كشفت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، صباح اليوم الأحد، أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على الرغم من ترديده لاقتراح سلام إقليمي، رفض في العام الماضي، عرضا قدمه له وزير الخارجية الأميركي السابق، جون كيري خلال مؤتمر قمة سري عقد في العقبة بمشاركة نتنياهو والعاهل الأردني الملك عبد الله والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
إلا أن نتنياهو امتنع عن الرد على الاقتراح بحجة أنه لن يستطيع تمريره في ائتلافه الحكومي، مع أن المقترح بحسب هآرتس تضمن أيضا اعترافا بإسرائيل دولة يهودية، واستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين بدعم من الدول العربية.
وبحسب الصحيفة فإن مؤتمر القمة المذكورة، كان أساس التحركات التي تحدثت الصيف الماضي عن انضمام حزب العمل بقيادة هرتسوغ للحكومة الإسرائيلية، بحجة وجود فرصة سياسية لا ينبغي تفويتها.
ووفقا للصحيفة، نقلا عن مصادر في الإدارة الأميركية السابقة، فقد أطلق كيري مبادرته المذكورة في أكتوبر 2015، إثر اندلاع الهبة الفلسطينية في القدس المحتلة، بعد أن تمكن من إعادة الاتفاق التفاهمات بين الأردن وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، بشأن المحافظة على الوضع القائم في المسجد الأقصى المبارك، وشملت أيضا نصب كاميرات مراقبة في المسجد الأقصى، لكن هذه الفكرة لم تطبق في نهاية المطاف.
وأضافت الصحيفة أن نتنياهو كان أعلن في العاشر من نوفمبر 2015، أنه يملك أفكارا جديدة للمفاوضات مع الفلسطينيين، وأن الرئيس السابق باراك أوباما طلب منه بحثها مع الوزير كيري.
وعرض نتنياهو أفكاره على كيري، والتي شملت بالأساس تقديم تسهيلات للفلسطينيين، مقابل ضوء أخضر من الولايات المتحدة للبناء في الكتل الاستيطانية، دون أن يوضح ما إذا كان ذلك يعني الامتناع عن البناء خارج الكتل الاستيطانية الكبرى، لكن ائتلاف نتنياهو في الحكومة وخاصة نفتالي بينت رفض حتى هذه الأفكار.
وفي 24 نوفمبر/تشرين الثاني، وصل كيري للمنطقة ليبلغه نتنياهو أن الأفكار التي سبق وأن عرضها عليه قبل أسبوعين لم تعد قائمة، وهو مأ أثار صدمة لدى كيري.
واجتمع كيري بزعيم المعارضة الإسرائيلية، يتسحاق هرتسوغ، وفحص معه احتمال انضمامه لحكومة نتنياهو، إلا أن الأخير أبلغه أيضا أن فرص إحداث تغيير في سياسة ومواقف حكومة نتنياهو شبح معدومة.
وعلى الرغم من أن كيري غادر المنطقة غاضبا، وألقى بعد ذلك خطابه الشديد اللهجة ضد حكومة نتنياهو، واتهامها بأنها تقود بسياستها الاستيطانية إلى وأد حل الدولتين، إلا أنه عاد في ديسمبر ويناير 2016 إلى بلورة وثيقة ومبادرة جديدة لاستئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، كجزء من مبادرة سلام إقليمية بمشاركة دول عربية.
وتكونت المبادرة الجديدة من ست نقاط أساسية، شبيهة جدا بما تحدث عنه كيري في خطابه الأخير في واشنطن، قبل ثلاثة أسابيع من تسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب لمنصبه.
ونصت هذه المبادئ على:
- حدود دولية آمنة ومعترف بها بين إسرائيل ودولة فلسطينية "قادرة على الحياة"، مع تواصل جغرافي على أساس حدود 67، مع تبادل أراض متفق عليه.
- تطبيق رؤيا قرار التقسيم للأمم المتحدة بإقامة دولتين لشعبين -يهودية وعربية- تعترفان ببعضهما البعض وتلتزمان بضمان الحقوق المتساوية لمواطني كل منهما.
- حل عادل ومتفق عليه وواقعي لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، يتلاءم مع حل الدولتين لشعبين، دون أن يؤثر على الطابع الأساسي لإسرائيل (يهودية).
- حل متفق عليه للقدس، عاصمة للدولتين معترف بها من المجتمع الدولي، وضمان حرية الحركة والوصول إلى الأماكن المقدسة.
- توفير وضمان حلول الاحتياجات الأمنية لإسرائيل، وقدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها بشكل ناجع، وضمان قدرة فلسطين على توفير الأمن لمواطنيها في دولة سيادية منزوعة السلاح.
- إعلان نهاية الصراع والمطالب، بما يمكن تطبيع العلاقات والتعاون الأمني والإقليمي المكثف للجميع وفق المبادرة العربية.
وعرض كيري هذه المبادئ على نتنياهو خلال لقائه به في دافوس في سويسرا بتاريخ 21 يناير/كانون الثاني، واقترح عليه عقد أول لقاء قمة مع كل من العاهل الأردني والرئيس المصري للبحث في سبل تحريك هذه المبادرة.
وفي 31 يناير/كانون الثاني أجرى كيري اتصالا هاتفيا مع أبو مازن، وأطلعه على تفاصيل لقائه بنتنياهو في دافوس، وتقرر أن يعقد مؤتمر القمة في 21 فبراير/شباط في مدينة العقبة الأردنية، وأن يبقى أمر القمة سراً، علما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم يشارك فيها، لكنه التقى كيري قبل عقد القمة بساعات في عمان.
واجتمع كيري على انفراد في العقبة، مع كل من السيسي والملك عبد الله ونتنياهو قبل عقد لقاء القمة، وطلب كيري من السيسي ومن الملك عبد الله تأييد خطته، وإقناع دول عربية إضافية كالسعودية والإمارات العربية بتأييدها.
كما طلب من العاهل الأردني الضغط على الرئيس محمود عباس لاستئناف المفاوضات على أساس المبادرة الأميركية، وأن يقوم السيسي بالأمر نفسه مقابل نتنياهو.
وتنقل الصحيفة عن موظف أميركي رفيع المستوى أن السيسي والملك عبد الله وافقا على طلب كيري، على الرغم من أن المبادرة تحدثت عن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية، مع الإشارة إلى أن السيسي لم يرغب بمواجهة نتنياهو، واقترح على كيري محاولة إقناع نتنياهو وعدم فرض الأمر عليه.
لكن نتنياهو وبحسب الموظف الأميركي، تهرب خلال لقائه بكيري في القمة من إعطاء جواب واضح على هذه المقترحات، وعرض سلسلة من التحفظات مدعيا أن المبادئ مفصلة للغاية، وسيواجه صعوبات في إقناع أعضاء ائتلافه الحكومي بالقبول بها.
وكرر نتنياهو خلال اللقاء الرباعي اقتراحه الذي عرضه على كيري في دافوس، مضيفا أنه على استعداد لنشر تصريح إيجابي بشأن المبادرة العربية، وأن يتم استئناف المفاوضات مع الجانب الفلسطيني، وعقد مؤتمر سلام إقليمي بمشاركة مندوبين عن السعودية والإمارات ودول سنية إضافية.
وعلى الرغم من أن لقاء القمة في العقبة أدى بشكل مباشر في إسرائيل إلى تحريك المفاوضات السرية بين نتنياهو وهرتسوغ، بحيث أعلن هرتسوغ في 15 مايو/أيار أن هناك فرصة إقليمية لتحرك سياسي كبير، إلا أن المحادثات بين هرتسوغ ونتنياهو فشلت كليا، وبدلا من هرتسوغ قام نتنياهو بضم أفيغدور ليبرمان لحكومته في 31 مايو/أيار من العام الماضي.
وأعلن الاثنان، في مؤتمر صحافي مشترك أنهما يؤيدان حل الدولتين، وأن المبادرة العربية تحمل "مركبات إيجابية"، يمكن أن تساهم في المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن شيئا لم يحصل على أرض الواقع على صعيد المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني.