قمة السيسي وأحمد: القلق لم يتبدد والحلول مؤجلة

12 يونيو 2018
تخشى مصر على تأثر أمنها المائي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
الأجواء الإيجابية لزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد للقاهرة، والمرونة الظاهرة في حديثه إلى حد ترديد قسم بعد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعدم الإضرار بحقوق مصر المائية، لم تبدد التوتر والقلق اللذين يخيمان على الأروقة الدبلوماسية والحكومية المصرية المنخرطة في قضية سد النهضة، إذ لم تتطرق المباحثات المطولة على مدار يومين بين السيسي وأحمد إلى أية حلول جذرية لمشكلة فترة الملء الأولى لخزان السد، والتي تمثل العقدة الرئيسية في القضية. غير أن المباحثات تناولت جميع القضايا محل الاهتمام المشترك بين البلدين، بما في ذلك مباشرة مصر دوراً وسيطاً لحلحلة جميع المشاكل العالقة بين إثيوبيا وإريتريا، على خلفية القرار التاريخي لحكومة أديس أبابا أخيراً بتنفيذ اتفاق الوساطة الموقع في الجزائر عام 2000.

وقالت مصادر دبلوماسية مصرية إن الحكومة الإثيوبية الجديدة اتخذت قراراً استراتيجياً بضرورة حل النزاع الحدودي مع إريتريا، لكن لم يتم التواصل بشكل مباشر مع أسمرا حتى الآن بسبب التخوف الإريتري من التفاف إثيوبي على اتفاق الوساطة كما سبق وحدث في عهد رئيس الوزراء الراحل ملس زيناوي، وإن السيسي أبدى رغبته في أن تؤدي مصر دوراً تقريبياً بين البلدين لتفعيل الاتفاق وتطويره.
وكانت الحكومة الإثيوبية قد دعت في بيان لها الأسبوع الماضي أسمرا لتبني نفس الموقف المنفتح إزاء تطبيق الاتفاق بلا قيد أو شرط، والقبول بدعوة أديس أبابا لإحلال السلام في المنطقة، وبعد البيان مباشرة اندلعت أعمال شغب في المناطق الإثيوبية المتاخمة للحدود الإريترية اعتراضاً من بعض القبائل على التوجه الحكومي الجديد، الذي تزامن مع إقالة أبي أحمد لقائد الجيش ومدير الاستخبارات وتعيين مدير جديد للمخابرات ينتمي لقبيلة الأورومو التي ينتمي لها أحمد وتمثل الأغلبية العظمى لسكان العاصمة وإقليمها.




وبحسب المصادر فإن سبل تفعيل الدور المصري للوساطة بين إثيوبيا وإريتريا احتل جانباً كبيراً من مباحثات السيسي وأحمد، بالتوازي مع موضوع آخر مرتبط بإحلال السلام في هذه المنطقة، هو العمل المشترك بين إثيوبيا ومصر على اجتذاب مزيد من الاستثمارات العربية لإثيوبيا، وتحديداً من الإمارات والسعودية. ومن المقرر أن تؤدي مصر، بواسطة استخباراتها التي تدير فعلياً الأعمال الاقتصادية المصرية في هذه المنطقة، دوراً في تسهيل تدفق الاستثمارات الإماراتية وحمايتها، وذلك في إطار تصور إثيوبي أوسع بأن حل أزماتها الإقليمية وفتح المجال العام بالمجتمع المحلي سيؤدي دوراً لجذب الاستثمارات وتحسين الأوضاع الاقتصادية.
وكان للأجواء الإيجابية التي سيطرت على المباحثات دور في استجابة السيسي لطلب أبي أحمد بالإفراج الفوري عن عدد من السجناء الإثيوبيين العالقين في مصر، في قضايا تسلل وهجرة غير نظامية وجنايات، إذ صدر عفو رئاسي بعد تناول الرئيسين الإفطار أمس الأول، تم بموجبه ترحيل 30 إثيوبياً لبلادهم، في إطار جهود يبذلها أحمد للإفراج عن السجناء الإثيوبيين في جميع الدول التي زارها سلفاً وعلى رأسها السودان.
كما تناولت المحادثات دراسة الخطوات العملية لتفعيل المشروع الذي سبق واتفق عليه السيسي مع رئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين لإنشاء منطقة حرة صناعية مصرية في إثيوبيا، على غرار المناطق الحرة الصينية هناك، إذ تم الاتفاق على توسيع أعمال شركة المقاولين العرب الحكومية وكذلك شركة السويدي للكابلات، وكلتاهما تعملان في مجال المقاولات والإنشاءات المعمارية، فضلاً عن دخول عدد من الشركات الحكومية والتابعة لجهات سيادية السوق الإثيوبية في مجالات تصنيع الأخشاب والحديد والصلب والمعادن.
وبحسب المصادر فإن هذه الخطوات تؤدي دوراً مساعداً لحل الأزمة الراهنة بما يحافظ على حقوق مصر، أو على الأقل تخفيف الأضرار المتوقعة من فترة الملء الأول للخزان، الذي ترفض إثيوبيا بشكل قاطع أن تشارك مصر في إدارتها بتحديد نسب الملء أو الفائض ربع السنوي. ولذلك اتفق السيسي وأحمد على ترك هذه التفاصيل الفنية لتناقش بتوسع في الاجتماع التساعي الجديد المقرر في القاهرة الأسبوع المقبل بين وزراء الخارجية والري ومديري الاستخبارات في مصر والسودان وإثيوبيا، بحضور ممثلي المكتب الفني. وسيتم خلال الاجتماع استعراض تقرير اللجنة الفنية المشتركة حول الرد الفني على التساؤلات والملاحظات والاعتراضات التي تساور كلاً من إثيوبيا والسودان على التقرير الفني الاستهلالي الذي لم يحظ بقبول كامل إلا من مصر.

وارتباطاً بذلك، قال مصدر حكومي مصري إن المكتب الاستشاري سيودع خلال ساعات تقريراً برده الكامل على التساؤلات والاعتراضات، مشيراً إلى أن المكتب لا يزال عند رأيه المرضي لمصر بأن الخطوات الإثيوبية لملء السد ستؤثر على أمنها المائي، لكن المكتب لن يقدم مقترحات لتجاوز المشكلة، تاركاً هذه المهمة إلى ما يسمى بـ"المجموعة الوطنية المستقلة للدراسات العلمية" التي شكلت بصورة سرية من 15 عضواً، بواقع 5 ممثلين لكل دولة. وتختص المجموعة بتقديم توصيات علمية لتقريب وجهات النظر بين الدول الثلاث حول عملية ملء الخزان، واستغلال الموارد المائية المشتركة في تنمية الدول الثلاث وفق معايير عادلة، والتأكد من عدم انعكاس عملية ملء الخزان بالضرر على أي طرف.
وكان الاتفاق على تشكيل هذه المجموعة تطويراً لمقترح مصري كانت "العربي الجديد" قد انفردت بنشره في يناير/ كانون الثاني الماضي، ونص على تشكيل لجنة فنية-قانونية لإعادة تحليل اتفاق المبادئ الذي تم إبرامه في مارس/ آذار 2015، وكذلك إعادة تحليل الدراسات الفنية التي تم إنجازها حتى الآن، للمشاركة في صياغة الحلول النهائية التي تضمن لكل طرف حقوقه المائية كاملة، علماً بأن إثيوبيا كانت قد رفضت هذا المقترح من قبل باعتبار أن الاتفاق ليس في حاجة لأي دراسات أخرى، وأن جميع قراراتها تلتزم به.
لكن الإرجاء الدائم لوضع حلول للقضية تضمن عدم الإضرار بمصلحة مصر لا يزال يقلق الدوائر الحكومية في القاهرة، فقمة السيسي وأحمد وكذلك الاجتماع التساعي السابق في أديس أبابا لم يتطرقا بصورة مركزة للخلاف حول ملء الخزان، بل أحيل الأمر إلى اجتماعات لاحقة للتعليق على التقرير الجديد المنتظر من المكتب الاستشاري، وبالتالي تم إرجاء حسم مقترح كانت تداولته اللجنة الفنية لوزراء الري يتضمن أن تشارك مصر في تحديد الكميات التي سيتم تخزينها بشكل ربع أو نصف سنوي قبل فترة الملء الكلي، وأن يكون لها الحق في مراقبة دقة تنفيذ ذلك الجدول، ولا يكون لمصر أو السودان حق تغيير تلك الكميات خلال العام، ولا يكون لهما الحق في طلب وقف ملء الخزان في أي مرحلة.
وتروج وسائل الإعلام المصرية، بتعليمات من الدائرة الخاصة بالسيسي والتي يديرها اللواء عباس كامل، مدير الاستخبارات العامة ومكتب رئيس الجمهورية، لنجاح القمة ومن قبلها الاجتماع التساعي وتعمد لإشاعة جواء إيجابية بشأن قرب التوصل إلى اتفاق يراعي حقوق مصر المائية، وذلك لامتصاص القلق والغضب الشعبي الذي تولد بعد إصدار السيسي الشهر الماضي قانوناً يفتح الباب لمنع زراعة أصناف معينة من الأرز والقصب وباقي المحاصيل المستهلكة لكميات كبيرة من المياه، الأمر الذي أصاب المجتمع بالإحباط من احتمال استسلام النظام للأمر الواقع الذي تحاول إثيوبيا فرضه.
وكان السيسي قد صرح في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي بأنه "لم تكن هناك أزمة من الأساس حول سد النهضة" بعد اجتماع في أديس أبابا مع نظيره السوداني عمر البشير ورئيس الوزراء الإثيوبي السابق هايله ميريام ديسالين، على هامش حضورهم قمة الاتحاد الأفريقي، مخالفاً بذلك كل التصريحات الرسمية المصرية التي أبدى فيها المسؤولون قلقهم وغضبهم من انسداد المسار التفاوضي، وميل الخرطوم لمواقف أديس أبابا، وعدم مراعاتهما المخاوف المصرية من تفاقم الفقر المائي، في ظل استمرار أعمال بناء السد التي وصلت إلى 65 في المائة بحسب المسؤولين الإثيوبيين.