قواعد الاصطلاح الأربع

13 أكتوبر 2017
(إسطرلاب مريم/ للعالمة العربية مريم الإسطرلابي، القرن العاشر الميلادي)
+ الخط -
السبيل الواضحة التي يجب على العلماء اتباعها، في وضع الاصطلاحات العلميّة الموافِقة، تنحصر عندنا في القواعد الآتية:

القاعدة الأولى: البحث في الكتب العربية القديمة عن اصطلاح مستعمل للدلالة على المعنى المراد ترجمته. ويشترط في هذه القاعدة أن يكون اللفظ مطابقاً للمعنى الجديد [...] مثال ذلك أن القدماء أطلقوا لفظ الجوهر على المعنى الذي تدل عليه كلمة Substance، وأطلقوا لفظ المقولات على المعنى الذي تدل عليه كلمة Catégories، فإذا أردنا ترجمة هذه الألفاظ أطلقنا عليها الأسماء التي سماها بها من عرفها من أصحاب اللغة.

القاعدة الثانية: هي البحث عن لفظ قديم يقرب معناه من المعنى الحديث، فيبدّل معناه قليلاً، ويطلق على المعنى الجديد. مثال ذلك ما ترجمنا به لفظ Intuition، فقد أطلقنا على هذا اللفظ اسم الحدس، بعد أن وسّعنا معناه القديم [...] فهناك حدس عقلي كحدس البداهة، وهناك حدس حسّي، وحدس نفسي، وحدس فلسفي كالذي تكلم عليه برغسون. فإذا كان معنى الحدس مختلفاً باختلاف الفلاسفة، فإن اختلاف معناه في الفلسفة الحديثة عن معناه في الفلسفة العربية القديمة لا يمنع من إطلاق اللفظ نفسه على المعنيين [...] فيكفي إذن في هذه الحالة الاعتماد على اللفظ القديم، مع تبديل معناه، وتحديده تحديداً جديداً.

القاعدة الثالثة: هي البحث عن لفظ جديد لمعنى جديد مع مراعاة قواعد الاشتقاق العربي، كأن يستعمل لفظ الشخصية للدلالة على Personnalité [...] ولفظ التكيّف أو الموالفة للدلالة على Adaptation. فهذه كلها اصطلاحات حديثة لم يستعملها القدماء، ولكننا نستعملها مطمئنين، لأنها مطابقة للأصول التي وضعها أصحاب اللغة. وهذا شبيه بما فعله القدماء من استعمال كلمة إمكان للدلالة على Possibilité، فقالوا إن الإمكان في الشيء هو جواز إظهار ما في قوته إلى الفعل، فاشتقوا من الإمكان التمكين بمعنى إخراج الشيء من القوة إلى الفعل بالإرادة [...].

القاعدة الرابعة: هي اقتباس اللفظ الأجنبي بحروفه، على أن يصاغ صياغة عربية، وهو ما نطلق عليه اسم التعريب، كقولنا: الديمقراطية في ترجمة Démocratie [...] إننا نقول مثلاً تلفون ورادار كما نقول سينما وتلفزة من دون أن نخلّ بلغة العرب، لأن انتشار هذه الألفاظ على ألسنة الناس يجعل استعمالها في الكتب العلمية أوفى بالقصد من استعمال لفظ الهاتف، والإرزيز [...] فالمعاني القائمة في الصدور كما يقول الجاحظ مستورة خفية [...] وإنما تحيا تلك المعاني في ذكر الناس لها وإخبارهم عنها واستعمالهم إياها. ومهما يكن الاصطلاح العلمي وحشياً بعيداً عن المألوف، فإنه إذا انتشر على ألسنة الناس، كان أحق بالترجيح من اللفظ الصحيح الذي لم يكتب له الانتشار.

*مقتطف من مقدمة الجزء الأول من "المعجم الفلسفي"

المساهمون