك عن مسؤوليته عن التنسيق بين "الموساد" والاستخبارات الإيرانية في عهد الشاه.
وكشف نفوت أنه بعد تعيينه كمدير مكتب "الموساد" في طهران عام 1969، عمل على الاتصال بقادة الأكراد في شمال العراق الذين ساعدوا في نقل يهود العراق إلى فلسطين. وأضاف: "لقد زوّدنا أصدقاءنا الأكراد بعناوين العائلات اليهودية في بغداد ومدن عراقية أخرى، حيث وصل الأكراد لهذه العائلات وأبلغوها بضرورة الاستعداد للمغادرة". وحسب نفوت، فقد قام الأكراد بنقل العائلات اليهودية في جيبات إلى الحدود العراقية الإيرانية، ومن ثم إلى داخل إيران ومنها إلى فلسطين.
وبالعودة إلى حفل "الموساد"، فقد جاء برعاية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس جهاز "الموساد" تامير باردو. وجرى فيه منح أوسمة للضباط "المتميّزين" بمناسبة الذكرى السابعة والستين.
اقرأ أيضاً: حرب إسرائيل السرية ضد إيران
وعلى الرغم من أنه لم يتم تقديم معلومات تفصيلية حول "الإنجازات" التي جرى على أساسها منح هؤلاء الضباط الأوسمة، لكن يُستشفّ أنّ بعضهم حصل عليها نتيجة قيامه بعمليات "سرية وجريئة خلف خطوط العدو"، في حين جرى تكريم القسم الآخر لإسهامه في تحسين قدرة الجهاز على الحصول على معلومات استخبارية ذات قيمة استراتيجية.
وذكرت صحيفة "ميكور ريشون"، في عددها الصادر الأربعاء الماضي، أنّه جرى منح وسام "البطولة والجرأة" لأحد "مقاتلي الموساد المخضرمين، لأنه خطط ونفّذ عمليات سرية خارج فلسطين المحتلة، مثّلت نقطة تحوّل فارقة"، إذ جرت الإشادة بإبداء "هذا المقاتل رباطة جأش وجرأة، على الرغم من أن حياته كانت معرضة للخطر". وعلى الرغم من أنه لم يتم الكشف عن هوية هذا المقاتل ولا الشعبة التي ينتمي إليها في الجهاز، لكن يتوقع أنه يعمل ضمن شعبة العمليات، "قيساريا"، وهي المسؤولة عن تخطيط العمليات الميدانية، مثل عمليات الاغتيال، وزرع أجهزة التنصت في مناطق تمثل أهدافاً استخبارية، وغيرها من الأنشطة ذات الطابع العملياتي.
وقد منحت أوسمة لعملاء "موساد" شاركوا في عمليات أسهمت في جمع معلومات استخبارية مهمة من مصادر بشرية، أفضت بدورها إلى تحولات مهمة في أداء الجهاز، بما انعكس إيجاباً على "الأمن القومي" الإسرائيلي. ومن المؤكد أن الذين حصلوا على هذا الوسام هم عملاء في شعبة "تسوميت"، وهي الشعبة المتخصصة بجمع المعلومات من مصادر بشرية عبر تجنيد عملاء، إذ تمت الإشارة إلى أن جمع هذه المعلومات المهمة تطلّب من الحاصلين على الأوسمة العمل خارج حدود فلسطين المحتلة وتعريض حياتهم للخطر.
وتجدر الإشارة إلى أن الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية تنظر بتقدير كبير للمعلومات الاستخبارية التي يتم الحصول عليها من مصادر بشرية. ويستدل من خلال الحفل أن "الموساد"، كباقي الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، يولي أهمية كبيرة للحرب الإلكترونية وتوظيفها في جمع المعلومات الاستخبارية، علاوة على توظيف الهجمات الإلكترونية في "الحرب الصامتة" التي تشنها إسرائيل على أعدائها والتي تضمن عدم ترك آثار تدل عليها.
وفي هذا الإطار، منح رئيس "الموساد" وساماً لأحد العاملين في الجهاز بسبب دوره في تنفيذ هجمات إلكترونية أسهمت في تحقيق "إنجازات استخبارية ذات قيمة بشكل خاص"، كما جرى منح وسام لموظف آخر بسبب دوره في تطوير منظومات تكنولوجية حسّنت من قدرة الجهاز على مواجهة تحديات جديدة في مجال جمع المعلومات الاستخبارية.
من جهة ثانية، جرى منح شهادات تقدير لوحدات في "الموساد" بسبب قيامها بعمليات استخبارية تتعلق بيهود العالم. ومُنحت وحدة في "الموساد" شهادة تقدير لنجاحها في جلب معلومات مهمة حول مصير أحد عشر يهودياً غادروا إيران في تسعينيات القرن الماضي واختفت آثارهم. وحسب ما نشر، فقد تمكنت هذه الوحدة من تقديم دليل على مقتل هؤلاء اليهود وقدمت تفاصيل حول ظروف مقتلهم للحاخامية الكبرى، وهي التي أصدرت فتوى لنساء هؤلاء بإمكانية الزواج مجدداً.
وفي السياق، كشف معلّق الشؤون الاستخبارية، يوسي ميلمان، النقاب عن أن مستويات قيادية في "الموساد" اشتكت من بطء إقرار تنفيذ العمليات داخل "الموساد" في عهد باردو، مقارنة بسلفه في المنصب، مئير دغان. وفي تقرير نشرته "معاريف" أخيراً، نقل ميلمان عن هذه المستويات قولها إن باردو يصرّ على مناقشة أدق التفاصيل المتعلقة بكل عملية يتم اقتراحها من قبل شُعَب الجهاز المختلفة قبل إقرارها، ما يفضي إلى بطء تنفيذ العمليات في عهده. وضرب ميلمان مثالاً أحد النقاشات التي جرت في ديوان باردو حول إحدى العمليات السرية المقترحة، إذ أصرّ الأخير على إحضار أحد الفنيين الذي اقترح استخدام تقنية ما في تنفيذ العملية، وظل يناقشه حتى أقنعه بعدم صوابية استخدام هذه التقنية تحديداً.
اقرأ أيضاً مصر: انتظار حكم بقضية تجسس إسرائيلي