أخيراً، حسم لقاء البيت الأبيض بين الرئيس دونالد ترامب والرجل الثاني في كوريا الشمالية الجنرال كيم يونغ-تشول، بخصوص عقد قمة ترامب – كيم أون في موعدها ومكانها.
نتيجة كانت متوقعة بعد زيارة المسؤول الكوري لنيويورك ثم لواشنطن. معها انتهت لعبة حافة الهاوية وما رافقها من تقلبات بين هبّة باردة وهبّة ساخنة حملت معها مخاطر الحرب. وبذلك انطلقت بداية لاقت الارتياح، ولو المتحفظ عليه عموماً في واشنطن، ليس لأن القمة واعدة بالضرورة، لكن على الأقل لأن "الحوار أفضل من القصف"، ولأن القمة تشكل مدخلاً لتنفيس الأزمة النووية الكورية ووضعها على مسار غير تصادمي، حتى إشعار آخر.
لكن ذلك لم يقلل من الشكوك والتساؤلات التي أثارها هذا التحول السريع: لماذا انسحب الرئيس من القمة قبل أسبوع ليعود إليها بهذه السرعة والحماس؟ هل العودة جدية أم استعراضية؟ وهل الوقت المتبقي يكفي للتحضير لها؟ ثم لماذا حظي الزائر الكوري الذي جاء لتسليم رسالة للرئيس، باستقبال خاص أعقبه لقاء مطوّل في المكتب البيضاوي زاد عن وقته وانتهى بوداع رئاسي متميز؟ وثمة معلومات تقول إن الرئيس هو الذي بادر بدعوة الجنرال كيم شول إلى واشنطن وجرى ترتيب زيارته على عجل.
وفي انتظار تبلور الصورة حول هذه الأمور بعد انعقاد القمة، هناك عدة جوانب صارت واضحة وبما يساعد على استشراف القادم من هذا التطور التاريخي. وفي مقدمتها أن الرئيس ترامب وجد نفسه في النهاية مضطراً إلى التراجع عن خطابه "الناري التدميري"، كما عن مقاربته المبسطة للقمة. "فلا الحرب المكلفة مفضلة" الآن، حسب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، ولا القمة ستكون جلسة لتوقيع عقد. فكان لا مفر أمامه من القبول بالطرح الكوري: الدخول في "عملية" تدريجية لمعالجة الملف النووي الشمالي. أي قبول نهج "التنازل خطوة خطوة"، كما قال الوزير مايك بومبيو في جلسة مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب. و"العملية" صيغة مفتوحة من حيث الوقت وتحتمل المماطلة، كما كشفت "عملية السلام" الفلسطينية الإسرائيلية. وبذلك، سجل الرئيس الكوري الشمالي نقطة رئيسية لصالحه، بصرف النظر عن حقيقة نواياه وعما إذا كان "يفكر فعلاً" في التخلي عن النووي في آخر المطاف أم لا.
في كل الأحوال، انتزع كيم جونغ أون الاعتراف بنظامه، كما بانتسابه إلى النادي النووي الدولي، ولو إلى حين. كما وضع المراقبون الصين في خانة الرابح؛ من باب أن الدخول في هذا المسار التفاوضي ينطوي على احتمال "إزاحة منافس نووي آسيوي من أمامها، كما من طريق مصالحها في المنطقة"، فضلاً عن أنه "يبعد احتمالات الحرب في شبه الجزيرة الكورية وما قد تؤول إليه من تداعيات قد تؤدي إلى وحدة الكوريتين تحت المظلة الأميركية". وثمة من يضيف الوزير بومبيو إلى هذه اللائحة كرابح على حساب المستشار جون بولتون الذي كان غيابه ملحوظاً عن المشهد في البيت الأبيض، في كل ما يتعلق بزيارة المبعوث الكوري الشمالي طيلة 3 أيام.
بذلك، تكون قمة سنغافورة قد تحولت إلى نقطة انطلاق، ليست مرشحة لتسجيل اختراق كبير، ولا مهددة بالفشل الذريع، إلا إذا حصل انقلاب مفاجئ من النوع الذي اعتادت عليه واشنطن في هذا العهد، فهي أول حلقة في المسلسل المفترض أن تتوالى فصوله إلى حين. وفي هذا السياق يطرح السؤال نفسه: لماذا جرى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني الذي كان قد اعتمد الصيغة ذاتها التي ارتضتها الإدارة مع بيونغ يانغ؟
بعد سنغافورة، ينتقل التركيز النووي الأميركي نحو إيران.