لم تمتنع شذى الكبيسي عن الخروج من منزلها في الزبداني في ريف دمشق، في أول أيّام "إضراب الكرامة" أواخر العام 2011. فقد خرجت لشراء الخبز. ووعدت ابنتيها الناجيتين من جحيم الحرب العراقية بالعودة سريعاً.
وبينما كانت تعود من الفرن العراقي القريب، تحمل الخبز، أطلق عليها قناص النظام رصاصة استقرت في رأس السيدة العراقية الستينية حال مرورها في الشارع، الذي يتواجد فيه منزلها المستأجر. سقطت شذى أرضاً. ولم يكن لها من ذنب سوى لجوئها إلى مدينة تحوّلت في ما بعد إلى مدينة "ثائرة".
كانت قوات النظام السوري قد اتبعت في بداية التظاهرات في دمشق، أسلوب القنص، بهدف قمع الاحتجاجات. وبمرور الوقت، عمد القنّاصة إلى قتل كل من يلحظونه في المناطق المعارضة. وكان القناصة غالباً ما يتمركزون فوق الأبنية العالية داخل المدن، أو على المعابر بين المدن وأريافها.
واكتسب القنّاصة الأكثر إجراماً، شهرة واسعة في كافة أرجاء سورية. ففي حلب اشتهر قنّاص معبر كاراج الحجز. وفي حمص قنّاص برج الكاردينيا. وفي دوما قنّاص البرج الطبي. أما في دير الزور فمثّل قنّاص السياسية رعباً للأهالي العابرين من المدينة إلى ريفها.
وعن ذلك، يقول الناشط من دير الزور عبود صالح: "كنّا لا نعبر جسر السياسية إلّا ليلاً. ندهن السيارة بالرمال، ونطفئ أضواءها، ومن ثم ننطلق بأقصى سرعة، ونحن على علم بأن الموت خيارٌ مرجّح. وفي إحدى المرّات حاولت عائلة الهروب من المعبر، فقتل القنّاص الأب سائق السيارة، ومن ثم قتل الأم والأطفال الثلاثة". لكنّه يتابع ضاحكاً: "انتقمنا من القنّاص في وقت لاحق، بعد سيطرة الجيش الحر على مقرّه، وحتى أنا شاركت في تعذيبه".
تؤكد خبيرة في علم النفس، طلبت عدم الكشف عن اسمها، أنّ الحروب تساهم في تحطيم القيم والسلوك الإنساني عند من يشاركون فيها. وبذلك تبقي لهم غرائزهم العدوانية الأولى، وتظهر ساديتهم التي تدفعهم بدورها للتلذذ بالقتل. وتضيف: "ما عمل عليه النظام من مراكمة للأحقاد عند فئة من الشعب السوري ضد الأخرى طوال أربعين عاماً، أودى في النهاية إلى ارتكاب جرائم شنيعة، يروح ضحيتها أطفال ونساء".
من جهتها، بقيت شذى أكثر من ساعة، بعد إصابتها، تتلوى من الألم، على الأرض في طريق سرغايا. لم يتمكّن أحد من إنقاذها، في ظل استهداف قناص البريد ذاته للمسعفين. لكنّ أهل الحي، ومن بينهم صاحب الفرن، فكروا في تعليق قضيب حديدي طويل بملابسها وسحبها.
وبالفعل، فقد أقدم الشبان على ذلك، رغم خطورته. وطوال عملية سحب السيدة العراقية، كان أحد منقذيها يخاطبها بـ "تشهّدي يا حاجة، تشهّدي". وهي تحرّك يدها بالرغم من استقرار رصاصة في دماغها. ربما فكّرت بأن فرصة أخرى للنجاة سيمنحها الله لها بعد هروبها من العراق. فهناك قتل القناص الذي اشتهر باسم "شيطان الرمادي"، أكثر من 200 عراقي. وبات القنّاص الأكثر قتلاً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية العسكري. حتى أنّ المخرج كلينت إيستوود صنع فيلماً سينمائياً عن حياته، بعنوان "أميركان سنايبر"، سيبدأ عرضه في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري.
بدورها، تشبّه الشبكة السورية لحقوق الإنسان عملية القنص بالإعدام. وتقول إنّ القنّاص يعلم تماماً هوية ضحيته ويتعمّد قتلها، دون أن يعلم بتهمتها أو يهتم بذلك. كما تكشف الشبكة في تقرير أصدرته أخيراً بعنوان "صيد البشر"، أنّ "ما لا يقلّ عن 5307 مدنيين قضوا برصاص قناصي النظام السوري والميليشيات التابعة له".
وكانت مدينة الزبداني قد شهدت منذ "إضراب الكرامة"، حوادث قنص كثيرة مشابهة لحادثة شذى. وكان آخرها الشهر الماضي، عندما قضى شاب برصاص قناص متمركز على حاجز الجرجانية جنوب المدينة. ومع ذلك، تؤكد الناشطة الإعلامية في تنسيقية الزبداني، مريم، لـ "العربي الجديد"، أنّ "قصة موت شذى كانت الأكثر وقعاً في نفوس أهل المدينة".
وتكمل مريم قصة شذى: "عندما حمل الشبّان شذى إلى منزلها، لفظت أنفاسها الأخيرة أمام ابنتيها اللتين صدمهما المشهد، وعادتا إلى العراق فوراً". وتضيف: "أبعد ما كانت تتخيله أمّهما الهاربة من الحرب في بلدها، هو أن تموت وسط مدينة سورية، ولو عرفت شذى الكبيسي، أنّها ستكون أول امرأة تقتل على يد قوات النظام في الزبداني، وأول شهيدة وفقاً لأهل المدينة، ما كانت لتنزح من العراق عام 2005، ولربما فضّلت الموت برصاصة شيطان الرمادي، دفاعاً عن قضيتها".
وبينما كانت تعود من الفرن العراقي القريب، تحمل الخبز، أطلق عليها قناص النظام رصاصة استقرت في رأس السيدة العراقية الستينية حال مرورها في الشارع، الذي يتواجد فيه منزلها المستأجر. سقطت شذى أرضاً. ولم يكن لها من ذنب سوى لجوئها إلى مدينة تحوّلت في ما بعد إلى مدينة "ثائرة".
كانت قوات النظام السوري قد اتبعت في بداية التظاهرات في دمشق، أسلوب القنص، بهدف قمع الاحتجاجات. وبمرور الوقت، عمد القنّاصة إلى قتل كل من يلحظونه في المناطق المعارضة. وكان القناصة غالباً ما يتمركزون فوق الأبنية العالية داخل المدن، أو على المعابر بين المدن وأريافها.
واكتسب القنّاصة الأكثر إجراماً، شهرة واسعة في كافة أرجاء سورية. ففي حلب اشتهر قنّاص معبر كاراج الحجز. وفي حمص قنّاص برج الكاردينيا. وفي دوما قنّاص البرج الطبي. أما في دير الزور فمثّل قنّاص السياسية رعباً للأهالي العابرين من المدينة إلى ريفها.
وعن ذلك، يقول الناشط من دير الزور عبود صالح: "كنّا لا نعبر جسر السياسية إلّا ليلاً. ندهن السيارة بالرمال، ونطفئ أضواءها، ومن ثم ننطلق بأقصى سرعة، ونحن على علم بأن الموت خيارٌ مرجّح. وفي إحدى المرّات حاولت عائلة الهروب من المعبر، فقتل القنّاص الأب سائق السيارة، ومن ثم قتل الأم والأطفال الثلاثة". لكنّه يتابع ضاحكاً: "انتقمنا من القنّاص في وقت لاحق، بعد سيطرة الجيش الحر على مقرّه، وحتى أنا شاركت في تعذيبه".
تؤكد خبيرة في علم النفس، طلبت عدم الكشف عن اسمها، أنّ الحروب تساهم في تحطيم القيم والسلوك الإنساني عند من يشاركون فيها. وبذلك تبقي لهم غرائزهم العدوانية الأولى، وتظهر ساديتهم التي تدفعهم بدورها للتلذذ بالقتل. وتضيف: "ما عمل عليه النظام من مراكمة للأحقاد عند فئة من الشعب السوري ضد الأخرى طوال أربعين عاماً، أودى في النهاية إلى ارتكاب جرائم شنيعة، يروح ضحيتها أطفال ونساء".
من جهتها، بقيت شذى أكثر من ساعة، بعد إصابتها، تتلوى من الألم، على الأرض في طريق سرغايا. لم يتمكّن أحد من إنقاذها، في ظل استهداف قناص البريد ذاته للمسعفين. لكنّ أهل الحي، ومن بينهم صاحب الفرن، فكروا في تعليق قضيب حديدي طويل بملابسها وسحبها.
وبالفعل، فقد أقدم الشبان على ذلك، رغم خطورته. وطوال عملية سحب السيدة العراقية، كان أحد منقذيها يخاطبها بـ "تشهّدي يا حاجة، تشهّدي". وهي تحرّك يدها بالرغم من استقرار رصاصة في دماغها. ربما فكّرت بأن فرصة أخرى للنجاة سيمنحها الله لها بعد هروبها من العراق. فهناك قتل القناص الذي اشتهر باسم "شيطان الرمادي"، أكثر من 200 عراقي. وبات القنّاص الأكثر قتلاً في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية العسكري. حتى أنّ المخرج كلينت إيستوود صنع فيلماً سينمائياً عن حياته، بعنوان "أميركان سنايبر"، سيبدأ عرضه في الخامس والعشرين من شهر ديسمبر/كانون الأول الجاري.
بدورها، تشبّه الشبكة السورية لحقوق الإنسان عملية القنص بالإعدام. وتقول إنّ القنّاص يعلم تماماً هوية ضحيته ويتعمّد قتلها، دون أن يعلم بتهمتها أو يهتم بذلك. كما تكشف الشبكة في تقرير أصدرته أخيراً بعنوان "صيد البشر"، أنّ "ما لا يقلّ عن 5307 مدنيين قضوا برصاص قناصي النظام السوري والميليشيات التابعة له".
وكانت مدينة الزبداني قد شهدت منذ "إضراب الكرامة"، حوادث قنص كثيرة مشابهة لحادثة شذى. وكان آخرها الشهر الماضي، عندما قضى شاب برصاص قناص متمركز على حاجز الجرجانية جنوب المدينة. ومع ذلك، تؤكد الناشطة الإعلامية في تنسيقية الزبداني، مريم، لـ "العربي الجديد"، أنّ "قصة موت شذى كانت الأكثر وقعاً في نفوس أهل المدينة".
وتكمل مريم قصة شذى: "عندما حمل الشبّان شذى إلى منزلها، لفظت أنفاسها الأخيرة أمام ابنتيها اللتين صدمهما المشهد، وعادتا إلى العراق فوراً". وتضيف: "أبعد ما كانت تتخيله أمّهما الهاربة من الحرب في بلدها، هو أن تموت وسط مدينة سورية، ولو عرفت شذى الكبيسي، أنّها ستكون أول امرأة تقتل على يد قوات النظام في الزبداني، وأول شهيدة وفقاً لأهل المدينة، ما كانت لتنزح من العراق عام 2005، ولربما فضّلت الموت برصاصة شيطان الرمادي، دفاعاً عن قضيتها".