لوّحت روسيا، اليوم الأربعاء، بـ"الرّد على الإجراءات "المعادية" التي اتخذتها بريطانيا بحقّها، حول قضية تسميم الجاسوس الروسي السابق في جنوب إنكلترا سيرغي سكريبال، وعقدت اجتماعاً للسفراء الأجانب، بغياب السفير البريطاني، اتهمت خلاله لندن بالوقوف وراء الحادث، أو الفشل في منعه.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، بعد لقائه مع نظيره الياباني تارو كونو، في طوكيو، وفق ما أوردت "فرانس برس"، "إذا استمرّت الحكومة البريطانية باتخاذ إجراءات معادية لروسيا، فسنردّ انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل".
وحثّ لافروف لندن على "الرّد بهدوء" على الهجوم الذي استهدف، في الرابع من مارس/آذار الحالي، الجاسوس السابق سيرغي سكريبال وابنته يوليا، اللذين لا يزالان في حالة حرجة.
وتقول بريطانيا، إنّ روسيا وحدها لها القدرة والدوافع والنية للوقوف وراء الهجوم بغاز الأعصاب "نوفيتشوك" الذي بدأ تطويره على ما يبدو في الحقبة السوفياتية.
وعلّق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الاتهامات بأنّها "هراء وتفاهات وكلام فارغ".
وقامت بريطانيا بطرد 23 دبلوماسياً روسياً وأسرهم، أي ما مجمله 80 شخصاً. وقال متحدث باسم رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي، إنّ لندن "تسعى فعلياً" لاتخاذ إجراءات أخرى.
وأمس الثلاثاء، أعلن مدير منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أنّ تحليل عينات تسميم الجاسوس السابق، سيستغرق من أسبوعين إلى ثلاثة.
ولا يزال سكريبال (66 عاماً)، الضابط الروسي السابق الذي باع أسراراً إلى بريطانيا، وانتقل إليها في 2010 في إطار صفقة تبادل جواسيس، في حالة صحية حرجة مع ابنته، بعدما عثر عليهما فاقدي الوعي في سالزبري.
موسكو تتهم لندن
إلى ذلك، قالت موسكو، اليوم الأربعاء، إنّ بريطانيا إما فشلت في حماية الجاسوس الروسي مما تصفه بأنّه "هجوم إرهابي" أو أنّها هي نفسها تقف وراء تسميمه وابنته.
وقال فلاديمير يرماكوف رئيس قسم منع انتشار الأسلحة في وزارة الخارجية الروسية، لعدد من الدبلوماسيين الأجانب، إنّ "السلطات البريطانية إما أنّها لم تكن قادرة على ضمان الحماية (...) من مثل هذا الاعتداء الإرهابي على أراضيها، أو أنّها كانت بشكل مباشر أو غير مباشر- وأنا لا أتهم أي شخص بأي شيء هنا- وراء الهجوم على مواطن روسي".
وتابع أنّ "أي استخدام لسم عسكري كان سيقود حتماً إلى وقوع العديد من الضحايا فوراً في موقع التسميم"، مضيفاً "إلا أنّ الصورة في سالزبري مختلفة تماماً".
وفي وقت سابق اليوم الأربعاء، أعلنت السفارة البريطانية في موسكو، أنّ السفير البريطاني لن يحضر اجتماعاً دعت إليه وزارة الخارجية الروسية، لشرح وجهة نظر موسكو، في قضية تسميم سكريبال.
وقالت المتحدثة باسم السفارة البريطانية زينات خانش، لوكالة "فرانس برس"، إنّ "السفير لن يحضر الاجتماع"، مضيفة أنّ السفارة تفكّر في إرسال مسؤول إلى الاجتماع، بدون إعطاء المزيد من التفاصيل.
وقد دعت روسيا، السفراء الأجانب المعتمدين على أراضيها، إلى "لقاء مع المسؤولين والخبراء في الدائرة المكلفة مسائل الحد من انتشار وضبط الأسلحة"، اليوم الأربعاء.
وغاب أيضاً عن الاجتماع، رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في روسيا، الموجود حالياً في الخارج، وتمثّل بنائبه سفين أولوف كارلسون، كما أعلنت الناطقة باسمه لوكالة "فرانس برس".
وفي المقابل، ندّد الكرملين، برفض السفير البريطاني في روسيا، حضور الاجتماع، معتبراً أنّ ذلك يدلّ على أنّ لندن "لا تريد الاستماع لردود" موسكو.
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إنّ "هذا دليل جديد واضح على وضع عبثي يتم فيه طرح أسئلة، لكن بدون وجود أي رغبة في الاستماع إلى الأجوبة".
وكانت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، قد ذكرت أمس الثلاثاء، أنّ الاجتماع يهدف إلى "عرض وجهة نظر روسيا لممثلي الدول الأجنبية، وأن نردّ على أسئلة محتملة، وأن تعرض روسيا أيضاً تساؤلاتها".
وتسبّبت الحادثة بمزيد من التأزم في علاقات روسيا بالعديد من دول الغرب، إذ عبّر الاتحاد الأوروبي عن تضامنه مع بريطانيا، وسيتفق القادة، خلال قمة هذا الأسبوع، على "تنسيق التداعيات" لروسيا، بحسب مسودة بيان.
وقال وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أمس الثلاثاء، إنّ الضلوع المفترض لموسكو في التسميم، يظهر أن روسيا "اختارت أن تكون منافساً استراتيجياً".
غير أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، تجنّب الموضوع، عندما هنأ بوتين على إعادة انتخابه، واقترح قمة "في المستقبل غير البعيد".
وردّاً على سؤال، حول ما إذا كان يرى إمكانية لتحسين العلاقات مع روسيا، في أعقاب إعادة انتخاب بوتين لولاية جديدة، قال ماتيس، للصحافيين، إنّه "لطالما كنا مستعدين للتعاون مع روسيا حيث كان ذلك ممكناً".
وأضاف "للأسف اختاروا أن يكونوا منافسين استراتيجيين في الآونة الأخيرة، بشأن ما حصل في المملكة المتحدة"، في إشارة على ما يبدو إلى هجوم سالزبري.
ونبّه ماتيس أيضاً إلى ضمّ روسيا للقرم وتدخلها العسكري في شرق أوكرانيا. وقال ماتيس "اللائحة طويلة".
وقال ماتيس إنّه فيما الولايات المتحدة منفتحة على علاقات أفضل "فإننا نريد الاستقرار، نريد السلام وفي نفس الوقت سندافع عن مؤسساتنا الديمقراطية وجميع أعضاء حلف شمال الأطلسي. نقف متحدين".
وتحادث الرئيسان الأميركي والروسي، هاتفياً، بعد يومين على إعادة انتخاب بوتين لولاية رابعة. ولم يناقش الرئيسان الهجوم بغاز الأعصاب في بريطانيا، بحسب الكرملين والبيت الأبيض.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز "لا أعتقد أنّه تمت مناقشة ذلك في اتصال اليوم (الثلاثاء)".
وسُئل ماتيس ما إذا كانت نتيجة الانتخابات الروسية قد مثّلت مفاجأة له، فأجاب "لا أبداً".
(العربي الجديد)