كاميرون يسير في حقل ألغام من "داعش" إلى اسكتلندا

04 سبتمبر 2014
يزداد توتر كاميرون مع اقتراب موعد 18 سبتمبر الجاري(Getty)
+ الخط -
اضطر رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، قبل أسابيع، الى قطع إجازته الصيفية والعودة الى لندن ليجتمع مع  لجنة "كوبرا" الأمنية، للوقوف على آخر تطورات الوضع في الشرق الأوسط وتهديدات "داعش" للأمن القومي البريطاني.

بعد ذلك بأيام قليلة، اضطر كاميرون لقطع زيارة عمل هامة جداً الى اسكتلندا، ليعود الى لندن من أجل متابعة تفاصيل انشقاق أحد صقور حزب "المحافظين"، وانضمامه الى حزب "الاستقلال" المنافس. ويتوقع أن يضطر كاميرون مرة أخرى، إلى قطع بعض أعماله في لندن، ليتوجه الى ادنبرة حيث تشتد هناك حملات الترويج لدعم "استقلال" أو "انفصال" اسكتلندا عن بريطانيا في استفتاء بعد أقل من أسبوعين.

هي استحقاقات ثلاثة تتنازع رئيس الوزراء البريطاني وأجندة أعماله: "داعش" أو"الجهاديين" البريطانيين، واستقلال اسكتلندا، وتحصين حزب "المحافظين"، وجميع هذه الملفات لا بد من التعامل معها وحلها أو تفكيك تفاعلاتها قبل حلول الاستحقاق الأكبر المتمثل في الانتخابات العامة في مايو/ أيار المقبل.

تهديدات "داعش"

يتحرك كاميرون في ملف مواجهة "داعش" وما يرتبط به من تنامي تهديدات الحركات المتطرفة، على واجهتين رئيستين: الأولى عسكرية، وتتمثل في مساندة الضربات الجوية التي يوجهها سلاح الجو الأميركي لقواعد وحشود "داعش" في العراق.

وعلى هذا الصعيد أيضاً، أشار كاميرون الى استعداد بلاده للمشاركة في الحملة الجوية التي تستهدف "داعش"، من دون أن تصل هذه المشاركة العسكرية الى حد التدخل البري المباشر، لأن كاميرون أعلن في أكثر من مناسبة، وفي أكثر من مكان، عن عدم استعداده لإعادة أي قوات بريطانية الى البر العراقي.

أما الواجهة الثانية، فهي أمنية، وتتمثل باتخاذ حزمة من الإجراءات "الوقائية" لمنع المزيد من البريطانيين المسلمين من الالتحاق بالتنظيمات المتطرفة في العراق وسورية، ومنع مَن سافروا الى هناك من العودة الى الأراضي البريطانية. أضف الى ذلك تعزيز نظام مراقبة الإرهابيين المشتبه بهم في بريطانيا، من أجل تشديده ليشمل فرض قيود تحدد أماكن إقامة هؤلاء وحظراً كاملاً على تحركاتهم، بما يضمن أن العديد منهم لن يقيم في لندن. كما شملت الإجراءات الأمنية الوقائية تفعيل قانون جديد لتطوير المعلومات الخاصة بركاب الطائرات، ووضعها تحت تصرف وكالات تطبيق القانون، بينما لن تتمكن الدول ولا الشركات التي لم تمتثل لهذا القانون من السفر إلى بريطانيا.

ومهما تكن جدوى وفاعلية الإجراءات العسكرية والأمنية التي أقرتها حكومة كاميرون، فالأكيد أن تهديد "داعش" سيظل كابوساً يؤرق مضاجع المسؤولين في حزب "المحافظين" على الأرحج الى ما بعد الانتخابات العامة في مايو/ أيار المقبل، وخصوصاً أن المراقبين يرون أن طريقة معالجة الحكومة لملفي "الإرهاب" والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، سيؤثران على توجهات الناخبين بشكل لا يصبّ في صالح كاميرون وحزبه.  
 

شبح استقلال اسكتلندا
لا يخفي ديفيد كاميرون توتره كلما اقترب الثامن عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، موعد الاستفتاء الذي سيقرّر مصير علاقة اسكتلندا بالمملكة المتحدة. وقال رئيس الوزراء البريطاني صراحة في ما يخص هذا الموضوع إنه "متأثر ومتوتر لأن الأمر بالغ الأهمية". وبلا شك، إن درجة توتر كاميرون ارتفعت هذه الأيام، فقد أظهرت آخر استطلاعات الرأي أن التأييد لاستقلال اسكتلندا زاد بشكل حاد، مع تراجع الفارق بين حملة "نعم" لمؤيدي الاستقلال وبين حملة "لا" للمدافعين عن البقاء ضمن المملكة المتحدة إلى ست نقاط مئوية فقط (لا تزال لمصلحة رافضي الانفصال)، قبل 16 يوماً من موعد الاستفتاء.

وأظهر الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة "يوغوف" لأبحاث الرأي العام، ونشرت نتائجه يوم 2 سبتمبر الجاري، أن نسبة المؤيدين للاستقلال بلغت 47 في المئة، في حين وصلت نسبة الرافضين إلى 53 في المئة.

وكما هي حال رئيسها، فإن حكومة لندن الائتلافية لا تخفي مخاوفها من إمكانية انتصار معسكر حزب اسكتلندا القومي الداعي الى الانفصال. وقد شرعت الحكومة مبكراً في تنظيم حملات توعية لحشد التأييد لصالح الحفاظ على اسكتلندا ضمن الاتحاد البريطاني. وتركز الحكومة البريطانية في حملاتها التي يرأسها وزير المالية السابق، أليستر دارلينغ، وتسانده فيها شخصيات سياسية من أحزاب "المحافظين" و"العمال" و"الديمقراطيين الأحرار"، على مزايا الاتحاد البريطاني، وعوامل القوة السياسية والاقتصادية التي توفرها المملكة للأقاليم الأعضاء. كما تركز حملات حكومة لندن على المخاطر التي تتهدد مستقبل اسكتلندا في حال اختار سكانها الانفصال واعلان دولتهم المستقلة.

ومع أن الحملات الحكومية المتواصلة، والتي تزداد في وتيرتها وتوترها يوماً بعد يوم، تركز على مصير اسكتلندا ضمن الاتحاد البريطاني، إلا أن حقيقة مخاوف الحكومة المركزية لا تتوقف عند حدود اسكتلندا، فهي تخشى أن تنتقل حمى الانفصال الى اقليمَي ويلز وايرلندا الشمالية، وخصوصاً أن لهذه الاخيرة تاريخ طويل ودامٍ من النضال من أجل الاستقلال عن سلطة لندن.

إذاً، هو استحقاق لا يتعلق بمصير اسكتلندا وحدها، بل ربما تصل تداعياته وارتداداته لتهدد كيان المملكة برمته، وبلا شك مصير كاميرون وحكومته.

شعبية الحزب 
يبدو أن متاعب ديفيد كاميرون لا تتوقف عند عتبة حزب "المحافظين"، بل بدأت تتسلل بوتيرة متسارعة لتهدد شعبية الحزب عشية الانتخابات العامة. بعد أسابيع قليلة على استقالة البارونة المحافظة، سعيدة وارسي، من منصبها في وزارة الخارجية، انهالت استقالات أخرى على مكتب ديفيد كاميرون الذي بات يتحسّس رأسه. انشق النائب دوغلاس كارسويل، وأعلن انضمامه الى حزب "الاستقلال"، ألدّ خصوم كاميرون السياسيين. ثم ما لبث أن أعلن النائبان كريس كيلي وتوني بالدري، عن عدم رغبتهما بالترشح في الانتخابات المقبلة عن حزب "المحافظين".

تُظهر آخر استطلاعات الرأي العام، التي أجرتها مؤسسة "يوغوف" يوم 30 أغسطس/ آب الماضي لصحيفة "صنداي تايمز"، أن اتجاهات الرأي بلغت 32 في المئة لصالح حزب "المحافظين"، مقابل 36 في المئة لـ"العمال"، و16 في المئة لـ"الاستقلال"، و7 في المئة فقط لـ"الديمقراطيين الأحرار". وترجح "يوغوف" أن يكون انشقاق دوغلاس كارسويل مؤثراً على النتائج، وهو الذي كشف أنه سيخوض الانتخابات التكميلية عن حزب "الاستقلال"، وأنه غادر حزب "المحافظين" لأنه لا يرى تغييراً جوهرياً في سياسة كاميرون.

لم تتوقف نكبات كاميرون عند هذا الحد، فالتحدي الآخر الذي برز من داخل الحزب، تمثل في إعلان عمدة لندن، بوريس جونسون، عن نيته الترشح للانتخابات العامة 2015 عن حزب "المحافظين"، وهو ما يعتبره المراقبون خطوة أولى على طريق تولي جونسون قيادة الحزب، وصولاً الى منصب رئاسة الوزراء.

ويُنتظر أن يترشح جونسون عن أحد المقاعد المضمونة للحزب لحسم فوزه ووصوله إلى البرلمان. وفي حال خسارة حزب "المحافظين" في الانتخابات، فإن أسهم جونسون ستكون الأعلى لتولي زعامته، رغم منافسة وزير المالية الحالي، جورج أوزبورن، لخلافة كاميرون. وتعتبر قضية خلافة كاميرون من الأكثر إثارة في حزب "المحافظين"، مع اختلاف التوجهات داخله حول الاحقية بالمنصب.

ما بين اليوم والانتخابات العامة في مايو المقبل، يتحتم على رئيس الوزراء البريطاني وحزبه السير ببراعة على حبل مشدود معلّق فوق حقل ألغام يمتد من "داعش" الى اسكتلندا.