بات من الواضح أن قمة العشرين، التي تضم مجموعة الدول الصناعية الكبرى والناشئة في العالم، والمزمع عقدها يومي الجمعة والسبت المقبلين في هامبورغ، تواجه الكثير من التحديات والمهمات المعقدة مع 20 لاعبا مختلفا على المستوى الدولي، نظرا لتعدد الهياكل السياسية والاقتصادية فيها.
ويرى خبراء في الشأن السياسي والاقتصادي الألماني أن الخلاف بين زعماء القمة أمر لا مفر منه، مع اختلاف المصالح بين شركاء من النوع الصعب، كالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي يحاول ليس فقط نسف اتفاقية المناخ فحسب، وإنما أن يكون الرئيس المشاكس الساعي إلى الصف الأول دائما، من دون أي اعتبارات لشركائه، مع تشديدهم على ضرورة عدم عزل أميركا، لأن ذلك سيجعل الوضع معقدا واعتماد أسلوب الحوار جيد كأحد احتمالات النجاح للقمة.
ويبقى التحدي الحقيقي للمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، صاحبة الدعوة، والتي ألفت هذا النوع من القمم، وتعرف جو التخاطب والحيل والاستراتيجيات في التعامل مع نوعية من القادة، أمثال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والأميركي دونالد ترامب، أن تثبت مجددا أنها موجه جيد لهؤلاء الشركاء، وفي الوقت نفسه التركيز على المصالح الألمانية والأوروبية في عدد من الموضوعات الرئيسية التي ستناقشها القمة.
وبالموازاة مع ذلك، يعتقد المراقبون أنه من الواضح أن القمة ستفضي إلى تحالفات جديدة مع الصين والهند، اللتين أدركتا فجأة أنهما بإمكانهما الاستفادة من العولمة، وهذا ما سيعني أن هناك الآن تغييرا في التحالفات، فأوروبا لم تعد إلى جانب الأميركيين، وإنما إلى جانب الصينيين والهنود واليابانيين في مجال السياسة التجارية.
كذلك، يلفت الخبراء إلى أنه، وبعدما كان الشغل الشاغل لزعماء العشرين تعزيز وحماية النمو الاقتصادي العالمي، دخلت عناصر جديدة ومشاكل عالمية هيمنت على القضايا المالية والاقتصادية، بينها البطالة لدى الشباب، وحماية المناخ، والنزوح والهجرة، ومشاركة المرأة ومكافحة الفقر والأمراض والأوبئة، وهذا ما يتطلب من صناع القرار مقاربات مختلفة وجوهرية للوصول إلى حلول أو معالجات منتجة على المدى البعيد. وفي السياق، شددت عليه المستشارة ميركل، في رسالة بالفيديو أمس الأحد، على أن القمة ستناقش ليس النمو فقط، وإنما النمو الاقتصادي المستدام، مضيفة: "يجب أن يكون لدينا إرادة للعمل ووضع يحقق المكاسب لنمو مستدام للجميع، والاهتمام بمواردنا".
وتساءلت ميركل عن "قواعد توزيع الثروة والفئات المستفيدة منها"، قبل أن توضح أنه "ببساطة إذا ما استمرينا فيما كنا نقوم به من قبل، ولم نغير من طريقة عملنا، فإن التنمية على مستوى العالم لن تكون مستدامة ولن تشمل الجميع".
إلى ذلك، يعتبر عدد من السياسيين الألمان أنه "لا بد أن يبقى التركيز على التزام الدول باتفاقات التجارة الحرة والعادلة وفتح أسواق جديدة، بعد أن أعلن ترامب شعاره الشهير "أميركا أولا"، ومعه سيكون من الصعب العثور على قاسم مشترك في هذه المسألة، ناهيك عن الشراكات الاستثمارية في أفريقيا، وعلى زعماء الدول الصناعية والناشئة الأكثر أهمية في العالم لخلق مسار مشترك لمستقبل القضايا العالمية الرئيسية، مع اعترافهم بأنه يبدو أن أول ضحايا الإخفاقات معاهدة المناخ الباريسية التاريخية، وأن مستقبل الكوكب أصبح في خطر".
ويضيف المراقبون أن "على المستشارة أن توضح أن مثل هذا الخرق للقواعد الدولية لا يمكن أن يبقى من دون عواقب، وأن تجعل من معاهدة باريس للمناخ شرطا ملزما للسياسة التجارية المستقبلية، ناهيك عن إصلاح المشاكل الأساسية، منها الاجتماعية والبيئية، والتي تؤثر على نظام التداول الحالي"، وأن "لا تترك النقاش حول الجانب المظلم للعولمة، ومن أنه من الممكن في عالم معولم الحد من الفقر ومكافحة تغير المناخ، واستخدام الموارد الصديقة للبيئة، وإنتاج الطاقة الخضراء، والحد من النزاعات ووضع معايير للمراقبة، منها الاجتماعية ضد استغلال العمال، وهي معايير العمل الأساسية لمنظمة العمل الدولية، ومعايير بيئية لحماية الطبيعة والمناخ والصحة، إضافة إلى الحد من إساءة استخدام السوق والمضاربات ومكافحة الاحتكار، والأمر يحتاج إلى شجاعة سياسية من نوع آخر".
يشار إلى أن مدينة هامبورغ شهدت، أمس الأحد، مظاهرات شارك فيها أكثر من 8 آلاف شخص رغم الطقس الماطر، منها من طالبت بإلغاء القمة، وأخرى بحماية المناخ، إلى تحقيق السلام والتجارة العادلة، علما أن احتجاجات أمس هي الأولى من سلسلة احتجاجات وتجمعات ستشهدها الولاية خلال أعمال القمة نهاية الأسبوع الحالي.