قمة أردوغان وبوتين... مشاريع مشتركة يغذّيها الاستياء من الغرب

09 اغسطس 2016
اللقاء هو الأول بعد نحو عام (كريس ماكغراث/Getty)
+ الخط -

يبدأ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، زيارة رسمية إلى مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، يلتقي خلالها نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء هو الأول بين الجانبين بعد انتهاء التوتر بينهما بالاعتذار الذي تقدم به أردوغان في يونيو/حزيران الماضي، إثر قيام سلاح الجو التركي بإسقاط طائرة روسية في 24 نوفمير/تشرين الثاني 2015، على الحدود السورية ـ التركية. وذلك في محاولة لفتح صفحة جديدة في العلاقات، وسط أجندة متخمة بكثير من القضايا الخلافية، على رأسها الخلاف حول حلّ القضية السورية. وعلى الرغم تأكيد الطرفين رغبتهما بإعادة تطبيع العلاقات، وفتح صفحة جديدة تتجاوز تنسيق العلاقات الاقتصادية، نحو توافقات في الملفات الإقليمية، سواء فيما يخصّ سورية أو النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، إلا أن أحد أهم أسباب التقارب هو علاقة كل من موسكو وأنقرة المتوترة بالغرب عموماً.

في هذا الصدد، ترزح موسكو تحت عقوبات اقتصادية شديدة، كما أن أنقرة لم تتلقّ الدعم المتوقع أثناء خلافها مع موسكو، بل على العكس، تمّ استخدام هذا الخلاف كورقة ضغط غربي ضدها، لتتأزم الأمور بعد الموقف الغربي المتردّد من المحاولة الانقلابية. مع ذلك، فإن تاريخ العلاقات بين روسيا وتركيا، يؤكد أنه مهما كانت العلاقات وثيقة بينهما، إلا أن التحالف يُعدّ أمراً مستبعداً بين منافسين تاريخيين.

في هذا السياق، مرّت العلاقات بين الفريقين، منذ تأسيس الجمهورية التركية في عام 1923، وإعلان الاتحاد السوفييتي إثر انتصار الثورة البلشفية عام 1917، بفترات قصيرة من الصداقة، وفترات طويلة من العداء. وكانت فترة حكم مؤسس الجهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، من أكثر فترات التقارب، بل يمكن أن يطلق عليه "تحالفاً" بين موسكو وأنقرة، استمر بين عام 1920 ولغاية نهاية الثلاثينيات. وذلك، بفعل الدعم السوفييتي الكبير للأتراك، في مقاومة القوى الغربية، إثر هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1918).

تغيّرت الأوضاع مع انتهاء الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، مع بدء توتّر العلاقات في أواخر عهد جوزف ستالين (1922 ـ 1952)، لتبلغ أسوأ مراحلها بانضمام تركيا إلى حلف شمال الأطلسي في الخمسينيات. وظلّت العلاقات متوترة، حتى وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم عام 2002، تخللتها محاولات فاشلة، كان آخرها محاولة رئيس الوزراء التركي السابق، بولنت أجاويد، في السبعينيات، لبناء علاقة أكثر استقراراً مع الاتحاد السوفييتي.




وبموازاة التطور الكبير في العلاقات الاقتصادية الذي شهدته السنوات الأخيرة بين البلدين، والتي كان لها دور حيوي في عودة تطبيع العلاقات بينهما، إلا أن القضية السورية ستكون على رأس المباحثات، وفقاً لما أكده أردوغان في تصريحات لوكالة "تاس" الروسية. وأضاف الرئيس التركي أن "الزيارة ستكون تاريخية وتُشكّل بداية جديدة، ويتم فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجانبين. إن بلدينا لديهما كثير من الأشياء التي يتعاونان فيها"، مشيراً إلى أنه "من دون المشاركة الروسية فإنه من المستحيل إيجاد حلّ في القضية السورية، وعبر الشراكة مع روسيا يمكننا أن ننهي القضية السورية".

تختلف هذه الزيارة عن سابقاتها، تحديداً بما يتعلّق بالقضية السورية، إذ يبدو إن الجانبين باتا مقتنعين تماماً، أن إخراج أي منهما الآخر من سورية، أو تجاوزه، بات أمراً مستحيلاً، تحديداً بعد التقدم الذي حققته قوات المعارضة السورية في كل من حلب وشمال اللاذقية. التقدم الذي كان، في الوقت ذاته، بمثابة ضربة للمحاولات الأميركية ـ الروسية، بتجاوز اللاعبين الإقليميين، كتركيا والسعودية، نحو عقد صفقة مشتركة تنهي الصراع السوري.

من بين الاحتمالات المفتوحة لزيارة أردوغان، صوغ معادلة جديدة، تنجح في حلّ القضية السورية، بالاعتماد على القوى الإقليمية الثلاث (إيران وتركيا والسعودية) مع روسيا، على أن تكون مفتوحة على جميع الخطوط. ويتمّ ذلك في ظلّ الدور الأميركي ـ الأوروبي الضعيف على الأرض، الذي يعتمد بشكل أساسي على قوات الاتحاد الديمقراطي (الجناح السوري للعمال الكردستاني)، في انتظار ما سينتج عن زيارة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لأنقرة في 24 أغسطس/آب الحالي.

فضلاً عن سورية، يبدو أن الصراع الأذري ــ الأرميني حول إقليم ناغورنو قاراباخ، الذي شهد تهدئة كبيرة بعد معارك أخيرة اندلعت بين يريفان وباكو، سيكون أحد مواضيع اللقاء، خصوصاً بعد تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو الأخيرة، التي أكد ،خلالها، أنه من الممكن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين أنقرة ويريفان ضمن الشروط الأذرية.

أما على المستوى الاقتصادي، فإن تطبيع العلاقات التركية الروسية جار على قدم وساق، ومن بين المواضيع التي سيتم بحثها أيضاً، إعادة إحياء مشروع "السيل التركي" الذي سيقوم بنقل الغاز الروسي عبر الأراضي التركية إلى أوروبا، على الرغم من الاعتراضات الأوروبية التي قد تعيقه، سواء لناحية رفض بلغاريا له باعتباره لا يمرّ عبر أراضيها، أو رفض الأوروبيين لتحويل تركيا إلى ممر رئيسي للطاقة للقارة.

وأكد نائب صندوق أمن الطاقة الوطني الروسي أليكسيس غريفاج، يوم الأحد، في تصريحات لوكالة "الأناضول"، على أهمية مشروع "السيل التركي"، مشيراً إلى أن "كل من روسيا وتركيا قد يبدآن العمل على البنية التحتية للخط بشكل مشترك، على الرغم من اعتراضات بعض الدول الأوروبية على ذلك". وأضاف غريفاج، أن "بعض السياسيين الأوروبيين قد يعارضون المشروع، لكن ذلك أمر غير مهم، فإن تركيا وروسيا قد تقومان بإنشاء البنية التحتية معاً"، مضيفاً أن "الصفقة المشتركة بين روسيا وتركيا كافية للبدء بالقسم الأولي من المشروع، لكن دمج الخط مع خطوط الطاقة الأوروبية قد يستغرق وقتاً طويلاً. إن اليونان مهتمة بالمشروع، ولكنه قد يلاقي اعتراضاً من رومانيا وبلغاريا، اللتين ستخسران موقعيهما كممر لعبور الطاقة. كما أن الخلاف التركي الأوروبي ـ الأميركي، قد يعيق خطط أنقرة في التحول إلى مركز للطاقة".

وقد استبق الرئيس التركي زيارته موسكو، في لقاء أجراه مع صحيفة "لوموند" الفرنسية، أمس الإثنين، بالتلويح مرة أخرى بإنهاء اتفاق إعادة اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي، في حال لم يلتزم الأخير بما يترتب عليه، خصوصاً بما يتعلق برفع تأشيرة الدخول عن المواطنين الأتراك الراغبين في دخول فضاء شينغن، قائلاً إن "لم يتم تلبية طلباتنا، عندها لن يكون هناك أي إمكانية للاستمرار باتفاقية إعادة اللاجئين".



المساهمون