18 اغسطس 2020
+ الخط -

هناك قطار بات يدهس الجميع في مصر، يتمثل في الزيادات القياسية في أسعار السلع والخدمات، قطار بات يفرم الكل بلا استثناء، بمن فيهم الطبقة الوسطى، وقبلها الطبقة الفقيرة والمعدمة التي أصبحت تواجه صعوبة شديدة في تدبير وجبة غذاء واحدة في اليوم.

والنتيجة أن الأسعار باتت فوق طاقة الجميع، وأن ملايين المصريين أصبحوا يقترضون لشراء الغذاء وسداد كلفة المعيشة، وبعضهم فضّل الستر وغلق الباب على نفسه وأهله دون أن يكون لديه حتى خيار الاقتراض أو التسول لعزة نفسه.

أحدث تلك الزيادات رفع الحكومة المصرية أسعار جميع خطوط مترو الأنفاق في القاهرة بنسب عالية تصل إلى نحو 40%، بدءاً من أمس الاثنين، استجابة لتوجيهات السيسي كما برر أصحاب قرار الزيادة، واليوم، الثلاثاء، سيتم زيادة سعر رغيف الخبر المدعم بشكل غير مباشر عن طريق تخفيض وزنه من 110 جرام إلى 90 جراماً، وزيادة عدد الأرغفة للجوال زنة 100 كيلوجرام إلى 1450 رغيفاً.

وقبلها بأيام تمت زيادة تذاكر القطارات بنسب تبدأ من 30% وحتى 150%، وكذلك زيادة فواتير الكهرباء بدءاً من فاتورة يوليو 2020 بنسبة تبدأ من 19.1% وبمتوسط 30%.

ومع مواصلة زيادة الأسعار، هناك عشرات الأسئلة المتراكمة و"المحتقنة" لدى المصريين التي قد لا تجد لها إجابة محددة، خاصة أن الحكومة ماضية في الزيادات بغضّ النظر عن الظروف الصعبة التي يمرّ بها المواطن، في ظل مخاطر وخسائر كورونا، وتأثر السياحة سلباً بالوباء، وهو القطاع الذي يستوعب نحو 10 ملايين عامل ما بين عمالة مباشرة وغير مباشرة، وتوقف أنشطة البناء 6 أشهر، والتطبيق الصارم لقانون التصالح.

لأنها ببساطة، أي الحكومة، تمتلك العصا الأمنية الغليظة، فالمعترض على تلك الزيادات مصيره معروف، وهو تلفيق عشرات القضايا له، والتهم جاهزة، وأبرزها الانضمام إلى جماعة محظورة، وسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي.
من بين تلك الأسئلة:

1- متى تنتهي موجة زيادة الأسعار المستمرة في مصر منذ 7 سنوات؟

2- هل ستتوقف الزيادات المتواصلة في أسعار السلع الغذائية الرئيسية المرتبطة بمعيشة ملايين الفقراء والمعدمين؟

3- هل سيتوقف قطار زيادة تذاكر مترو الانفاق والقطارات والمواصلات العامة والميكروباص، وحتى التوك توك، وسيلة المواصلات الشعبية التي يرتادها ملايين المصريين؟

4- هل ستتوقف زيادة أسعار الخدمات العامة، خاصة المتعلقة بالمواطن مباشرة، مثل الكهرباء والمياه؟ 

5- هل ستُخفَض فاتورة الغاز المنزلي، خاصة أن مصر باتت تمتلك واحداً من أكبر حقول إنتاج الغاز الطبيعي في منطقة شرق المتوسط وأعلنت الحكومة عدة مرات اكتفاء البلاد من الغاز، بل وتصدير الفائض منه؟ 

6- طيب، تهاوت أسعار النفط في الأسواق الدولية خلال العام الجاري 2020، وخفضت معظم دول العالم أسعار المشتقات البترولية لديها من بنزين وسولار بسبب كورونا، فمتى تُخفَض أسعار الوقود في مصر، أم أن الأسعار تأخذ اتجاهاً واحداً هو الارتفاع، وليس في قاموسها أسماء أخرى مثل الخفض والتراجع والهبوط؟

7- هل سيمرّ عام دون زيادة الحكومة لأسعار السجائر والتبغ؟

8- متى تتوقف الحكومة عن زيادة الضرائب التي باتت تمثل نحو 80% من إيرادات الدولة، وتعتمد أساساً على رواتب موظفي الدولة والجهاز الإداري ودخولهم، علماً بأن نسبة الضرائب من الإيرادات العامة في مصر من أعلى النسب بين دول المنطقة؟

9- هل سيمرّ عام دون زيادة الرسوم الحكومية المفروضة على المواطن عند التعامل مع الجهات والمصالح الحكومية، وخاصة المرور ومصلحة الأحوال المدنية والجوازات والشهر العقاري وتراخيص المباني والمحليات وغيرها؟

10- هل ستوقف زيادة أسعار وفواتير الاتصالات وخدمات الإنترنت؟

الإجابة عن كل هذه الأسئلة السابقة وغيرها بكلمة واحدة، هي لا، فأسعار السلع والخدمات والضرائب والرسوم لن تنخفض، بل ستواصل الزيادة ما دام لدينا حكومة تعمل بمنطق التاجر، لا بمنطق الداعم والمساند للطبقات الفقيرة المعدمة.

بمنطق السمسار الذي همّه الأول جمع كمٍّ من الأموال من جيوب المواطن، لأن ترك سيولة، ولو قليلة، في جيب المواطن، سيفتح عليها باب جهنم من وجهة نظرها.

فالمواطن في هذه الحالة سيبدأ على الفور في السؤال عن حقوقه في ثروة وأصول بلاده، وأين مصير الضرائب التي تُجمَع والتي سيفوق قيمتها هذا العام 964.7 مليار جنيه مقابل 856.616 مليار جنيه بموازنة العام المالي الماضي، بارتفاع 108.161 مليار جنيه بنسبة 12.6%.
ولماذا أُغرِقَت البلاد في قروض خارجية تجاوزت قيمتها 120 مليار دولار خلال سنوات قليلة؟

ومَن الذي أوصلنا إلى أن يصل حجم أعباء الديون المستحقة على البلاد ما يقارب إيرادات الدولة كاملة في عام والبالغة 1.2 تريليون جنيه؟

ولماذا الإصرار على إقامة مشروعات لا تمثّل قيمة مضافة للاقتصاد والمواطن، بل وتمثّل عبئاً على الطرفين؟

المواطن سيواصل طرح تلك الأسئلة الوجودية والمهمة، وفي المقابل لن تتوقف الحكومة عن تطبيق مثل تلك الزيادات في الأسعار، التي باتت روتينية وعادية من وجهة نظرها، ولا تتوقع أي رد عليها، وربما عرف المواطن موعدها مسبقاً.

لكن الأخطر أن تمتد هذه الزيادات لأمور لا تزال تمثل حساسية شديدة للمصريين. مثلاً، تُفرض رسوم وضرائب على إيداعات البنوك، أو تُطبَّق ضريبة استهلاك الوقود التي جُمِّد تطبيقها مؤقتاً بسبب استمرار تهاوي أسعار النفط في الأسواق الدولية، مع استمرار وباء كورونا، ومن الممكن أن ننتقل إلى مرحلة أخرى وأخطر، هي إلغاء مجانية التعليم والصحة ودعم رغيف الخبز وتقليص عدد موظفي الدولة كما تلمح الحكومة من وقت لأخر.

المساهمون