قلق من تزايد الصمم في إيران

23 نوفمبر 2016
في العالم، أكثر من 360 مليون شخص أصمّ(جيم غينجو/الأناضول)
+ الخط -
في كلّ عام، يولد في إيران ما بين 25 ألفاً و30 ألف طفل مصابين بإعاقات مختلفة. الصمم من تلك الإعاقات التي تحاول الجهات المعنيّة الإحاطة بها. هذه هي الحال في البلاد

نشرت مواقع إيرانية إحصاءات جديدة حول عدد المواليد في البلاد الذين يعانون من الصمم كلياً أو جزئياً، لا يمكن وصفها إلا بالمقلقة. وأفاد رئيس مؤسسة الرعاية الاجتماعية أنوشيروان محسني في تصريحات، أنّ في العام الماضي وحده ولد ثلاثة آلاف طفل إيراني يعانون من هذه المشكلة، من بين مليون و550 ألف مولود جديد في تلك الفترة.

للوهلة الأولى، قد نقول إنّ الرقم ليس كبيراً، لكنّ الأمر ليس كما يبدو بحسب المعنيّين. وقد أوضح محسني أنّه وفقاً لدراسات مؤسسة الرعاية الاجتماعية، فإنّ أربعة في المائة من المواليد الإيرانيين الجدد يعانون من فقدان السمع الكلي أو الجزئي.

وكانت "وكالة مهر للأنباء" قد نقلت عن رئيسة دائرة الوقاية من الإعاقات مينو رفيعي قولها إنّ خمسة آلاف مولود جديد تقريباً يولدون في إيران سنوياً يعانون من الصمم. فقط بعض منهم يُعالجون من خلال عمليات زرع قوقعة.

إلى ذلك، تُطرح أرقام أخرى. فثمّة إشارة إلى أنّ عدد الصمّ في البلاد من كل الشرائح العمرية، يزيد عن 520 ألفاً، فيما تقدّر جهات أخرى العدد بأكثر من مليون.

من جهتها، كانت منظمة الصحة العالمية قد أفادت في تقرير، بأنّ عدد الصمّ في العالم تخطّى العام الماضي 360 مليون شخص. كلّما ارتفع معدّل عمر السكان، كلّما ازدادت مشاكل السمع لديهم. ويمثّل الأطفال 32 مليوناً من المجموع تقريباً. لكنّ المنظمة شدّدت على أنّ أكثر من نصف حالات الصمم هذه، يُمكن تلافيها عبر اتخاذ إجراءات وقائية.

فريدون خليلي هو المدير العام لتجمّع الصمّ والبكم، يعاني من الصمم مذ أبصر النور، لكنّه قادر على قراءة الشفاه والاستجابة والتحدّث. يرأس خليلي هذه المؤسسة غير الحكومية، معتمداً على "تجربتي الشخصية. أمّا هدفي فمساعدة الذين يعانون مثلي"، خصوصاً أنّه يعلم جيداً أنّ أعداد المصابين إلى ارتفاع وأنّ إجراءات التوعية والوقاية باتت ضرورية للغاية. ويلفت بحديثه لـ "العربي الجديد" إلى أنّ "الأفراد المسجّلين في مراكز من هذا النوع ويعانون من صمم جزئي وكلي، يصل عددهم إلى مليون و450 ألفاً في إيران"، مؤكداً ارتفاع الأرقام. يضيف أنّ الذين يقصدون مؤسسته تتخطّى أعمارهم الثامنة عشرة، موضحاً أنّ "ثمّة مراكز خاصة للأطفال، يتعلمون فيها القراءة والكتابة والتفاعل مع من حولهم. أمّا الذين يلجؤون إلى مؤسستنا وما يشبهها، فهم يبحثون عن فرصة عمل أو عن آلية للحصول على تأمين صحي أو على معلومات قد تساعدهم على الاندماج أكثر في المجتمع".

تُعدّ مؤسسة خليلي رابطاً بين الأشخاص الصمّ وبين المؤسسات الأخرى، إذ تعرّفهم على فرص العمل التي يصفها بـ "القليلة". ويعزو السبب إلى "الشروط والمعايير الصعبة". كذلك تؤمّن مؤسسته دروساً في لغة الإشارة وتنظّم حفلات وتجمّعات ورحلات في داخل إيران وخارجها، "وهو ما يساعدهم على تخطّي المشكلات النفسية بصورة رئيسية". ويشير خليلي إلى أنّ الدعم الحكومي لمؤسسات من هذا النوع وإن كان موجوداً، إلا أنّه لم يصل إلى المستوى المطلوب. فالمؤسسات غير الحكومية التي تركّز غالباً على الصمّ من البالغين، تقوم على تبرّعات المؤسسات الخيرية. ويقول: "صحيح أنّ الاهتمام بالأطفال الصمّ مطلوب وضروري، إلا أنّ هؤلاء سوف يتقدّمون في السنّ وسوف يحتاجون حينها إلى خدمات أكبر. ولا يجب أن تقتصر الخدمات على تعليم لغة الإشارة فحسب". ويتابع: "على الرغم من أنّهم قد يتابعون دراستهم ويحصلون على شهادات جامعية، إلا أنّهم قد لا يتمكّنون من العثور على فرص عمل ملائمة. فيضطرون بالتالي إلى قبول الوظائف التي لا تناسبهم وبرواتب أقل، بحسب ما يؤكّد خليلي الذي يشتكي من هذا الوضع ويدعو إلى مزيد من التوعية. "من شأن ذلك أن يؤثّر على طريقة تعامل الآخرين مع هؤلاء الأفراد".

إلى ذلك، لا ينكر خليلي أنّ "خدمات التوعية وكذلك تلك الصحية والتعليمية، باتت أفضل بكثير من السابق. على سبيل المثال، جلسات توعية العائلات التي تضمّ فرداً أصمّ أصبحت مجانية أو شبه مجانية. وهو ما يساعد كثيرين على تخطي بعض المشكلات".

من جهته، يشدّد الطبيب المتخصص في أمراض الأذن، الدكتور محسن جليليان، على "ضرورة التوعية التي تستهدف أفراد المجتمع". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّه "على الرغم من كلّ الوسائل العلاجية المتوفّرة، إلا أنّ المصاب بصمم كلي أو جزئي يعاني من مشكلات كثيرة أخرى". وعن أسباب تزايد الحالات، يجيب أنّ "50 في المائة من الأشخاص يُصابون بالصمم لأسباب وراثية وهو ما يعني أنّه من الممكن تفاديها بالفعل". ويوضح أنّ "المرأة الحامل قد تصاب أحياناً بالتهابات أو أمراض معينة خلال حملها، أو قد تستخدم أدوية تؤثّر سلباً على صحة جنينها، أو قد تضع مولودها مبكراً. هذه كلها عوامل تزيد من احتمال الإصابة بالصمم، بالتالي من الضروري نشر توعية حول المسببات في محاولة لضبط التزايد".

على الرغم من عدم توفّر دراسات وإحصاءات دقيقة وشاملة، إلا أنّ جليليان يقول بارتفاع النسبة في إيران بالمقارنة مع البلدان الأخرى. ويشير على سبيل المثال، إلى أنّ "زواج الأقارب الذي تراجعت نسبته في السنوات الأخيرة، ما زال حاضرا في مناطق معيّنة وهو ما يرفع كذلك نسبة الإصابة بالصمم والبكم أحياناً".

إلى ذلك، يؤكد "وجود اهتمام خاص بالأطفال المصابين في إيران، بالإضافة إلى الخدمات التي تؤمّن للصمّ عموماً. وهو ما يجعل إيران في مصاف الدول المتطورة في هذا المجال".


دلالات