يحفظ السويديون القلقون من ظاهرة تخفّي الأشخاص الذين رُفضت طلبات لجوئهم، اسم منفّذ هجوم الدهس الذي وقع في العاصمة في 15 إبريل/ نيسان الماضي، الأوزبكي رحمات عكيلوف، كدليل على أنّ "كثيرين يعيشون متخفّين بهويات مختلفة".
أثار الحكم القضائي الصادر عن المحكمة الأوروبية في التاسع من يناير/ كانون الثاني الجاري، والقاضي بوقف قرار ترحيل شاب مغربي متّهم بأنّه "تهديد إرهابي محتمل" على الأمن القومي السويدي، جدالاً سياسياً وأمنياً. ومثّل الحكم "ضربة للحكومة السويدية"، بحسب ما يرى الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب ماونوس رانستروب.
منذ سنوات والسويد تعيش هاجس "الإرهاب"، خصوصاً مع تحذير جهاز الأمن السويدي "سابو" من وجود "تهديدات أمنية جدية من قبل أشخاص حضروا إلى البلاد خلال الأعوام الماضية، وما زالوا يعيشون فيها على الرغم من رفض طلبات اللجوء التي تقدّموا بها. كذلك ثمّة أشخاص آخرون حصلوا على حق اللجوء، ويعدّون مهددين للأمن".
وكانت الحكومة السويدية قد تبنّت في عام 2016 ما يسمّى "الاستراتيجية السويدية لمكافحة الإرهاب والعمل على منع تحفيز التطرّف"، في محاولة لـ"متابعة فئات معينة ترى لديها الأجهزة الأمنية احتمالات كبيرة للقيام بأعمال إرهابية في المدن السويدية".
والرجل المغربي المعنيّ بالقرار يقيم في السويد منذ عام 2005، وقد وضعه جهاز الأمن السويدي في عام 2016 في خانة "تهديد الأمن"، طالباً بالاتفاق مع مصلحة الهجرة في استوكهولم ترحيله إلى المغرب. وبعد أخذ وردّ، وجد مجلس الهجرة السويدي في إبريل/ نيسان من عام 2016 نفسه، أنّه "يجب تنفيذ قرار ترحيله إلى المغرب، بناءً على حكم أصدرته محكمة الهجرة". لكنّ المهاجر المغربي الذي لم يُكشَف عن هويّته، لم يتردّد في رفع قضيته أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بحجّة أنّ "ترحيله بناءً على تهم تقول إنه إرهابي محتمل سوف يؤدّي به إلى السجن والتعذيب في بلده". وأتى حكم المحكمة الأوروبية ليشير إلى أنّ "السويد ترتكب خرقاً للبند الثالث في معاهدة حقوق الإنسان الأوروبية التي تتعلق بعدم تعريض أيّ شخص إلى مخاطر التعذيب أو المعاملة المهينة، عبر تسليم المغربي إلى بلاده، نظراً إلى ما يحمله ذلك من مخاطر تعرّضه للتعذيب".
حاولت استوكهولم عبر بحث دبلوماسي تقديم ضمانات حول أنّ "الوضع في المغرب تغيّر لجهة احترام حقوق الإنسان خلال السنوات الماضية"، بيد أنّ قرار المحكمة الأوروبية مثّل انتكاسة للأمن والحكومة السويديَين اللذَين كانا يعوّلان كثيراً على تمرير هذه القضية كنموذج لقضايا تتعلق بآلاف من تراهم الأجهزة "تهديداً للأمن القومي السويدي".
بالنسبة إلى الخبير في شؤون مكافحة الإرهاب على الساحة الأوروبية، من الأكاديمية السويدية للدفاع، ماونوس رانستروب، فإنّ "الحكم الأوروبي سوف يصير عائقاً أمام ما يمكن للسويد اعتماده مع تلك الفئة". وبحسب تصريحات صحافية له غداة صدور الحكم، أكّد أنّ "التهديد الإرهابي المحتمل قضية أوروبية أكبر من السويد"، مضيفاً أنّ "أحداً لا يستطيع أن ينكر هذا التهديد المتزايد خلال السنوات الماضية، لا سيّما مع ارتفاع عدد المصنّفين من قبل جهاز الأمن السويدي. يأتي ذلك في حين تمثّل أوضاع محاكم البلدان الأصلية عقبة كبيرة، على خلفية أحكام بالإعدام المعتمدة وشيوع التعذيب فيها".
وعلى الرغم من أنّ مدير جهاز الأمن السويدي، أندرس توربيرغ، تمنّع عن ذكر أرقام "الإرهابيين المحتملين/ المفترضين" غداة صدور الحكم لوسائل إعلام سويدية، فإنّ وكالة الأنباء السويدية "تي تي" نقلت عن مؤسسات وخبراء متخصصين في القضية أنّه "منذ تزايد عدد المهاجرين واللاجئين خلال السنوات الماضية، ارتفعت أرقام اللوائح ذات الصلة".
في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كانت مصلحة الهجرة السويدية قد أعلنت عن "961 شخصاً أرسلت أسماءهم كمهدّدين محتملين للأمن السويدي" إلى جهاز الاستخبارات. وبالمقارنة مع العام 2014 عندما كان العدد 109 أشخاص، فإنّ العامَين 2015 و2016 شهدا زيادة بنحو 1100 شخص".
يحتجون في استوكهولم بعد رفض طلبات لجوئهم (أتيلا ألتونطش/ الأناضول) |
ويتعاظم خوف السويديين من الهجرة واللجوء مع تزايد التقارير الإعلامية - بعضها مصوّر - التي تنقل أخباراً ذات صلة، من قبيل محاولة الهجوم على رجال شركة بالسكاكين واستهداف مواطنين بعمليات دهس، مثلما حدث في إبريل/ نيسان من العام المنصرم في استوكهولم. كذلك يرتبط الأمر بقلق مجتمعي يثير الشكوك حول طالبي اللجوء. واستناداً إلى تقارير لجهاز الأمن السويدي، فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين رفضت، في نوفمبر/ تشرين الماضي، أن تمنحهم مصلحة الهجرة إقامة على الأراضي السويدية، خصوصاً من طالبي اللجوء، إلى نحو 50 بالمقارنة مع 45 شخصاً في عام 2016 ومع 29 شخصاً في عام 2015.
ولا تبدو أرقام ومعطيات أكاديمية الدفاع السويدية التي تتابع "التطرّف والإرهاب والمخاطر المحدقة بالسويد" أنّها تخفف كثيراً من القلق المرتبط بتهديد "الديمقراطية السويدية". وبحسب الأكاديمية، فإنّ 267 شخصاً وُضعوا "تحت رادار الأجهزة الأمنية"، ومن بينهم أشخاص غادروا إلى سورية والعراق في عام 2012. واستمرّ السفر إلى هذَين البلدَين حتى عام 2016، لتشكّل الفئة العمرية دون 19 عاماً 18 في المائة من المسافرين، والفئة التي يتراوح عمرها بين 20 و29 عاماً 60 في المائة. إلى ذلك، فإنّ متوسط أعمار "المهدّدين المحتملين" هو 26 عاماً، ونسبة الذكور منهم 76 في المائة.
واللافت في واقع "التوجّه نحو التطرف" في المجتمع السويدي هو أنّ "ثلث المعنيين يقيمون في مناطق غوتلاند في جنوب غرب السويد، وربعهم في محافظة استوكهولم، وعشرهم في محافظة أوربرو في وسط البلاد". وتفيد الدراسات الاجتماعية حول خلفية "أصحاب الميول المتطرفة" بمعظمها، بأنّ 70 في المائة من هؤلاء يقيمون في مناطق وتجمعات تعاني من نسب مرتفعة من الجرائم والبطالة، وبأنّ متوسط سفر هؤلاء وإقامتهم في مناطق النزاع المسلحة هو 16 شهراً".
إلى ذلك، وعلى الرغم من نفوذ جهاز الأمن السويدي في ما يخصّ رفض طلبات لجوء بعض الأشخاص، والتزام محكمة الهجرة بإرشاداته الأمنية، فإنّ التقارير الصادرة عن "مصلحة الهجرة" تفيد بأنّ السويد تواجه مشكلة كبيرة في التصرّف حيال المرفوضين. ويبدو أنّ الآلاف من الذين رُفِض منحهم اللجوء يبقون في البلد لفترات طويلة ويعيشون متخفيين. وبعض هؤلاء "لا يُعرف مكانهم أبداً ويصعب تنفيذ ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية"، وفقا لتصريحات زعيمة حزب الاعتدال (يمين وسط) آنا كينبيرغ باترا.