قطر وصبرها الاقتصادي

07 أكتوبر 2017
+ الخط -
من المسلم به أننا نشهد مقاطعة اقتصادية سياسية لا إنسانية لقطر، حسب ما أعلنت عنه دول "التآخي" الخليجي العربي، لتقودنا واقعيا إلى حصار اقتصادي بري، بحري، وجوي، فضائي بكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى.
ولكن، ما الذي جعل قطر تبدي بعض الليونة في الرد؟ حيث أنها لم تتخذ الإجراءات نفسها بحق من حاصرها؟ وما هي المقومات والركائز الاقتصادية التي تجعل من قطر الرجل الذي يصمد في وجه أخوته، صابراً بأذاهم عليه بما لديه من قوة اقتصادية يملكها؟ وما هو الضرر المتلاحق اقتصاديا بهذه الدولة؟
لا يخفى على أحد أن قطر تمتلك ما يسمّى بجهاز قطر للاستثمارات، والذي يعتبر صندوق ثروة سيادية يبلغ حجمه ما يقارب 335 مليار دولار، حيث تأسس هذا الصندوق في عام 2015، ليكوّن مستقبلا اقتصاديا قويا لهذه الدولة.
ومن ناحية أخرى، تتنوع في هذا الصندوق الاستثمارات في مختلف القطاعات المصرفية والعقارية والزراعية والنفط وشركات السيارات وغيرها من الشركات المساهمة العالمية التي توصف بالضخمة.
ومن ناحية أخرى، يحتل هذا الصندوق المرتبة 14 عالميا من حيث القيمة استنادا إلى معهد صناديق الثروة السيادية العالمية، حيث تعتبر قطر من الدول التي عملت وتعمل على توظيف العائدات المالية التي تحققها في استثمارات جديدة.
ولا نستطيع تهميش مرتبة قطر في سوق الصادرات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث أنّ قطر قد صنّفت ثالث أكبر سوق فيها عالميا.
وبالنسبة للمملكة المتحدة، بلغ حجم الاستثمار القطري فيها نحو 35 مليار جنيه إسترليني، وتصب أغلب هذه الاستثمارات في قطاع العقارات، ويرى مطلعون أنّ قطر تملك في المملكة المتحدة أكثر ما تملكه المملكة المتحدة نفسها، وتؤمن لها 30% من احتياجاتها من الغاز الطبيعي.
ولعلنا أيضا لا نستطيع أن نهمش الدور التركي في هذه الأحداث، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم أولية لاستيراد تركيا الغاز الطبيعي المسال من قطر على المدى الطويل، وبشكل منتظم، حسب ما أفادت وكالة الأناضول التركية، بالإضافة إلى أنّه توجد في قطر مئات الشركات التركية، ناهيك عن الدور العسكري الذي تلعبه تركيا في المنطقة والقاعدة العسكرية التركية التي أنشئت في قطر حسب ما أعلن البلدان، ولعل حجم الاستثمارات القطرية في تركيا الذي يقدر بمليارات الدولارات جعل من تركيا منفذاً قطريا للحصول على البضائع المختلفة.
وفيما يتعلق بالعلاقة الاقتصادية القطرية مع دول العالم العظمى، لا بد من أن نذكر الانفتاح الاقتصادي القطري على روسيا، حيث شهد الاستثمار القطري في روسيا تطوّرا ملحوظا منذ عام 2013، وقد تقدر الصفقات القطرية الروسية بمليارات الدولارات، فقد أبرمت قطر صفقات شراء حصص مهمة جدا في الشركات الروسية في القطاعات المتعدّدة، ناهيك عن المنافسة القطرية في السوق الروسي في مجال الغاز.
ويرى مراقبون أنّ ما تستثمره قطر في روسيا قد يلعب دوراً في مجال الاقتصاد والسياسة الروسية إن أرادت قطر تحريك بيادقها الاستثمارية في روسيا.
ولا بد أن نذكر أيضا علاقة قطر بالولايات المتحدة الأميركية التي تشهد تجاذبا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، حيث زاد حجم الاستثمارات والتجارة بين البلدين بشكل ملحوظ، حسب التصريحات المختصة بالشأن الاقتصادي من قبل الطرفين، ناهيك عن القواعد العسكرية الأميركية المتواجدة في قطر. كل ذلك يجعل من قطر شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة الأميركية حسب مراقبين.
وتعتبر قطر أكبر مصدر للغاز الطبيعي في العالم، حيث تبلغ احتياطيات الغاز فيها نحو 14 % من الاحتياطي المكتشف عالمياً، علماَ أن الغاز القطري يأخذ طريق قناة السويس المصرية، للوصول للدول الأوروبية، وإذا ما انضمت مصر في المستقبل إلى الحصار المفروض على قطر من قبل دول الخليج سيؤدي ذلك إلى تغيير مسار الخط الغازي القطري من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما سيؤدي إلى زيادة المسافة ثلاثة أضعاف. وبالتالي زيادة تكلفة النقل للغاز.
يودي ذلك كله بنا إلى السؤال عن مستقبل هذه الدولة، وما تملكه من نقاط قوة تتعدى نقاط ضعفها، وإلى ما سيؤول اليه هذا الحصار، وما هي المواقف والإجراءات الجدية المنتظرة من الدول التي تلعب فيها قطر دورا اقتصاديا لا يستهان به؟
E3ACAAFF-E2CE-40EF-90F5-C02AE62AA4FA
E3ACAAFF-E2CE-40EF-90F5-C02AE62AA4FA
أدهم قضيماتي (سورية)
أدهم قضيماتي (سورية)