"ياكلني الحوت وما ياكلنيش الدود"، حكمة شعبية جزائرية اقتنع بها عشرات الشباب، ومعناها أنهم يفضلون الموت في البحر وتكون أجسادهم أكلة سائغة لأسماكه، ولا يبقون في البلد يسندون ظهورهم إلى الجدران وتأكل جلودهم الديدان، كناية عن الموت فقرا أو جوعا، وهي حكمة دفعت العشرات نحو قوارب الموت في هجرة غير شرعية.
أرقام مفزعة وصادمة لعشرات من الشباب الجزائريين، الذين يتم إنقاذهم من الغرق، بعد تمكن حراس السواحل من إحباط محاولاتهم المتكررة للهجرة، فيما أكلت الأسماك العشرات منهم على مدار سنوات.
قبل يومين فقط، تمكن حراس السواحل الجزائرية من إحباط محاولة 108 أشخاص للهجرة السرية، عبر تسع قوارب تقليدية الصنع، في عملية فريدة من نوعها، بالنظر إلى كون العملية استخدمت لأول مرة عددا كبيرا من القوارب، فيما يعد هجرة جماعية عبر شاطئ رأس الحمراء بولاية عنابة، 520 كيلومترا شرقي العاصمة الجزائرية.
في الجزائر، لا يكاد يمر يوم دون أن توقف فرق حراس السواحل محاولات للهجرة غير الشرعية، خصوصا عبر سواحل عنابة والطارف ومستغانم ووهران في الغرب الجزائري، ويحذر المختص في علم الاجتماع السياسي، فؤاد بوقفة، من جامعة عنابة، من تفاقم الظاهرة في أوساط الشباب، حيث أرجع ظاهرة الهجرة السرية إلى العديد من الأسباب، أهمها الفقر وانخفاض المستوى الاقتصادي والمعيشي.
وقال بوقفة، لـ"العربي الجديد"، "إن أغلب الشباب حاملو شهادات جامعية أو من مراكز التدريب لكنهم يعانون البطالة، ويعتقدون أن تحقيق أحلامهم سيكون عبر الخروج من الجزائر نحو أوروبا"، موضحا أن "الجزائر تصنف من البلدان الطاردة للبشر نحو دول تستقبلهم".
ويعتقد كثيرون في الجزائر، وخصوصا المهتمين بدراسة هذه الظاهرة، أن الهجرة السرية هي رد فعل على "غلق الأبواب أمام الشباب في البلاد، وانعدام الآفاق وانكسار أحلام المئات منهم، خصوصا الحاصلين على الشهادات العليا، ما يدفعهم إلى البحث عن أي منفذ للخروج من الأزمة، وغالبا ما يكون الحل هو الوصول إلى الضفة الأخرى للبحر المتوسط بأية طريقة كانت".
وبخصوص ارتفاع أعداد المهاجرين عبر قوارب الموت، قالت المختصة في علم الاجتماع الديمغرافي، سمية محارقة، إن "القرب الجغرافي بين الضفة الشمالية والجنوبية للبحر المتوسط يدفع كثيرين إلى الهجرة غير الشرعية"، مشددة في تصريح لـ"العربي الجديد"، على أن ما أسمته "مغامرات الموت" هدفها النجاح الاجتماعي.
وذكر الباحث في علم النفس الاجتماعي، عبد الحميد لعرابة، أن "الشاب الجزائري الذي يقرر الهجرة، يحلم بتكرار نجاحات مهاجرين سبقوه"، مضيفا أن أي مهاجر سابق لدى عودته إلى أرض الوطن يبهر الشباب بمظهره وحديثه، وهو ما يعكس صورته في أوروبا ويذكي رغبة الهجرة في نفوس جيرانه وأقاربه.
"ياجات ياخابت". هكذا قال الشاب ياسين (25 سنة)، عن رغبته في الهجرة غير الشرعية، معتبرا في تصريحه لـ"العربي الجديد"، هذه الخطوة "آخر الحلول"، رغم كونها عبارة عن "رحلة نحو المجهول"، أو كما وصفها "رحلة قمار".
كثيرون يجمعون المال من أجل توفير مبلغ يمكنهم من الظفر بمكان في قارب مطاطي أو تقليدي الصنع، والمجازفة بالهجرة نحو الضفة الأخرى للبحر المتوسط، حيث يصل ثمن الرحلة إلى أكثر من 600 ألف دينار جزائري، (نحو ثلاثة آلاف يورو)، وهو مبلغ يحاول الشباب جمعه من أجل تحقيق حلم الهروب من الواقع المعاش، وخصوصا في بعض أحياء المدن الداخلية الفقيرة.
آلاف في الجزائر، ممن ضاقت بهم السبل، يحلمون بالهجرة وكأنها خلاصهم الوحيد، وتسمى الهجرة غير الشرعية بـ"الحرقة" في اللهجة الشعبية، حيث أن المهاجر فور وصوله إلى أوروبا يقوم عادة بحرق كل أوراقه الثبوتية، حتى لا يتم ترحيله إلى بلده الأصلي.