تنعقد قمة "آسيا أوروبا" (آسيم)، في مدينة ميلانو الإيطالية اليوم الخميس وغداً الجمعة، تحت عنوان أساسي "الأزمة الأوكرانية".
وتعتزم موسكو استغلال المناسبة لإجراء لقاءات مكثفة، في محاولة لفك الحصار المفروض عليها، ليس عبر إحداث شرخ أوروبي، فالأمر مستبعد حدوثه، في ظل تبعية بروكسل (مركز الاتحاد الأوروبي) لواشنطن، إنما عبر إيجاد شركاء جدد، يساعدونها في مواجهة الضغوط الغربية. ويتأكد من ذلك أن اللقاء مع الخصوم ترتيب لا بد منه، لتشابك المصالح وتعقيداتها.
وهكذا، فقد أعلنت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية، في 12 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، أن محادثة هاتفية تمت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ناقشا خلالها التحضير للمفاوضات التي ستتم على هامش قمة "آسيم". فيما أكد مكتب الكرملين الصحافي أن المحادثة جرت بمبادرة من الطرف الألماني.
ونقلت الوكالة نفسها، في 9 أكتوبر، عن مساعد الرئيس الروسي، يوري أوشاكوف، قوله إن "هناك خطط لعديد من اللقاءات مع الزعماء الغربيين في إيطاليا، ومن الواضح أن المسألة الأوكرانية ستكون من أهم المواضيع. ومن غير المستبعد أن يعقد اجتماع يضم ميركل وبوتين ومعهما الرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو".
كما نشر موقع الرئاسة الأوكرانية الرسمي "بريزيدينت غوف يوا"، قول بوروشينكو: "سأتوجه الأسبوع المقبل إلى ميلانو في إيطاليا. يجب أن ألتقي مع بوتين. اللقاء سيكون مع قادة المفوضية الأوروبية ورؤساء دول أوروبية عدة مع الرئيس الأوكراني، ومن الجهة الأخرى رئيس روسيا الاتحادية". في إشارة من بوروشينكو، إلى أن بوتين، يواجه العالم وحيداً. فيما لا يبدو أن الرئيس الروسي يعبأ لذلك، فقد غدت المسافة بين موسكو والغرب أبعد من أن تجسرها لقاءات وابتسامات دبلوماسية أو تؤثر فيها تصريحات شعبوية مهندسة للاستهلاك الإعلامي. وليست أوكرانيا في حال تحسد عليها، فقد انكمش اقتصادها حتى الآن، نتيجة المواجهة، بمعدل تسعة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لا سيما أن الجبهات لم تخمد بعد، بحسب ما نقلته وكالة "تاس" عن رئيس البنك القومي الأوكراني، فاليري غونتاريف.
مجازر على الطاولة
في غضون ذلك، يحذر تقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة من الوضع في أوكرانيا. ويغطي التقرير الأممي الفترة الزمنية من 18 أغسطس/آب حتى 16 سبتمبر/أيلول الماضيين، وهو الأول من نوعه منذ تاريخ الاتفاق على وقف إطلاق النار في الخامس من سبتمبر/أيلول الماضي.
وجاء فيه أن "الهدنة تصبح هشة على نحو متزايد، ففي كل يوم هناك تقارير عن إطلاق نار وقصف واشتباكات. وعلى الرغم من وقوع عدد أقل من الضحايا، إلا أن المدنيين والعسكريين ما رؤء زالوا يسقطون كل يوم". وهناك اتهامات للجيش الأوكراني "بقصف مدفعي عشوائي للأحياء السكنية"، مقابل اتهامات للمقاتلين الانفصاليين "بالاختباء في المواقع المدنية، مما يشكل تهديدا للسكان المحليين".
وفي السياق، فقد أثار خبر اكتشاف مقابر جماعية لقتلى من دونيتسك اتهم الجيش الأوكراني بإعدامهم، ضجة كبيرة. فقد أعلنت وكالة "إيتار تاس" الروسية، في 23 سبتمبر/أيلول الماضي، أن "قوات جمهورية دونيتسك الشعبية اكتشفت في منطقة كومونار مقبرة جماعية، وعثر في وقت لاحق على مقابر أخرى لم تفتح بعد".
ويُذكر تقرير الطب الشرعي أن "النار أُطلقت على رؤوس القتلى من مسافة قريبة". ووفقاً للوكالة نفسها، فإن هذه المنطقة كانت تقع تحت سيطرة المسؤولين الأمنيين الأوكرانيين و"كتيبة المتطوعين" (أيدار) التابعة لوزارة الدفاع الأوكرانية حين وقعت الحادثة. وعلى إثر ذلك، طالبت وزارة الخارجية الروسية والبرلمانيون الروس ومنظمات حقوقية روسية بفتح تحقيق دولي حول هذه الواقعة. فهي وما واكبها من ردود أفعال ودعوات متطرفة سخنت الأجواء بين الانفصاليين وكييف، وكذلك بين موسكو والاتحاد الأوروبي، الذي حاول إعلامه إظهار الأمر على أنه محاولة روسية للتضليل وصرف الأنظار عن دور موسكو في تأزيم الوضع الأوكراني.
وفي حين، يحاول الانفصاليون تصوير الجبهة المجمدة على أنها أشبه بالحدود بين دولتين، نقلت صحيفة "أوكراينسكايا برافدا" الروسية عن رئيس هيئة أركان "عملية مكافحة الإرهاب" الأوكرانية، فلاديسلاف سليزنيوف، قوله إن "الحديث عن اتفاق على الحدود بين الطرفين (الأوكرانيين) سابق لأوانه، ولا وجود له في الواقع. ونحن لن نتزحزح خطوة واحدة عن اتفاقات مينسك، ونتصرف وفقها تماماً". وكان اتفاق لوقف إطلاق النار قد تم توقيعه في مينسك عاصمة روسيا البيضاء في سبتمبر/أيلول الماضي، يقضي أحد بنوده بمنع استخدام الأسلحة فيما يقضي بند آخر بإبعاد الأسلحة من عيار ما فوق 100 ملم إلى مسافة 15 كيلومتراً من خط المواجهة.
وفي تأكيدٍ لعدم ثقة روسيا بسلوك الأوروبيين، نتيجة تبعيتهم للإدارة الأميركية بالدرجة الأولى، تؤكد شركة "غازبروم" أنها لن تضخ إلى أوروبا من الغاز ما يزيد عن الكميات المتفق عليها في العقود، للحيلولة دون تحويل الغاز الفائض من أوروبا إلى أوكرانيا. وعلى هذه الأرضية، نقلت وكالة "ريا نوفوستي" الروسية عن وزارة الطاقة الروسية أن "الطرف الروسي اتفق على موعد المفاوضات الثلاثية مع الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، لضمان أمن نقل الغاز عبر الأراضي الأوكرانية، وأن الجولة المقبلة سوف تجري في 21 أكتوبر/تشرين الأول الحالي في برلين".
إلى ذلك، ينقل موقع "خاركيفودا غوف يوا" الأوكراني، عن بوروشينكو، قوله في 11 أكتوبر/تشرين أول الجاري، " إننا قريبون جداً الآن من تسوية خلاف الغاز مع روسيا الاتحادية. أعتقد وآمل أن نحرز تقدماً كبيراً يوم 17 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، في ميلانو، إذ ستتم مناقشة أمن الطاقة بالإضافة إلى قضايا خطة السلام، والتحقق من ترتيبات مينسك لوقف إطلاق النار".
وهكذا فالمواجهة بين روسيا والغرب مستمرة، في أوكرانيا وخارجها، وعلى جبهات مختلفة، ويستخدم فيها كل طرف ما يملك من أسلحة اقتصادية وسياسية، والإصبع على الزناد.