قليلٌ من العناق

04 ابريل 2015
بالنسبة إليه، لا مكان أفضل للاستكانة من قلبها(عن الإنترنت)
+ الخط -

وضعه الطبيب على صدر أمّه وتعانقا طويلاً. كانت دقائق قليلة قد مرّت على ولادته. كأنه لا يحميه من وحشيّة هذا العالم غير صدرها. في لحظات أُخرى، بدت أكثر تماسكاً. تُقلّب صفحات حياته بحسب الكتب. والأخيرة تنصحُ بوجوب أن ينام الطفل في غرفته. أدركت لاحقاً أنها لطالما أرادت أن يغفو بين ذراعيها. أما بالنسبة إليه، فلا مكان أفضل للاستكانة من قلبها. 

***
 
لا تكفُّ عن الكلام. تبحثُ في هاتفها عن أصدقائها القدامى والجدد وتتحدّث إليهم جميعاً. ليست بخير. والكلام أحياناً ينسيها همّها. ربما تضايقهم. لا بأس. ستعتذر منهم يوماً ما. لكنهم لا يعرفون أنها ما زالت تشعر بالوحدة. تريدُ فقط أن يعانقها أحدهم. ترغب في العثور على نفسها في حضنٍ يعيد إليها توازنها. ولا مانع لديها لو نسيت نفسها هناك لبعض الوقت. تخجلُ من طلب العناق. ربما يضحكون عليها أو يسيؤون فهمها. والمبرّرات ستفقد العناق لذّته. 

***

الناس لا يتعانقون كثيراً. أو أنهم يكتفون بتمثيل تقاليدهم من دون أي مشاعر. فقبلَ ممارسة فعل العناق، علينا التفكير بتأثير الصورة على المحيط. وحتى لو كنا من النوع الذي لا يكترث، قد تتعبنا النظرات بعض الشيء. هنا، نادراً ما لا يحكم الناس على الأفعال، ويحيكون حولها القصص. لا اشتياق وحسب أو حب وحسب أو عناق وحسب. يعيش كثيرون من أجل الحب ولا يتقنوه لأنهم يخافون الممارسة.

قبلَ أشهر قليلة، توصلت دراسة أميركية إلى أن العناق بمثابة "صيدلية للصحة"، إذ يقوي جهاز المناعة ويكافح العدوى ويزيل الإجهاد. دراسات كثيرة أخرى تتحدّث عن أهمية الاحتضان الذي يزيد الشعور بالأمان ويعزز الثقة بالنفس، ويخفف من الشعور بالغضب والوحدة والقلق والخوف، ويساعد على تحسين الذاكرة، ويخفض ضغط الدم. فعندما يحضن أحدهم الآخر، يفرز الجسم هرمون "الأوكسيتوسين" الذي يمنح شعوراً بالدفء والحنان، ما يقوي الرابط بين شخصين ويعزز الثقة المتبادلة.

تقول الطبيبة النفسية فرجينيا ساتير إننا بحاجة إلى أن نتعانق أربع مرات يومياً من أجل البقاء، وثماني مرات يومياً لحفظ أنفسنا، و12 مرّة يومياً للنمو. محظوظون هم الذين عرفوا حاجتهم للعناق، ولم يخجلوا من أن تتلامس قلوبهم. هؤلاء لم يطيلوا البحث في الماورائيات. فقد وجدت فينا المشاعر لنكشفها ونقولها ونفعلها. كما أنها ليست ملكنا وحدنا، بل ملك الآخرين الذين تجمعنا بهم هذه الأحاسيس.

***

لم تقل والدتها أفضل من هذه العبارة: "الحياة قصيرة". بعد وقت طويل، وبعدما قصّر الزمن بعضاً منها، صدقتها. تضع طفلها بين ذراعيها ليغفو بينهما. وهي، تدرك أنها ستطلبُ العناق يوماً ما، لأنها متمسكة بالحياة كما تراها.
دلالات
المساهمون