كامل الحواش: تجاوزنا شعارات القومية لكننا نفتقد للوحدة

28 أكتوبر 2018
الحواش (وسط) بمظاهرة منددة بالعدوان على غزة (العربي الجديد)
+ الخط -
ينطلق الأكاديمي والناشط الفلسطيني في بريطانيا د. كامل حواش، الذي وضع على لائحة منع دخول الولايات المتحدة الأميركية حديثا، بسبب نشاطه الأكاديمي والمؤسساتي في بريطانيا وأوربا، في حديثه مع "ملحق فلسطين - العربي الجديد" حول "الجاليات في الشتات الفلسطيني"، بالتأكيد أولا على بديهية "أهمية الجاليات في المغتربات والمهاجر لأي شعب، فهذا موضوع ليس فقط منحصرا بالشعب الفلسطيني، فما بالك بالأهمية المضاعفة لهذا الشتات الذي لديه قضية وطنية". ولدى حواش رؤيته الخاصة التي ترى أن "الجاليات مطلوب منها أساسا أن تعيش واقعها في المهاجر، بأن تكون فاعلة في أوساطها أكثر، فالانخراط في المجتمعات هو الأساس لتكون قادرا كجاليات على التأثير، فأصلا محور عمل هذه الجاليات هو التفاعل مع الرأي العام، والوصول إلى مرحلة تؤثر فيها بالسياسيين والأحزاب والحركات، إن في المجتمع المدني أو البرلمانات والإعلام، لتحصد تفهما، بعد تأسيس الوعي بالقضية الفلسطينية لمصلحة قضايا وطنية عامة". ويضيف جازما "ليس المطلوب أن تؤسس لخطاب الستينيات والسبعينيات العربي في أوساط مجتمعات تجاوزت تلك الحقبة، ولا تفيد الشعارات تلك أصلا في تحقيق أهداف الانخراط والتأثير في الشتات".
أهمية الجاليات الفلسطينية إذا، لدى شخص مجرب في العمل، إن كان بين جاليته أو في الأوساط البريطانية، تدفعه أيضا لطرح رؤيته في ما خص دورها "وما تستطيع أن تفعله هذه الجاليات في أوروبا، وخصوصا حين تكون فعالة ونشطة، أولا أن تتفاعل في مجتمعاتها وتقدم صورة عنها وعن ثقافتها وقضاياها، ويتأتى ذلك بالتواصل مع المؤسسات، وبالذات الحكومية والبرلمانية منها في الدول التي توجد فيها الجاليات. وثانيا، أن تسعى هذه الجاليات لتكون جسر تواصل بين شعبها في الداخل وبين الخارج. بالعموم تعتبر تلك المهام عامة للجاليات عموما، من أية دولة منشأ كانت، فما بالك لو أن من نتحدث عنهم هم الفلسطينيون الذين لديهم قضية وطنية".
تلك الأهمية الموكلة، كما يراها كامل حواش، في الشتات الفلسطيني في الغرب يعتبرها أساسية "إذا أخذنا بالاعتبار أن نصف الشعب الفلسطيني تقريبا يعيش في الخارج، وهناك أعداد كبيرة تنتشر كجاليات، فإنه، للأسف، الدور ليس بالمستوى المطلوب أو الموكل بالجاليات، كأية جاليات شعوب تقطن في الخارج". عن غياب مستويات التفاعل المطلوبة، وبناء على خبرة عقود في المملكة المتحدة، في صفوف جالية فلسطينية عريقة في هذا البلد، يرى حواش تشابها وسمات مشتركة بينها وبين بقية مناطق الانتشار الأوروبية "فالقدرات الحقيقية التي يمتلكها أبناء الجاليات الفلسطينية هي كبيرة ولكنها بالفعل ليست بمستوى ما يقدم. ورغم اختلاف ظروف وجود هذه الجاليات (في مختلف الدول)، إن لناحية الظروف السياسية والذاتية والموضوعية عموما، فليس الوجود في الدول العربية مثله في الدول الغربية، وبالتأكيد الجاليات عليها أن تتعامل وفق الظروف التي تعيشها والمساحة المتاحة أمامها، إن على صعيد سياسي أو ثقافي، وهذا يعتمد على الإمكانيات. ففي أوروبا وأميركا اللاتينية جالية قديمة جدا ولها تفاعل كبير داخل دول كثيرة، كما في تشيلي مثلا، والجاليات تستطيع أن تقدم الكثير ولها تأثير بنقل الثقافة الفلسطينية ودحض الرواية الصهيونية وكذبة ارتباطها بأرض فلسطين، ومواجهة تشويه صورة الفلسطينيين الآن بتقديمهم كشعب إرهابي ومعاد للسامية، ويحتاج فقط لإنعاش اقتصادي، لذا من المهم جدا التواصل مع الحكومات والمنظمات في مجتمعاتها".
ويذكر حواش في مسألة غياب فعالية بعض الجاليات أن "الوضع في أوروبا يختلف من بلد لآخر، فأنت أمام موجات لجوء تجعل البعض مترددا في الانخراط في العمل السياسي، حيث تنصب الجهود على تحصيل الإقامة والعيش، وتلك سمة مشتركة للاجئين الذين لا يشعرون بأن وضعهم ثابت في البداية. لكن أمام وجود جاليات منذ عقود، وبعضها قبل النكبة مباشرة (1948) وبعدها، بمعنى جاليات فلسطينية تعيش لأجيال عدة في المهاجر ووضعها ثابت، فدورهم من الممكن أن يكون أفضل".

الفصائلية... وتشظي الكيانات كعامل سلبي
وببعض الألم يشخص البروفسور حواش غياب التفاعل المطلوب وغير المتسق مع القدرات الهائلة للجاليات، بالقول إن "ثمة عوامل كثيرة في هذا الجانب، ولعل أهمها أن فلسطينيي الخارج يقعون في فخ النزاعات القائمة في الداخل الفلسطيني والفصائلية تحديدا، وهي التي تنقل من الداخل في فلسطين إلى حيث تقيم الجاليات، في مختلف الدول والقارات، فتجد عدة تجمعات ولا توجد جالية موحدة، وللأسف تنقسم تلك التجمعات تبعا للفصائل التي يؤيدونها أو لتيارات سياسية، مثلا إسلامية وغيرها، وذلك يؤثر أولا على ترابط الجالية وتوحيد الصوت وعدم تقوية ما تحاول أن تقوم به لدعم النضال الفلسطيني في الداخل من خلال وجودها في الخارج. وربما يكون أيضا لغياب الخبرة الكافية حول كيفية التعامل مع المسار السياسي". وبالنسبة للنقطة المتعلقة بالمسار السياسي، يمضي حواش ليشرح "غياب الانضمام والتفاعل مع الأحزاب السياسية القائمة في أماكن الوجود، كالترشح على قوائمها للوصول إلى عضوية البرلمانات أو المجالس المحلية، وأعتقد أنها من بين الأمور التي تحد من التفاعل المطلوب. لكنني وبكل أسف أقول إن الموضوع الفصائلي له تأثير كبير على إمكانية تفعيل الجالية". وحول الانقسام وتأثيره على الشتات الفلسطيني في أوروبا، يرى حواش أنه يؤثر "بل حتى قبل بروز هذا الانقسام في فلسطين، كان هناك انقسام فصائلي (فتح وجبهة شعبية وغيرها..) كان له تأثير، ورغم ذلك كانت الجاليات في حينه تتفق على الأقل على قاسم مشترك، ففي بريطانيا على سبيل المثال، وتلك معرفتي بها أكثر وحول تاريخ الجالية التي مركزها لندن كانت تجمع الأغلبية، ولكن تحول الوضع إلى أن الجالية الرسمية، إن صح التعبير، تكون تابعة لمنظمة التحرير وبالذات لحركة فتح والسفارة، وهذا يعني أنك تكون أمام حالات ترى أن هذا التيار لا يمثلها فتذهب إلى تشكيل تيار آخر، وهكذا دواليك.. ففي بريطانيا لديك المنتدى الفلسطيني بتوجه إسلامي ولا علاقة له مثلا بفتح وغيرها من الفصائل الأخرى، فتجد على الأقل وجود تيار إسلامي وتيار داعم لفتح، وهو منتشر أيضا في دول عديدة في أوروبا، وهذا يعني من ايجابياته، إن أردت، يعني وجود تيار يجمع الناس الذين لديهم التفكير والتوجهات نفسها في هذه الجالية أو تلك، ولكن بالنسبة للتمثيل، من الأفضل أن يكون جسما موحدا أمام المحيط، هذا كان قائما في الماضي وللأسف ليس موجودا حاليا. وحتى في الكيانين الموجودين، المؤيد لـ م.ت.ف من ناحية، والذي يجمع داعمين لتيار فتح، تجده أيضا يعاني أصلا من انقسامات في بعض الدول بسبب انقسامات تعانيها الحركة بذاتها، وهذا يشتت الجهود بطريقة أكبر، وأسس لحزازات، وحين تدعو الجالية إلى اجتماع يطرح الناس سؤالا عن أية جالية نتحدث؟ وهذا بالتأكيد لا يساعدنا في الشتات الفلسطيني".

الطاقات الكبيرة... المأسسة والشفافية
وعن إمكانية الاستفادة وتجميع هذه الطاقات الفلسطينية الكبيرة في الخارج، يتحدث حواش عن أن "أهم عنصر لتجميع الجاليات هو المؤسسات، وأذكر شخصيا من تجربتي العملية أنه دعينا إلى اجتماع مع وزيرة بريطانية لشؤون الجاليات (وزيرة المجتمعات السابقة)، فذكرت بكل وضوح: لا تأتوني كأفراد فأنا أتعامل معكم كمؤسسات. إذاً، حتى لو وجد أفراد بين الجاليات ولديهم القدرات الكبيرة من الصعب أن يكون لهم تأثير، ومن المهم أن تكون للفلسطينيين مؤسساتهم التي يعملون من خلالها، ويجب أن تكون عاملة وشفافة".
وعن النقطة المتعلقة بالشفافية، يذكر حواش "حين تعمل كمؤسسات فأنت تحتاج إلى تمويل، فإذا لم تكن هناك شفافية كافية فإن الممولين، وهم كثيرون ويرغبون حقا بذلك، وبناء على تجارب سابقة لم يشعروا أن الأموال التي قدموها استخدمت بالطريقة التي يجب. ومن المهم جدا أن تكون المؤسسات قائمة على الديمقراطية والشفافية المهنية، وأنا شخصيا لا أحبذ في العمل المؤسساتي الديمقراطي أن يؤتى بقوائم لحث الناس على انتخابها جماعيا، فإما يؤخذ بالقائمة أو لا أحد، وتلك أساليب ليست جيدة، وللأسف بناء على خبرتي، إن أردنا تشخيصا حقيقيا، هذا ما يحدث".
ويؤكد حواش في الاتجاه ذاته أنه "يجب أن تكون هناك أمانة في العمل، الذي يقوم أساسا على العمل التطوعي خدمة لشعبه وليس لمصلحة ذاتية مطلقا، فمن يعتقد أن العمل هو لأجله ومكانته فمن الأفضل ألا ينخرط في المؤسسات، لأن هناك كفاءات كثيرة يمكنها أن تحتل مكانتها وتقدم الكثير في مجال الجاليات، وهذه يجب أن تمنح مكانتها، ومن يريد أن يعمل بطريقة أخرى شخصية يمكنه في الواقع أن ينخرط في جمعيات أجنبية، ومنها مثلا جماعات التضامن التي تحضر إلى فلسطين، لأنني أرى أن من يريد أن يقدم خدمة، عليه أن يفعلها فقط للخدمة العامة وليس الشخصية، ومن يحمل أفكارا يمكنه أن يخوض انتخابات وينتخب بناء عليها وتكون له مكانته أو ترؤسه لمفصل ما في اللجان الإدراية لتلك المؤسسات التي أتحدث عن أهميتها، والنقطة الأخرى الهامة، التي يجب التأكيد عليها، أن لا يتوقع الإنسان أنه بسرعة كبيرة كأشهر وسنوات سيكون قادرا على أن يقود العمل بمستوى من لديه خبرة سنوات في العمل في المؤسسات، الأمر يعتمد فعليا على الخبرة الطويلة المتراكمة حتى تكون المؤسسات فعالة ومؤثرة. هذا بالتأكيد إلى جانب المعرفة السياسية. وبالنسبة لي أرى أنه من المهم أن تكون لدينا معرفة سياسية لنستطيع التأثير مثلا في حزب سياسي في بريطانيا على سبيل المثال، ليس من خلال أفراد بل من خلال مؤسسات تقيم علاقات وتبني معرفة وعلاقات بالبرلمانيين لتستطيع مع الوقت التأثير خدمة للقضايا التي تؤمن بها".
وعن التجربة البريطانية، وخصوصا في مجال مواقف حزب العمال البريطاني وزعيمه جيرمي كوربين، يجيب حواش "هذا جاء نتيجة عمل دؤوب في المؤسسات، مثلا مؤسسة حملة التضامن مع فلسطين التي بنت علاقات هامة جدا مع النقابات العمالية، والتي اتخذت قرارات صوتت عليها لدعم فلسطين والمقاطعة، ما يعني أن حزبا كحزب العمال الذي يستند إلى دعم النقابات التي لها تأثير كبير على توجهاته وبرامجه يتأثر بمواقف النقابات تلك تأثرا كبيرا. أضف إلى ذلك المعرفة السياسية التي عنيتها سابقا والمتعلقة بكيفية إيصال الفكرة التي تريدها أن تصل: ولنأخذ مثلا فرضية الدفع بالاعتراف بدولة فلسطين.. فمن المهم أن يصل عن أي فلسطين نتحدث، وعن أي دول نطالبها بالاعتراف بها.. أمر مهم حين دفع في البرلمان في 2014 للضغط على الحكومة البريطانية للاعتراف بفلسطين، مثلما وصل الأمر الآن إلى قطع حزب العمال وعدا بأنه سيستكمل الاعتراف بفلسطين حال وصوله إلى الحكم، هذا جاء بعمل تراكمي ومنهجي أدى إلى هذا النجاح.. وهو ما عنيته".


(ناصر...)