قمع بيلاروسي وجرائم إسبانية ونفق مكسيكي

16 اغسطس 2020
+ الخط -

"لا أريد أن أفسد فرحة كل الحالمين بالتغيير في بيلاروسيا وما جاورها، لكني أعتقد أن تشبيه الديكتاتور لوكاشينكو بالصرصار ربما كان موفقاً في إغضاب الديكتاتور وحشد الرافضين لفساده واستبداده، لكنه ربما لا يكون موفقاً بنفس القدر في الإطاحة به، إذا أخذنا في الاعتبار التاريخ الطبيعي للصرصار وقدرته المدهشة على التجدد ومقاومة الانقراض".

هكذا كتبت قبل شهرين معلّقاً على تصاعد حركة المعارضة في روسيا البيضاء (بيلاروسيا) على أمل إسقاط حاكمها الأزلي ألكسندر لوكاشينكو في الانتخابات الرئاسية، وهي الحركة التي قادتها السيدة سفيتلانا تيخانوفسكايا، بعد أن قام لوكاشينكو باعتقال زوجها، لأنّ حملته الانتخابية المعارضة أزعجته، فقررت سفيتلانا البالغة من العمر 37 عاماً أن تخوض الانتخابات بدلاً من زوجها المسجون، وانطلقت في البلاد حركة تطالب بسحق الصرصار العجوز الذي يحكم البلاد بيد من حديد منذ عام 1994.

لم يكن تزوير الانتخابات مفاجئاً للكثيرين الذين يعرفون أسلوب لوكاشينكو في الحكم، لكن ما فاجأ الجميع أنّ الغاضبين من التزوير الفاضح الذي أعلن فوز لوكاشينكو بنسبة 80% من الأصوات، لم يكتفوا بالغضب المحسوب أو المكتوم، بل خرج مئات الآلاف منهم إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة لم تشهد البلاد لها مثيلاً، دون أن يخافوا بطش قوات الأمن التي أطلقت عليهم الرصاص الحي والمطاطي وقنابل الغاز وقامت باعتقال الآلاف.

كانت سفيتلانا تيخانوفسكايا قد ذهبت بعد إعلان النتيجة إلى المفوضية العليا للانتخابات لتقديم طعن رسمي في النتائج التي تم إعلانها، فتم اعتقالها لمدة سبع ساعات، وأبلغها رجال الأمن أنّ زوجها المسجون سيتعرض للإيذاء إذا رفضت الإقرار بالنتائج، وأنها إذا استمرت في نشاطها السياسي والإعلامي سيتم اعتقالها، لتترك طفليها دون أب ولا أم، وبعد ساعات من اعتقالها أذاعت وسائل الإعلام الحكومية فيديو لم يتم التحقق من صحته من مصادر مستقلة، تظهر فيه سفيتلانا وهي في حالة مزرية تقرأ من أوراق موضوعة أمامها دعوة للمتظاهرين في الشوارع أن يتوقفوا عن التظاهر ويعودوا إلى بيوتهم.

بعدها ظهر على "يوتيوب" فيديو آخر أكثر درامية تم تحميله على قناة زوجها الرسمية، تعتذر فيه سفيتلانا تيخانوفسكايا لكل من انتخبوها وآمنوا بها، لأنها ستضطر لتركهم في الشوارع ومغادرة البلاد، لأنها يصعب أن تجعل طفليها يعيشان كالأيتام، لتنتشر بعدها أنباء عن قيام قوات الأمن باصطحابها عنوة إلى الحدود الليتوانية، لتطلب اللجوء السياسي في ليتوانيا، التي أعلن وزير خارجيتها أنّ سفيتلانا تعرضت لضغوط لكي تقوم بتسجيل الفيديوهات التي قام إعلام النظام البيلاروسي باستخدامها في حملة مكثفة تحدثت عن هروب سفيتلانا من البلاد، لإقناع المتظاهرين بعدم تعريض أنفسهم للخطر من أجل من لم تستطع الصمود من أجلهم، في حين بدأ بعض المتظاهرين يطالبونها بالبدء في تشكيل حكومة في المنفى تقوم بتنظيم جهود المعارضة ضد لوكاشينكو، وهو ما شكك الكثير من المراقبين في حدوثه، لأن زوجها سيدفع الثمن على الفور.

كتب الصحافي الألماني دانيال بروسلر المراقب للشأن البيلاروسي، مقالاً عن ما جرى، نشرت مجلة "ذا وويك" الأميركية ترجمة له، أشار فيه إلى الآراء التي تذكر الشعب البيلاروسي بأنّ سفيتلانا ليست قائدة مؤهلة للمقاومة، بل هي ربة منزل أصبحت رمزاً بالصدفة، لكنه قال إنّ سفيتلانا ومؤيديها نجحوا بالفعل في تغيير بيلاروسيا، "فبرغم حملات التشويه وإجراءات القمع والمهازل الانتخابية، لا يمكن لأحد أن ينكر أنّ روح المجتمع البيلاروسي استيقظت بشكل لم يكن يتوقعه أحد"، معتبراً أنّ "القمع المجنون الذي أنزله رجال لوكاشينكو بالمتظاهرين يؤكد ما نشرته تقارير متعددة عن خسارته الكبيرة للانتخابات، برغم الدعم الكبير الذي تلقاه من حليفه الأبرز الرئيسي الروسي فلاديمير بوتين، وبرغم صعوبة التحقق من العدد الفعلي للأصوات في ظل سيطرة لوكاشينكو على كل مصادر المعلومات".

في الوقت نفسه يتطلع كثير من الذين أيقظت الانتخابات الأخيرة رغبتهم العارمة في التغيير، إلى أن يساندهم الاتحاد الأوروبي على وجه السرعة، فيقوم بإعادة فرض العقوبات على بيلاروسيا، والتي كان قد تم رفعها في عام 2016 بعد أن قام لوكاشينكو بالإفراج عن المعتقلين السياسيين، ليس لأنهم يعتقدون أنّ خطوة كهذه يمكن أن تحقق التغيير الشامل، بل لأنها يمكن أن تكون وسيلة ضغط لمنع لوكاشينكو من إقامة حمامات دم لمعارضيه الذين لن يغفر لهم أنهم لم يكتفوا بوصفه بالصرصار، بل وحاولوا سحقه أيضاً، ويبدو أن حالة الصدمة التي أحدثها قمع البوليس للمتظاهرين أنست الكثيرين منهم أن الاتحاد الأوروبي أضعف وأحط من أن يعول عليه أحد، لذلك يبقى مصير طاغيتهم في يد بوتين الذي ربما رأى في لحظة ما أنه يحتاج إلى تغييره بواحد من رجال نظامه لكي يقوم بتهدئة جبهة ساخنة على حدوده، وربما رأى أن ذلك التغيير سيشكل سابقة سلبية ربما تؤثر على باقي حلفائه، ليستمر في مساندته حتى آخر متظاهر بيلاروسي.

...

تشهد المدن الإسبانية حالة مفزعة من انتشار الجريمة، بعد بدء تعافيها من حالة العزل الكئيبة التي فرضها انتشار وباء كورونا الجديد، طيلة الأشهر الماضية. هذا ما يحكي عنه تقرير كتبته الصحافية الإسبانية جينفر كريزر، أشارت فيه إلى أنّ مدينة برشلونة كانت تعيش، العام الماضي،موجة عارمة من حوادث السطو في شوارعها، لدرجة أنّ مسؤولين حكوميين من جنوب كوريا كانوا يزورون المدينة في وفد رسمي تعرضوا للسطو المسلح، ولقي أحدهم مصرعه في ذلك الحادث، وحين ضرب وباء كورونا البلاد، وأفرغ شوارعها من السياح الذين كانوا يملأونها ليل نهار، قررت العصابات الإجرامية نقل نشاطها إلى أهالي المدن، لتتكرر حوادث السطو على المارة بشكل يومي دون أن ينجو منها النساء أو كبار السن.

تصف الصحافية المشاركين في عمليات السطو التي تقوم بسرقة المجوهرات والهواتف المحمولة والنقود، بأنهم منظمون ومحترفون ولديهم سجلات إجرامية تجعلهم معروفين للشرطة، لكنهم بسبب غرابة القانون الإسباني وتعديلاته، أصبحوا يتمكنون من الإفلات من العقوبة بسهولة، لأنّ سرقة ما تبلغ قيمته أقل من 475 دولار أميركي تعتبر جنحة، ويتم معاقبة مرتكبها بغرامة مالية صغيرة، وحتى حين يتكرر ارتكابه للسطو والسرقة لا يتم تصعيد العقوبة ضده والتعامل معه بوصفه مرتكب جناية، ولذلك يتحرك أعضاء عصابات السطو في الشوارع بمنتهى الوقاحة دون أن ينشغلوا حتى بتغطية وجوههم.

تفتح الصحافية باب أمل لقرائها حين تشير إلى أن أعضاء عصابات السطو المسلح كانوا قبل وباء كورونا يعتمدون على أن استهدافهم للسياح سيسهل إفلاتهم من العقوبة، لأن ضحاياهم يقومون بمغادرة البلاد سريعاً بعد انتهاء إقامتهم، وأحياناً بعد تعرضهم للسطو المسلح والمهلك للأعصاب والمدمر للمزاج، ولذلك ينجح من يتم القبض عليه من أفراد العصابات في الإفلات من العقوبة لأنّ الضحايا لا يحضرون إلى المحكمة للتعرف عليهم ومواجهتهم أمام القاضي الذي يحتاج طبقاً للقانون إلى تحقق تلك المواجهة لكي يقوم بإدانتهم، ولأنّ الضحايا الجدد أصبحوا من أهل البلد اللابدين فيها، فقد بات بإمكانهم أن يحضروا جلسات المحاكمة ويساعدوا على وضع مهاجميهم خلف القضبان، على أمل أن يحدث ذلك بشكل مكثف يعيد الأمان إلى الشوارع، ليعود السياح من جديد، فلا يجدوا مفاجآت غير سارة تنتظرهم في زخانيق برشلونة.

....

في الوقت الذي لم يتوقف فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولو للحظة، عن تكرار هلاوسه الانتخابية التي تعد باستكمال بناء جداره العازل العملاق الذي سيمنع تدفق المهاجرين من المكسيك إلى الأبد، اكتشفت السلطات الأميركية، الأسبوع الماضي، تحت الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك نفقاً ضخماً ومبهراً في تفاصيل تنفيذه قبل فترة وجيزة من انتهائه وبدء استخدامه.

يبلغ طول النفق 1300 قدم ويبدأ من إحدى مناطق مدينة سان لويس ريو كولورادو في المكسيك وينتهي في مدينة سان لويز في ولاية أريزونا الأميركية، ويبلغ عرضه 3 أقدام وارتفاعه 4 أقدام، ويحتوي النفق على سكة حديدية لتسهيل نقل البضائع المهربة، وأنابيب مياه فضلاً عن إضاءته بالكهرباء، وهو ما يؤكد أن من بنوه محترفون ومتخصصون في بناء الأنفاق، لأنّ الرمل الموجود في المنطقة يجعل من الصعب حفر أنفاق، ولذلك انتهت محاولات سابقة بانهيار الأنفاق على رؤوس حافريها.

تم اكتشاف النفق بالصدفة بعد أن ظهر تجمع لبعض المياه في منطقة قريبة من الجدار العازل، وهو ما لفت انتباه ضباط الأمن، ولولا ذلك لما كانوا قد توصلوا إلى النفق الذي يعلم ترامب وإدارته أنّ من بناه بتلك الكفاءة يمكن أن يبني غيره، إن لم يكن قد بنى عشرات الأنفاق بالفعل، وبالتالي يظل جداره العازل دون جدوى فعلية، سوى نجاحه في إذكاء كراهية أنصاره الذين يبيع لهم وهم كونه منقذ أميركا من الأغيار الذين لن تصبح عظيمة من جديد إلا بعد الخلاص منهم، مع أنّ أميركا لو تخلّصت من المهاجرين الشغيلة والأرزقية، لتوقفت فيها الحياة على الفور، وسيكون مؤيدو ترامب وداعموه أول من سيدفع ثمن ذلك، لكن "هتروح وتقول لمين". 

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.