يستقبل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الإثنين المقبل في واشنطن، الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، والذي سيكون أول القادة العرب الذين يلتقيهم ترامب في البيت الأبيض، بعد القمة العربية في البحر الميت في الأردن، التي عقدت في 29 مارس/آذار الماضي. ومن المقرّر أن يجري الرئيس الأميركي مباحثات في الخامس من إبريل/نيسان الحالي، مع رئيس القمة، العاهل الأردني، الملك عبدالله الثاني، في البيت الأبيض، الذي سيشهد أيضاً لقاء يجمع ترامب مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، منتصف الشهر الحالي.
ومع الأنباء التي أكدت أن الملف الفلسطيني هو ما سيتصدر مباحثات ترامب مع ضيوفه الثلاثة، فإن زخماً خاصاً من المتوقع أن يعرفه هذا الملف، إقليمياً وأميركياً ودولياً. وكان عبدالله الثاني والسيسي وعباس قد عقدوا، على هامش قمة البحر الميت، لقاء ثلاثياً، حضره الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، ووصفته مصادر أردنية ومصرية وفلسطينية بأنه كان تشاورياً، وتنسيقياً، بصدد المباحثات التي سيعقدها الثلاثة تباعاً مع الرئيس الأميركي في واشنطن، والتي علمت "العربي الجديد" أن استئنافاً لعملية المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي سيكون نتيجتها الأهم، وهو ما عمل عليه مبعوث ترامب إلى قمة البحر الميت، جيسون غرينبلات، في لقاءاته مع عباس، ومع وزيري الخارجية المصري، سامح شكري، والأردني، أيمن الصفدي، وهو الذي كان التقى عباس في رام الله، في وقت سابق الشهر الماضي.
يذكر أن البند الأول في "بيان عمّان"، الذي صدر عن أعمال قمة البحر الميت، نص على تأكيد القادة العرب، بعد "مشاورات مكثفة، وحوارات معمقة وصريحة"، بحسب تعبيره، استمرارهم في "العمل على إعادة إطلاق مفاوضات سلام فلسطينية إسرائيلية جادة وفاعلة، تنهي الانسداد السياسي، وتسير وفق جدول زمني محدّد، لإنهاء الصراع، على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية".
وفيما سمع المبعوث الأميركي من عباس، في رام الله والسويمة في منطقة البحر الميت، أن لعودة الجانب الفلسطيني إلى المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، استحقاقات مطلوبة، منها الوقف الكامل لعمليات بناء المستوطنات، وإطلاق سراح الأسرى القدامى، وإعلان حل الدولتين كأساس لهذه المفاوضات، فإن الضغوط التي يتعرّض لها عباس، من مصر خصوصاً، ستأخذه إلى التخفف من هذه الشروط، مع الإعلان للصحافة ووسائل الإعلام عن أسس حل الدولتين، والتمسك بالمبادرة العربية للسلام، من باب أن مثل هذا الكلام للصحافة لا يؤثر على ضرورة "دفع" عملية تفاوض فلسطينية إسرائيلية، تلح عليها إدارة ترامب، لتكون واحدة من إنجازاتها، خصوصاً بعد اكتمال اللقاءات الثلاثة مع السيسي وعبدالله الثاني وعباس. وفي المقابل، تمنح الإدارة الأميركية الجانب العربي "تقليصاً" لعملية الاستيطان، وعد به غرينبلات الرئيس الفلسطيني، وأيضاً غض النظر عن نقل السفارة الأميركية في تل أبيب إلى القدس الشرقية، وذلك عبر توقيع ترامب على مرسوم تأجيل هذا النقل، في يونيو/حزيران المقبل، أي بعد ستة شهور على آخر توقيع للرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، في هذا الخصوص، وهو تقليد دأب عليه رؤساء أميركا، منذ أصدر الكونغرس قراره بنقل السفارة في العام 1995. ولن تتحسس حكومة الاحتلال الإسرائيلية، برئاسة بنيامين نتنياهو، من توقيع ترامب هذا التأجيل، في مقابل "إحياء" عملية تفاوض مع الفلسطينيين، لن تنتهي إلى شيء، وإنما تشيع أجواءً تساعد على إقامة اتصالات عربية أخرى معها.
يذكر أن الضغوط المصرية على عباس من أجل دفعه للعودة إلى المفاوضات، أوحى بها ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية الرسمية عن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، وقوله لغرينبلات إن القاهرة "ستستمر في التواصل مع الشركاء الدوليين الذين لديهم القدرة على حلحلة الأوضاع لاستعادة الزخم والدعم الدولي لاستئناف عملية السلام وتشجيع الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، على العودة إلى المفاوضات". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، المستشار أحمد أبو زيد، عقب لقاء غرينبلات وشكري، إن الطرح المصري للقضية الفلسطينية في لقاء السيسي وترامب سيكون وفق ما تم التنسيق والتشاور حوله فلسطينياً وعربياً، وبناءً على مبادرة السلام العربية. ونوه بما تم الاتفاق عليه مع الجانب الفلسطيني خلال زيارة عباس إلى القاهرة في العشرين من مارس/آذار الماضي، والتي أتت بعد نوع من الفتور بين الرئاستين المصرية والفلسطينية، يعود إلى الدعم الإعلامي والسياسي الكبير الذي تخص به القاهرة المفصول من حركة "فتح"، محمد دحلان. كما أن زيارة عباس القاهرة جاءت بعد تلقيه مكالمة من ترامب، في العاشر من مارس، دعاه فيها إلى لقاء في البيت الأبيض. ومن المقرر أن يغادر وفد فلسطيني خلال أيام إلى واشنطن، لإجراء ترتيبات للقاء المتوقع منتصف إبريل/نيسان الحالي.
وكان عباس قد قال، لوكالة "فرانس برس" بعد عودته إلى رام الله من البحر الميت، إن إدارة ترامب كانت تترقب قرارات القمة العربية، وهي "تفكر جدياً بإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وتريد تفعيل ملفها". وما يبدو من مؤشرات عدة أن هذا "التفعيل" سيتمثل في دفع فريق عباس التفاوضي إلى الجلوس مجدداً مع فريق نتنياهو، الأمر الذي سيكون من فواتير عبد الفتاح السيسي إلى إدارة ترامب، والتي كان لمّح إليها الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، في تصريحات متتالية قبل القمة العربية في البحر الميت.