قطارات تونس تخرج عن سككها

12 يونيو 2019
تكررت الحوادث (ناصر تليل/ الأناضول)
+ الخط -

شهدت تونس في السنوات الأخيرة حوادث عدة لخروج قطارات عن سككها وانقلابها، أو تصادمها مع وسائل نقل مختلفة، وهو ما أدى إلى سقوط قتلى ومصابين، وأثار خشية البعض من الركوب فيها.

مرّ أكثر من عامين على الحادثة، لكنّ فاطمة لم تنسَ ذلك اليوم الذي كادت أن تفقد هي وابنتها حياتهما فيه. تعرّض القطار الذي كانتا فيه إلى حادث انزلاق وخروج عن السكة، في طريقه إلى تونس العاصمة. وهو ما تسبب في كسر كتفها، وفي كسور عدة في اليدين والساق اليمنى لدى ابنتها. ولم تحصل فاطمة على أيّ تعويض أو حتى تكفل بمصاريف علاجها هي وابنتها. بدوره، يعاني صالح مرزوقي هو الآخر إلى اليوم من مشكلة في ساقه اليسرى بعد تعرّضه إلى حادث مماثل سنة 2015، عندما خرج قطار عن السكة، بجهة جبل الجلود، قرب العاصمة. ومنذ ذلك الوقت لم يعد صالح إلى الركوب في القطار وفق قوله، لا سيما بعد تعرّضه إلى أكثر من حادث في رحلاته اليومية على القطار في اتجاه عمله.

تكرار حوادث القطارات في فترات متقاربة خلال السنوات الأخيرة حوّل سكك الحديد إلى كابوس يؤرق الركاب، فقد باتت مصدراً يهدد أرواح التونسيين بعد تسجيل مئات الإصابات وعشرات القتلى سنوياً على سكة القطار. وبالرغم من أنّ القطارات كانت من أفضل وسائل النقل وأكثرها أماناً بتشكيلها قطاعاً منظماً يوفر طاقة استيعاب تفوق بكثير وسائل النقل العمومية الأخرى، لكنّها تحولت اليوم إلى أزمة كبيرة بعد تكرار حوادث انقلاب القطارات أو خروجها عن السكة.



في 16 يونيو/ حزيران عام 2015 اصطدم قطار ركاب آتٍ من منطقة قعفور من محافظة سليانة في اتجاه العاصمة، بشاحنة كبيرة ما أدّى إلى وفاة 18 شخصاً وإصابة 98 بجروح متفاوتة الخطورة. حادث أثار حينها الرأي العام الذي طالب بضرورة إصلاح السكك الحديدية وتجهيزها بحواجز على مستوى تقاطعها مع الطرقات، لا سيما أنّ تلك الحواجز تتعرّض إلى أعمال تخريبية غالباً. أدى اصطدام قطار آخر بسيارة أجرة في إحدى المناطق بمحافظة جندوبة الشمالية إلى مقتل 5 أشخاص عام 2016. كذلك، أدى حادث آخر في العام نفسه، إلى موت 6 أشخاص من بينهم أربعة من عائلة واحدة، وذلك في اصطدام بين قطار وسيارة في الحمامات بمحافظة نابل. وفي بداية مايو/ أيار الماضي جرى تسجيل خروج قطارين عن السكة في منطقتين مختلفتين، بالضاحية الشمالية للعاصمة. وشهدت منطقة ساقية الزيت بمحافظة صفاقس في 19 مايو حادث اصطدام بين قطار وسيارة صغيرة نتج عنه وفاة ثلاثة أطفال كانوا على متنها وإصابة سائقها بجروح بليغة.

تتكرر الحوادث وتعقبها في كلّ مرة تحركات احتجاجية من الأهالي مطالبين بتأهيل السكك الحديدية وإصلاح الحواجز لتنبيه المارة وأصحاب السيارات. فيما تفتح وزارة النقل تحقيقاً لمعرفة أسباب الحادث، بالرغم من الوعود المتكررة بتجديد السكك الحديدية وصيانة القطارات. ويقع تسجيل خروج قطار عن السكة بمعدّل مرة كلّ شهر على مستوى البلاد بحسب بلاغات وزارة النقل. ويجري تسجيل 100 حادث قطار سنوياً بحسب أرقام الشركة التونسية للسكك الحديدية، وقع أغلبها في تقاطع السكك مع الطرقات. وقد جرى تسجيل 97 حادثاً عام 2014. وفي عام 2015 سجل 76 حادثاً أدت إلى وفاة 20 شخصاً. وفي عام 2016 جرى تسجيل 46 حادثاً أدت إلى وفاة 41 شخصاً ووقوع 108 إصابات.

في هذا الإطار، يشير عصام الفتاتي، الذي يعمل مساعد سائق قطارات، إلى أنّ أغلب الحوادث تقع على مستوى التقاطعات التي تغيب فيها الحواجز والإشارات الضوئية. يتابع لـ"العربي الجديد" أنّ وزارة النقل تخلّت عن المراقب الذي كان مكلّفاً بمراقبة التقاطعات، ومهمته إرشاد السائق خلال اجتيازه التقاطع. على صعيد آخر، يقول إنّ سرعة قيادة القطارات تتسبب في عشرات الحوادث، فمن الصعب امتلاك القدرة على التحكم في قطار يتحرّك بسرعة تفوق 100 كلم في الساعة، والتخفيض من سرعته في وقت وجيز: "السائق لا يتحمّل مسؤولية السرعة لأنّها تعليمات من الشركة حتى يتمكن من إنجاز أكبر عدد من الرحلات في أسرع وقت. ومن الأسباب الأخرى للحوادث، تقادم أغلب السكك الحديدية وعدم تجديدها وصيانتها في العديد من المناطق".



ورد في القانون رقم "74" لسنة 1998 المؤرخ في 19 أغسطس/ آب 1998 المتعلق بالسكك الحديدية، تحديداً في الفصل 45 أنّه "يجب على السائق خلال سير القطار احترام السرعة القصوى المرخص فيها والانتباه المستمر لحالة السكة وإيقاف القطار أو التخفيض من سرعته عند وجود أي عارض على السكة والانتباه للإشارات واحترامها". كذلك، ينص القانون على إجراءات تتعلق بالسلامة أهمّها "إلزامية وضع حواجز عند التقاطعات بين سكة القطار والطريق، مع الإشارة إليها بعلامات مرورية قبل 50 متراً من موقع الحاجز".

يقول كاتب عام الجامعة العامة للسكك الحديدية، المنصف الميموني، لـ"العربي الجديد" إنّ السرعة المفرطة أدت إلى العديد من الحوادث خلال السنوات الأخيرة. يضيف أنّ بعض تلك الحوادث سببها سائقو السيارات أو الحافلات التي لا تحترم إشارات المرور على مستوى التقاطعات. أما في ما يتعلّق بتكرار خروج القطارات عن السكة، فيشير إلى أنّ أحد أسبابه البنية التحتية المتهالكة: "لكن جرت أخيراً عمليات صيانة عدة للسكك الحديدية، مع التنبيه إلى ضرورة حسن اختيار الموظفين الجدد سواء السائقون أو المشرفون على تأهيل السكك". أما الفتاتي فيؤكد ضعف المشرفين على التأهيل لأنّ أغلبهم ليسوا مهندسين أصحاب شهادات عليا في التقنية أو الهندسة بل عمال عاديون.