كابوس الحرّاقات يلاحق الشمال السوري

12 يناير 2019
في إدلب (عمر حاج قدور/ فرانس برس)
+ الخط -
انتشرت حرّاقات النفط البدائية في الشمال السوري، بعد قطع النظام إمدادات الوقود عنه في أواخر عام 2011، ليعتمد الأهالي على وسائل بديلة كالخشب. ثمّ سيطر مقاتلو الجيش السوري الحرّ على حقول لإنتاج النفط السوري في عام 2013، وبدأ نقل النفط نحو مناطق إدلب وريف حلب، فكانت حراقات النفط البدائية التي ما زالت مصدراً للوقود المكرّر حتى الآن.

وفي ريف إدلب، تنتشر حراقات النفط البدائية المعدة لتكرير النفط بشكل كبير، ويتجاوز عددها 400 تنتشر في مناطق عدة. وفي منتصف عام 2018، أكد المجلس المحلي في معارة النعسان في ريف إدلب الشمالي وجود 150 حراقة بدائية تعمل في البلدة، وكل محطة تكرير (حراقة) في حاجة إلى عدد من عمال التنظيف والصيانة والحرق وآخرين، ما يؤمن دخلاً لنحو 1500 عائلة من أبناء البلدة. وتجاوز عدد محطات التكرير البدائية في إدلب 470 محطة، إضافة إلى نحو 270 محطة تنتشر في منطقة درع الفرات في ريف حلب الشمالي.




وعن ضرر محطات التكرير البدائية وتأثيرها على البيئة والأهالي، يوضح المهندس البيئي محمد إسماعيل، لـ "العربي الجديد"، أن أخطار هذه المحطات ليست آنية فحسب، ولا تزول مع توقف العمل فيها. كما أن تأثيرها وضررها يدومان عشرات السنوات، سواء على الإنسان أو الحيوان وحتى البيئة المحيطة. يضيف أنّ الخطر يزداد كلّما زاد عدد سنوات عمل هذه المحطات من دون مراعاة عامل السلامة. ويشير إلى أن بعض الأمراض التي تظهر أعراضها بشكل مباشر على العاملين في هذا المجال هي السل والسرطان والموت اختناقاً بالغازات السامة. وهذه نتيجة طبيعية.

ويتحدّث إسماعيل عن بعض المشاكل الوراثية الناجمة عن الغازات السامة المنبعثة من هذه الحراقات لدى الجيل الأول أو الثاني من أبناء المنطقة المحيطة، أو العاملين في هذا المجال. "قد نشهد ولادات لأطفال مشوهين". يضيف إسماعيل أنّ المواد المنبعثة من هذه الحراقات تترسّب في التربة المحيطة في منطقة الحراقات، وتؤدي إلى أمطار حمضية ضارة جداً، وتؤثّر على النباتات والزراعة في المنطقة. وبحسب دراسات أجريت مؤخراً في الصين عن الانبعاثات الناتجة عن محطات تكرير حديثة للنفط، فقد يتحول لون أوراق النبات بعد مدة طويلة من اللون الأخضر إلى اللون الأسود نتيجة ترسبات وتراكم المواد السامة في التربة. والغاز الأشد خطورة هو غاز كبريت الهيدروجين، الذي يؤثر على الخلايا العصبية بشكل كبير وقد يؤدي إلى الوفاة. والخطر الأشد على البيئة هو الرصاص وشوائب النفط الخام التي قد تصل إلى المياه الجوفية.

وعن الأسباب التي تدفع الشبان إلى العمل في محطات التكرير البدائيّة، يقول عمر أبو محمد، وهو أحد العاملين في هذا المجال في ريف حلب قرب مدينة الباب إن لا عمل آخر قد يوفر له ولعائلته دخلاً جيداً. ويوضح لـ "العربي الجديد" أن المخاطر الناتجة عن محطات التكرير كبيرة جداً، منها انفجار خزانات الحرق. في هذا الإطار، يدعو مهندسون إلى اتخاذ تدابير من أجل السلامة، منها استخدام خزانات حرق تتجاوز سماكتها ستة عشر ميليمتراً. لكن ما يستخدم حالياً هو خزانات تقل سماكتها عن ستة ميليمترات، ما قد يؤدي إلى انفجار هذه الخزانات، كما أن عملية اللحام تكون غير مدروسة. والخطر الثاني الذي يؤدي إلى وفيّات وأمراض خطيرة للعاملين في هذا المجال، بحسب أبو محمد، هو عملية تنظيف الخزان. ويحدث أن يدخل أحد العاملين إلى داخل الخزان عبر فتحة ضيّقة لا تتجاوز الأربعين سنتيمتراً، وتكون حرارة الخزان نحو 50 درجة مئوية، ويقوم بتجريف الرواسب الصلبة من أرض الخزان وجوانبه، وتكون الغازات السامة كثيفة بشكل كبير جداً داخل الخزان، ولا يملك العامل غير ارتداء كمامة.

وفي معارة النعسان في ريف إدلب، تصل إلى المراكز الصحية يومياً نحو 10 إصابات من جرّاء عمليات تكرير النفط في المحطات البدائية، بالإضافة إلى أكثر من 20 طفلاً نتيجة استنشاقهم الغازات والانبعاثات السامة الناتجة عن هذه المحطات. ويصل عدد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي شهرياً إلى نحو 700 إصابة. وفي إدلب التي يتجاوز عدد السكان فيها حالياً نحو ثلاثة ملايين ونصف المليون، فإنّ أكثر من 21 في المائة من السكان والمهجّرين مهددّون بالإصابة بأمراض الجهاز التنفسي بسبب محطات التكرير، كما تؤكد منظمات مدنية.




من جهته، يقول محمد ضرّار (43 عاماً) إنّ المشاكل الناتجة عن هذه الحراقات كبيرة جداً، خصوصاً أنها تعمل بشكل شبه دائم، موضحاً أن الواحدة منها تعمل نحو 20 ساعة يومياً. يضيف لـ "العربي الجديد": "لا يمكن السير في البلدة من دون استنشاق الدخان السام. بات أولادي يعانون من التهاب القصبات الهوائية والأمراض التنفسية على غرار معظم أبناء البلدة. لكن لا حلّ في الأفق لهذه المشكلة. نرجو من الجميع التعاون لحلّ هذه القضية التي بدأت تؤثّر علينا سلباً بشكل كبير".