قلق فرنسي من تردي صورة الشرطة.. وتظاهر ضد الاعتداءات

18 مايو 2016
الفرنسيون يتفهمون "سخط" الشرطة (Getty)
+ الخط -


ثمَّة شيءٌ ما تكسَّرَ في العلاقة بين الفرنسيين وشرطتهم، أو ربّما أن شهر العسل بين الشعب الفرنسي وشرطته لم يَدُم طويلاً. وفي محاولة على ما يبدو لترميم العلاقة، نشرت صحيفة "لوباريزيان" اليومية الشعبوية استطلاعاً للرأي، كشف أن 82 في المائة من الفرنسيين يحتفظون بصورة إيجابية عن الشرطة، في حين أن 91 في المائة يتفهمون "سخط" الشرطة بسبب حالة الطوارئ المستمرة والتهديدات الإرهابية والتظاهرات المستمرة ضد قانون الشغل.


الاستطلاع والإشادة يتزامنان مع استعداد نقابات عديدة للشرطة، اليوم الأربعاء، لتنظيم تظاهرات وتجمعات في نحو 60 مدينة فرنسية للتنديد بالاعتداءات التي تتعرض لها من عصابات منظمة مندسّة وسط التظاهرات الطلابية والعمالية، الرافضة لقانون الشغل الجديد، الذي ترفضه غالبية الفرنسيين (نحو 75 في المائة)، والتي تسببت، لحد الساعة، حسب إحصاءات وزارة الداخلية، في جرح 343 شرطياً ودركيّاً في غضون شهرين ونصف شهر من التظاهرات التي لم تتوقف في فرنسا بعدُ.
وفي آخر المواجهات ضد الشرطة، أضرم متظاهرون النار في سيارة للشرطة، اليوم، وخرج منها شرطيان على عجل قرب ساحة الجمهورية في باريس، وذلك خلال تجمع محظور ضد أعمال العنف التي ترتكبها الشرطة، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس". وردد نحو 300 متظاهر "الشرطيون خنازير وقتلة" و"الجميع يكره الشرطة" بعد أن صدتهم قوات الأمن، في وقت سابق، بواسطة الغاز المسيل للدموع في ساحة الجمهورية، حيث نظمت نقابات الشرطة تجمعاً احتجاجاً على "الكراهية ضد الشرطة".
إلى ذلك، تكشف تظاهرات اليوم للشرطة، التي تحظى بتفهم من قياداتها ومن وزيرها، قلقاً من تردّي الصورة الجميلة، عن اندماج الشعب مع شرطته، خاصة بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت باريس، قبل سنة، والتي دفعت متظاهرين فرنسيين، حينها، وبصورة تلقائية، إلى تقبيل أفراد الشرطة ورفعهم على الأعناق. هذه الصورة أصابها شرخٌ، فأصبح المتظاهرون في كثير من التظاهرات يرددون شعار: "الجميع يكره الشرطة".
ولا يجب الذهاب بعيداً لمعرفة هذا التحول، الذي جعل الشرطةَ في وضعية الضحية، كما تريد أن تؤكده مظاهراتُها واحتجاجاتها اليومَ، فقد جاءت قرارات حكومية، بعضها لا يحظى بشعبية، كإصلاح قانون الشغل، وبعضها يَحُدّ من الحريات الفردية ومن حق التظاهر، كقانون الطوارئ، لدفع قطاعات شعبية للتظاهر، وهو ما جُوبِهَ بحالات عنف بوليسي، لعلّ آخرها، والذي انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، فيديو يصوّر أفراداً من الشرطة ينهالون على تلميذ في الخامسة عشرة من عمره، قرب ثانويته، ساقطاً على الأرض، ويكسّرون أنفه. وهي صورة انتقدها وزير الداخلية الفرنسية، برنارد كازنوف، وهو الذي ما فتئ يدافع عن عمل الشرطة الصعب في فترة بالغة الصعوبة، وأصبحت هذه القضية، الآن، في عهدة القضاء.
وليس غريباً أن تحظى "انتفاضة" الشرطة، اليوم، خاصة في باريس، وفي "ساحة الجمهورية"، الشهيرة، والتي يسيطر عليها الشباب، ليلاً، بقراءات مختلفة، فإذا كانت صحفٌ يمينية، كـ"لوباريزيان" و"لوفيغارو" و"لوبنيون"، تتفهم بشكل كامل موقف أفراد الشرطة في التظاهر، وتقدّمهم باعتبارهم الضحية، فإن صحفاً يسارية، كـ"ليبراسيون" و"لومانيتيه"، تحاول مسك العصا من الوسط، فهي تقدّر العمل الصعب الذي ينجزه أفراد الشرطة في هذه الوضعية العصيبة من تاريخ فرنسا (فالشرطة لم تكن مدربة على مواجهة تهديدات إرهابية)، إلا أنها تحمّل القرار السياسي (الحكومة) مسؤولية دفع الشرطة لقمع تظاهرات شعبية سلمية، من أجل نزع المصداقية عن مشروعية المطالب التي تحظى بشعبية كبيرة.