قضية مسلمي الإيغور بين التسييس والإنسانية
لماذا أصلاً توليهم اهتماماً أو تقتلهم؟ وماذا يضرها لو عاش التركمان والتبت وإقليم هونغ كونغ الراغب في الانفصال؟
إنكم لا تتعاطفون مع المسلمين بقدر تعاطفكم مع الولايات المتحدة التي دخل رئيسها حرباً اقتصادية ابتزازية مع بكين، ولأنّ "الدين أفيون الشعوب"، فقد ظهر اللاعب مسعود أوزيل والله أعلم بنواياه، وظهر الهاشتاغ "الممول"، "الصين بلد إرهابي تقتل مسلمي الإيغور"، وظهرت الصور والفيديوهات والتي بالطبع نشك في تاريخها ومكان وقوعها، مروراً بفرق المونتاج.
ونزيدكم من الشعر بيتاً أنّ الهاشتاغ ظهر بالتزامن مع القمة الإسلامية المصغرة في كوالالمبور، وهي محاولة لإظهار ضعف المنظمة الإسلامية الأم، حتى يلتحق الناس كلهم بالقمة المصغرة..
إذاً القضية مسيسة ودوافع الناس في التعاطف مع مسلمي الإيغور ليست بريئة براءة الذئب من دم سيدنا يوسف، ولا منطقية كحال منتقديها الذين يحكمون العقل قبل القلب ويناصرون طبعاً كل الأقليات التي تتعرض للظلم سواء كانت مسلمة أو مسيحية أو يهودية أو بوذية.. بقي أن نذكركم أخيراً أن الكاتب ليس صينياً ولا شيوعياً ولا اشتراكياً!
إنه كاتب عربي وينطق بالشهادتين، بل ودرس في أعلى الجامعات العربية ومعه في ذلك الموقف أساتذة في حقوق الإنسان وصحافيون وكتاب عرب كبار، من مصر والإمارات وتونس وغيرها من أكبر بلدان المسلمين، وعلى رأسهم كتّاب من "مهد النبوة" التي يفترض أن تكون رأس الحربة في الدفاع عن المسلمين!..
صدق أو لا تصدق إن بعض من المسلمين يدافعون عما تفعله الصين بأقلية مسلمة، ولأسباب أيدلوجية بحتة ويدعون أن الهجوم على الصين مسيس وتقف وراءه قوى تدعمها الولايات المتحدة الأميركية، وعلى رأسها التيار الإسلامي..
صدق أن لاعب أرسنال مسعود أوزيل إخواني وينتمي للتيار الإسلامي وهو جاسوس أميركي استخدمه دونالد ترامب في حربه الاقتصادية ضد الصين، وصدق أن الفنانة إليسا إخوانية ومدعومة من واشنطن في حربها ضد الصين، صدق كل شيء.. لكن دعنا نحسبها بالمنطق ونتحدث بعقلانية كحال أنصار الثورات المضادة الذين غلب على بعضهم النقد الأعمى..
أولاً: حتى لو كانت هناك هجمة ضد الصين والأمر مسيس وقديم، هذا ليس مبرراً لما تفعله الحكومة الصينية ضد الإيغور والفظائع التي حدثت يجب أن تتوقف ويجب محاسبة المسؤول عنها.
لقد وقف العالم بأسره ضد جرائم النازية بحق الأقلية اليهودية، ولا يزال ذلك اليوم المأساوي يخلد إلى يومنا هذا، وهناك دول عربية تعاقب بسبب ما يسمى بحقوق الأقليات المسيحية، وهناك دول تضطهد المسلمين كما في ميانمار كما يحدث للروهينغا. وكل الجرائم ضد الإنسان مدانة.
ثانياً: علينا الفصل بين المواقف السياسية والمواقف الإنسانية.. الإنسانية تقول ما لا ترضاه لنفسك لا يجب أن ترضاه لغيرك.. هل هناك أحد في العالم يتمنى أن يضطهد بسبب دينه أو شكله أو جنسه أو عرقه؟!.. ومن أجل ذلك كانت حقوق الإنسان، فعلى أنقاض مذابح اليهود إبان الحرب العالمية الثانية قامت الأمم المتحدة. وأما السياسة فمصالح وإيديولوجيات ولها أوقاتها وميدانها. فموقف المتعاطفين هنا إنساني لا سياسي.
ثالثاً: الحرب الأميركية الصينية التجارية قديمة، واشتد عودها مع نجاح الرئيس الأميركي دونالد ترامب -المثير للجدل والمطلوب رأسه اليوم من قبل مجلس النواب في فضيحة التجسس الانتخابي-، وكذلك مسألة اضطهاد الإيغور قديمة ومتكررة فلماذا اختار المروجون للهاشتاغ هذا التوقيت إن كان الغرض تسييس القضية فالعام 2016 و2017 كانا شاهدين على عملية اضطهاد مشابهة ضد الروهينغا في ميانمار واتهمت الصين يومها بمناصرة حكومة ميانمار ضد مسلمي الروهينعا.
كان من الممكن جمع القضيتين وضرب الصين سياسياً وذلك أشد عليها من ضربها الآن ومحاولة ابتزازها لأجل حاجة في نفس ترامب، فالذين يقولون باستغلال القضية يغيبون القضية الفعلية وهي اضطهاد أقلية مسلمة، ويجردونها من معناها الإنساني، وما جدوى أن يكسب الإنسان العالم ويخسر نفسه إن كان غرضه في قضية إنسانية سياسياً.
وفي الأخير إذا كانت القضية مسيسة، فإنني أعترف بأنني عميل أميركي وقمت بالمشاركة في هاشتاغ، الصين بلد إرهابي وتقتل مسلمي الإيغور، وذلك لدعم اقتصاد واشنطن، ولكي ينجح الرئيس الأميركي في ابتزاز الصين، وقمت أيضاً مع قوى مسيسة بمشاركة واشنطن في حربها وتشويه صورة الصين.
ما سيق هو ردي الساخر -الذي وجدته مناسباً- على أحد الكتاب العرب المؤيدين للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس النظام السوري بشار الأسد، وهو الأنسب لكل الذين يستكثرون على الإيغور حقهم في تضامن حتى ولو كان مسيساً!