على أثر الفاجعة التي وقعت في مشعر منى أوّل من أمس وراح ضحيّتها أكثر من 750 قتيلاً و880 جريحاً، يحاول كثيرون تفسير ما حدث والبحث في الأسباب. وتُوجّه أصابع الاتهام أيضاً إلى قطار المشاعر.
لم تكن تلك المرة الأولى التي يذهب فيها محمد إلى الحج، فهو اعتاد تكرار الأمر من فترة إلى أخرى، على الرغم من منع ذلك بحسب النظام. السعوديون مطالبون بالحصول على تصاريح خاصة للحج، حتى تتاح لهم إقامة الشعيرة مرة كل خمس سنوات، وليس سنوياً كما يفعل البعض.
يقول محمد الذي يرتبط بإحدى حملات الحج، إن "القطار هو سبب كل المشاكل". بالنسبة إليه، تحوّل من وسيلة يُراد منها تيسير تنقل حجاج بيت الله الحرام بين المشاعر، إلى مشكلة بحد ذاته، وذلك على الرغم من أن أعداد الحجاج هذه السنة أقل من الأعوام السابقة.
ويشير محمد إلى أن "بعض الأخطاء التشغيلية بسيط وسخيف"، شارحاً أن "القطار يستغرق دقيقة على أقل تقدير حتى يتوقف بشكل موازٍ للبوابات التي يدخل من خلالها الحجاج. وأحياناً يغادر المسؤول عن تنظيم دخول الحجاج إلى القطار، البوابة من دون وجود بديل عنه". أما المشكلة الأكبر بحسب محمد، فهي أن "وصول الحجاج إلى القطار يستغرق ما بين ثلاث وخمس ساعات، ما يعني أن الحاج يصل إليه منهكاً ومتعباً، بالتالي لا يرغب في الانتظار أكثر قبل ركوب القطار".
ويتحدث محمد عن مشكلة أخرى في إدارة شركة التشغيل الماليزية "براسارانا"، إذ قلّة هم المعنيون الذين يمكن التواصل معهم باللغة العربية. وبعضهم لا يتكلم حتى الإنجليزية، الأمر الذي يوجد صعوبات أخرى على مستوى التواصل مع مشغلي القطار.
إلى ذلك، يأتي مكوث عدد كبير من الحجاج في محطات القطار الداخلية، ليربك حركة تدفّق الحجاج، بحسب محمد، بالإضافة إلى تعطل القطار المتكرر في بعض المحطات، والانتظار لساعة أو اثنتين قبل أن ينطلق من جديد. ويرى أن تأخّر القطار الناتج عن الارتباك في تشغليه، ساهم بشكل كبير في أمرَين، الأول تدافع الحجاج عند بوابات القطار وافتراشهم أرض المحطات بسبب التعب الشديد.
عن حادثة التدافع في مِنى، يقول إنه لم يكن هناك في حينها، "إلا أن أحاديث الحجاج حولها مرعبة. هم يخبرون عن تدافع هائل، ويقولون إنهم حاولوا الدخول إلى المخيمات القريبة، لكن حراسها بأكثريتهم منعوهم من ذلك، وهو ما فاقم مأساة الحجاج. وقد تفهّم البعض الأمر وأدخل الحجاج وقدّم لهم إسعافات أولية". ويشير محمد إلى أن تعطل إحدى سيارات الإسعاف في وسط أحد مسارات التفويج، ساهم في صعوبة السيطرة على التدافع.
ويشدّد محمد هنا على "ارتباك في خطة تفويج الحجاج نفسها، في بعض الحالات". يقول: "أردنا دخول أحد المسارات، فمنعنا، إذ قيل لنا إنه لا يوصلنا إلى وجهتنا. وعندما قصدنا مساراً آخر، قيل لنا إنه خاطئ وعلينا العودة إلى الأول. غضب الحجاج حينها، وعادوا واقتحموا المسار الأول على الرغم من منعهم من الدخول". يضيف أن "هذا الخطأ والارتباك التنظيميين ضيّعا عليهم نحو ثلاث ساعات، ما يعني أن إجهاد الحجاج قد يتضاعف بسبب أخطاء بسيطة في ظاهرها، لكنها قد تقود إلى كوارث وتقوّض الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة لإدارة ملف الحج في كل عام، بصعوباته وتعقيداته.
في السياق نفسه، كان الكاتب السعودي حامد بن عقيل قد لفت إلى أن "ثمّة تحديات مختلفة تواجه المخططين للحجّ كل عام، لا يمكن التعامل معها بالطرق المعتادة، خصوصاً في مسألة تفويج الحجاج والطوافة".
وكتب بن عقيل أن "حادثة التدافع في مشعر منى تعني أننا أمام تحدّ يفرضه علينا الحج كعملية ديناميكية متجددة، وهي العملية التي نعود لممارستها بآلياتنا وخططنا القديمة. ما كان ناجعاً العام الفائت لم يعد نافعاً الآن، بل قد يبدو أحد معوّقات حج هذا العام". يضيف مستنكراً: "لنتخيل أننا ما زلنا نصرّ على أن تكون السقاية للحجاج بذات الأدوات القديمة، أو لنتخيل مثلاً أننا ما زلنا ننقل الحجاج الآن بذات الطرق التي كانت سائدة قبل ربع قرن، أعني عن طريق الباصات التي يقودها أهالي مكة". يتابع: "لا نتصور الاستمرار في استخدام الأدوات القديمة اليوم، فإذا كنا لا نتخيل استخدام أدوات السقاية القديمة أو النقل، فيمكن أن نتخيل أن مؤسسة الطوافة هي إحدى هذه المؤسسات التي لم يعد لها جدوى اليوم". وهي بحسب تعبيره، "أسوأ تلك الأدوات القديمة".
ويشدّد بن عقيل على أن الطوافة كانت "ناجعة في زمن مضى، لكنها منذ سنوات مضت أصبحت غير ذات فائدة بالمعنى الحقيقي للحج والحجيج، بل إن حادثة مشعر منى اليوم تجعلنا نقول بكل ثقة: لا بد من إلغاء مؤسسات الطوافة والبحث عن بديل أكثر فاعلية، كمؤسسة طوافة رسمية مساهمة تخضع لسلطة الدولة بشكل مباشر. أو إيجاد البديل المناسب". بالنسبة إليه، أصبحت مؤسسات الطوافة بشكلها الحالي جزءاً من المشكلة لا من الحل.
ويوضح بن عقيل أن "الحج عملية ديناميكية متجددة كل عام، في ظلها أصبح المترو والجمرات بأدوارها المتعددة والمطاف الجديد، لكننا نكدر كل هذا الجهد الجبار بالإصرار على مؤسسات طوافة تعمل ضد كل هذا المنجز بآلياتها العقيمة واجتهادات أفرادها الذين يسعون للكسب بغض النظر عن الممارسات التي يقومون بها، وهي الممارسات التي بتنا اليوم نرى كارثيتها رأي العين".
اقرأ أيضاً: يوم حزين في الحرم