قناة السويس وكارثة صناعة القرار

29 فبراير 2016
إيرادات قناة السويس تتراجع شهرا بعد شهر (Getty)
+ الخط -

متى أتوقف عن الكتابة عن تفريعة قناة السويس التي تم افتتاحها بداية شهر أغسطس/آب الماضي، ومعها أتوقف عن إبداء ملاحظات جديدة حول التفريعة وأخواتها التي استنزفت أكثر من 100 مليار جنيه من أموال المصريين، وكان من الممكن أن توجه هذه الأموال الضخمة لإقامة مئات المصانع والمشروعات الصغيرة والمتوسطة واستصلاح آلاف الأفدنة وتمليكها، وبالتالي تعود بالنفع على الاقتصاد المصري، خاصة شريحة الشباب الذين خرجوا في ثورة 25 يناير باحثين عن الحرية والعدالة الاجتماعية وحياة كريمة وفرصة عمل.

كان هذا هو السؤال الذي طرحته على نفسي أمس الاثنين عقب الكشف عن أرقام رسمية تؤكد تراجع إيرادات قناة السويس للشهر السادس على التوالي، فبعد فترة حجب للأرقام دامت لنحو شهر كامل كشفت إدارة القناة أن إيرادات القناة تراجعت خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي بنسبة 5.2% مقابل إيرادات شهر يناير من العام الماضي 2015، حيث بلغت الإيرادات 411.8 مليون دولار مقابل 434.8 مليون دولار، وهذا يعني ببساطة أن القناة فقدت 23 مليون دولار من إيراداتها خلال شهر واحد، ونحو 300 مليون دولار في عام 2015.

إذن إيرادات قناة السويس تتراجع شهراً بعد شهر، ولا يوجد مؤشرات على تحسنها في المدى القريب وربما العام الجاري بالكامل، ولا أنكر هنا أن هناك أسباباً خارجية وراء هذا التراجع لا علاقة لها بالأوضاع الداخلية لمصر، وأن هناك توقعات قوية لاستمرار الانخفاض في ظل عدة اعتبارات سردتها من قبل، وتتعلق ببطء حركة التجارة العالمية بسبب الأزمات العنيفة التي تواجه كبريات الاقتصادات الكبرى، ومنها الاقتصادان الأوروبي والصيني، كما أن ألمانيا وهي واحدة من كبريات الدول التي تستخدم القناة معبراً لتجارتها الخارجية، خاصة المتجهة لمنطقة الخليج وجنوب شرق آسيا أصبحت صادراتها تعاني هي الأخرى من أزمات ناجمة عن تداعيات أزمتي اليونان وشركة فولكسفاغن.

إضافة إلى أن استمرار تهاوي أسعار النفط في الأسواق العالمية يدفع شركات نقل البترول والغاز والبضائع الضخمة إلى تفضيل المرور عبر رأس الرجاء الصالح وليس قناة السويس لتقليل التكلفة. 

إذا وضعنا تراجع إيرادات قناة السويس جنباً إلى جنب مؤشرات أخرى، منها خسارة قطاع السياحة نحو 2.3 مليار دولار خلال الأربعة أشهر الأخيرة، وفقدان الصادرات غير البترولية نحو 3.67 مليارات دولار من قيمتها خلال عام 2015، وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة مع استمرار مشكلتي الوقود والدولار، وفقدان تحويلات المغتربين العاملين في الخارج نحو 417 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالي الجاري 2015 / 2016، نصبح هنا أمام مشكلة حقيقية تتعلق بتراجع إيرادات البلاد من النقد الأجنبي بشكل ملحوظ، وهو ما يؤثر سلباً على أسعار السلع وسوق الصرف وأوضاع العملة المحلية وتصنيف البلاد الائتماني.

مشروع توسعة قناة السويس يكشف أسلوب صناعة القرار في مصر الجديدة، مصر ما بعد 3 يوليو 2013، ويكشف عن أسلوب تنفيذ مشروعات قومية كبرى دون إعداد دراسات جدوى فنية ومالية تحدد بدقة التكلفة الحقيقية للمشروع والإيرادات المتوقعة وظروف التجارة الدولية ومعدلات نمو الاقتصاد العالمي، وتكلفة الفرصة البديلة، وما إذا كان الوقت مناسباً لتنفيذ المشروع أم لا، ففي زمن الاستبداد تختفي المعايير المالية والفنية وتصبح الكلمة الفصل في أي قرار، حتى وإن كان اقتصادياً، هي للحاكم الفرد.

وللمرة السادسة وربما العاشرة أقول إن توسعة القناة مشروع مهم بالنسبة للاقتصاد المصري، لكن توقيت وأسلوب تنفيذه كان خاطئاً، فقد ضغط المشروع على سوق الصرف الأجنبي وأضعف الجنيه المصري وسحب سيولة مالية من السوق قيمتها 64 مليار جنيه، وترتبت عليه أعباء ضخمة تتحملها الخزانة العامة للدولة التي تعاني أصلاً من عجز حاد بلغ نحو 260 مليار جنيه في العام المالي الأخير، فالخزانة العامة تتحمل وحدها سداد ديون مشروع تفريعة القناة التي تفوق 103 مليارات جنيه، منها 64 مليار جنيه أصل الدين المستحق لأصحاب المدخرات الذين اكتتبوا في الشهادات المطروحة لصالح القناة، وسداد تكلفة القرض أو ما يسمى بأعباء الدين والتي تزيد عن 40 مليار جنيه.



اقرأ أيضا: تراجع إيرادات قناة السويس للشهر السادس