قضية ريجيني: تهديدات إيطالية بإدراج عبدالغفار في قائمة المتهمين

08 ديسمبر 2018
تعتيم مصري على العصابة التي اتُهمت بقتل ريجيني (Getty)
+ الخط -
تزداد الضغوط الإيطالية على مصر يوماً بعد يوم لكشف حقيقة مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني في القاهرة مطلع العام 2016، وتتواصل الاتصالات بين المدعي العام في روما والنيابة العامة في القاهرة بشأن ضرورة تسليم التحقيقات الخاصة بقضية مقتل أفراد عصابة السرقة التي سبق اتهامها بتعقّب ريجيني وقتله، قبل أن يعلن الطرفان المصري والإيطالي عن استحالة حدوث تلك الرواية وسقوطها من اعتبارات المحققين.

وقالت مصادر قضائية مصرية مطلعة على التحقيقات، لـ"العربي الجديد"، إن إذن تسليم أوراق التحقيق للجانب الإيطالي ليس في يد النائب العام المصري أو وزير العدل، ولكن في يد رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي شخصياً، ووكيله الدائم للتصرف في القضايا الحساسة مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، مضيفة أنه ليس من الوارد حالياً تسليم أوراق هذه القضية، بعدما تعقّدت مجريات التعاون بين البلدين بإعلان المدعي العام الإيطالي إعداد قائمة مشتبه بهم في القضية، من جانب واحد، على خلاف الرغبة المصرية التي أُعلنت أخيراً بشكل رسمي.

وكشفت المصادر أن المدعي العام في روما أبلغ النائب العام المصري بأن قائمة المشتبه بهم لن تقتصر على الضباط الخمسة التي تداول الإعلام الإيطالي أسماءهم أخيراً، وتحدث مصدر لـ"العربي الجديد" عن هوية اثنين منهم وطبيعة عملهما بالتفصيل سابقاً، بل إن القائمة ستتسع لتشمل نحو 8 أسماء أخرى، ربما يكون وزير الداخلية السابق اللواء مجدي عبدالغفار أحدها، والذي أشرف وفقاً للتحريات الإيطالية على إنتاج قصة عصابة السرقة للتغطية على جريمة ضباط جهاز الأمن الوطني أو أي جهة أخرى، المتورطين الحقيقيين في قتل ريجيني.
وأوضحت المصادر أنه من المرجح أن تشمل القائمة أيضاً ضابطاً يدعى محمود الهندي، توصل الإيطاليون بناء على المعلومات اليسيرة التي حصلوا عليها من المحققين المصريين عن قصة عصابة السرقة تحديداً، إلى أنه أشرف على نقل متعلقات ريجيني من المكان الذي كانت موجودة فيه إلى منزل شقيقة قائد عصابة السرقة الذي قُتل هو وأربعة من أقاربه وأصدقائه لاحقاً بنيران الشرطة.

وحول ما إذا كان المدعي العام الإيطالي قد أبلغ القاهرة بمحددات معينة ستحكم وضع وزير الداخلية السابق على القائمة، التي باتت تمثل كابوساً للنظام المصري خشية استغلالها قانونياً على نطاق دولي، ذكرت المصادر أن "المدعي العام الإيطالي ربما يحاول الضغط للحصول على أكبر قدر من المعلومات". وأكدت أن التحقيقات لم تتضمن اسم وزير الداخلية السابق من قريب أو بعيد، وحتى عندما حاول المحققون الإيطاليون خلال لقائهم ببعض الضباط المصريين في العامين الماضيين "رفع" مستوى الاتهام إلى أعلى من مجرد توجيهه لضباط صغار، فإنهم لم يحصلوا على إجابات تحمل قرائن واضحة على ما كانوا يصبون إليه، من تورط وزير الداخلية مباشرة أو حتى علم رئاسة الجمهورية بما حدث.

واستطردت المصادر بأن المدعي الإيطالي يعمل الآن بشكل مستقل على جانبين؛ فهو أولاً يحاول تكوين رواية متماسكة عن الأيام السابقة لمقتل ريجيني، بدءاً من إصدار أوامر من مدير القطاع السابق في جهاز الأمن الوطني اللواء طارق صابر، بمتابعة ريجيني منتصف ديسمبر/كانون الأول 2015 بناء على تقرير رفع له من أحد مساعديه عن أنشطته البحثية، وتواصله مع نقيب الباعة الجائلين محمد عبدالله بمناسبة بحثه عن النقابات المستقلة في مصر، ثم تكليف عبدالله بواسطة ضابط آخر بمسايرة ريجيني وتصويره وتسجيل حديثه. ثم تكليف مسؤول الأمن الوطني في الجيزة العقيد هشام حلمي، بجمع معلومات عن ريجيني ودخول مسكنه في غيابه بتواطؤ من رفيق سكنه المحامي محمد السيد، ثم التنسيق مع جهاز الأمن العام وشرطة المرافق لتعقبه بخطة وضعها رئيس مباحث مرافق العاصمة سابقاً العقيد آسر كمال، وتعقبه شخصياً بواسطة أمين الشرطة المدعو محمود نجم، ثم حين اختفى في محطة مترو الدقي، قبل أن يغيب لمدة 6 أيام ثم إيجاد جثته.


لكن يعتري هذه الرواية عددٌ من الفجوات، فلا يوجد دليل مادي على أن الضباط الخمسة الذين أدرجوا في قائمة الاشتباه هم أنفسهم الذين قبضوا على ريجيني، وهو ما يثير تساؤلات إيطالية قديمة لم تجب عنها النيابة المصرية حتى الآن، عما إذا كانت هناك جهات أمنية أو سيادية أخرى قد تورطت في الأمر، وما إذا كان الأمن الوطني التابع للشرطة قد انتهى دوره فعلياً بمراقبة ريجيني قبل اختفائه ومقتله، وهو ما أكده في التحقيقات مراراً اللواء طارق صابر الذي أحيل إلى التقاعد العام الماضي ولم يعد شرطياً، إذ قال أكثر من مرة إنه أمر بعدم تتبع ريجيني لعدم الأهمية قبل أسبوعين من اختفائه.

أما الجانب الثاني الذي يعمل عليه المدعي الإيطالي، بحسب المصادر المصرية، فهو محاولة الربط بين حادث قتل ريجيني وقتل عصابة السرقة، وهو الجزء الأصعب في القضية، لأن هناك تعتيماً متعمداً من النيابة المصرية على تحقيقات موضوع العصابة، لذلك فالحل المرجح اللجوء إليه هو التوسع في قائمة الاشتباه الخاصة بتلك القضية، في ظل ضعف المعلومات، وعلى أمل تراجع مصر أمام الضغوط.

وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية المصرية قد نشرت مساء الأحد الماضي تصريحات لمصدر قضائي في النيابة العامة المصرية، ذكر فيها أن النيابة المصرية رفضت طلباً مقدماً من نيابة روما بإدراج بعض رجال الشرطة على قائمة ما يسمى في قانون الإجراءات الجنائية الإيطالي "سجل المشتبه بهم"، وذلك لما أبداه الجانب الإيطالي من شكوك في شأن سابقة قيامهم بجمع معلومات عن ريجيني قبل مقتله. وأضاف المصدر، في تصريحاته التي بدت رداً على تصريحات مصادر من نيابة روما تداولتها وسائل الإعلام الإيطالية في الأيام الماضية، أن النيابة العامة المصرية سبق أن رفضت ذلك الطلب الإيطالي خلال الاجتماعات السابقة مع الجانب الإيطالي، باعتبار أن القانون المصري لا يعرف مثل هذا السجل، فضلاً عن خلو التحقيقات التي أجرتها النيابة العامة في مصر وإيطاليا من قرائن قوية.

وأوضح المصدر القضائي المصري، في بيانه، أن الجانبين استعرضا خلال الاجتماع الماضي تساؤلات تتعلق بدخول ريجيني إلى مصر بموجب تأشيرة دخول سياحية من دون التأشيرة اللازمة لقيامه بإجراء أبحاث خاصة برسالة الدكتوراه على النقابات العمالية المصرية المستقلة، وأشار إلى أن الجانب الإيطالي وعد بإجراء تحقيق "متعمق" في هذا الأمر، على أن يتم عرضه خلال الاجتماعات المقبلة بين الجانبين المصري والإيطالي.
وأكد هذا التصريح ما نشرته "العربي الجديد" الأسبوع الماضي، عن اتجاه النيابة المصرية في الاجتماع الأخير الذي تفجر بعده مسلسل الضغوط الإيطالية، إلى تجاهل قصة عصابة السرقة التي اتهمت سابقاً بقتل ريجيني، وحتى قصة تتبع خطوات ريجيني في الساعات السابقة على اختفائه، وأرادت فقط التركيز على ما إذا كانت الدراسات التي أجراها ريجيني أدت به للتعامل مع "أجهزة أمنية أو استخباراتية أجنبية أو منظمات مجتمع مدني ممولة من الخارج لممارسة أنشطة خارجة عن القانون المصري"، وهو المسار الذي اعتبره الجانب الإيطالي عودة إلى المربع الأول، ومحاولة جديدة للتضليل، بحسب مصادر دبلوماسية مصرية.