قضية خاشقجي: ترامب يروّج لنظرية "القتلة المارقين"

16 أكتوبر 2018
وفد التحقيق السعودي يدخل القنصلية عصر أمس (أليف أوزتورك/الأناضول)
+ الخط -
دخلت أميركا أمس الاثنين من الباب العريض لقضية إخفاء الكاتب والصحافي السعودي جمال خاشقجي، وسط رمي الرئيس الأميركي دونالد ترامب إشارات متناقضة في كلامه ربما توحي ببحث أميركي ـ سعودي مشترك لمخرج ينقذ السلطات السعودية من ورطة قتل خاشقجي، وهو ما قد يكون مطلوباً من وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي ينتقل من الرياض إلى أنقرة، حيث سربت السلطات هناك المزيد من المعلومات التي تجزم بقتل الرجل في القنصلية التي دخلها وفد البحث الأمني التركي أمس مساءً، بعد ساعات قليلة من تسريب الرياض ما مفاده بأن الملك سلمان أمر بإجراء "تحقيق داخلي" حول قضية خاشقجي، بما أنه، أي العاهل السعودي، لا يعرف شيئاً عن مصير "مواطننا السعودي" بحسب ما نقل ترامب عنه أمس. واتصل الرئيس الأميركي بالعاهل السعودي، وقال سيد البيت الأبيض بعدها إنه "لا يريد أن يدخل في عقل العاهل لكنه فهم من الملك السعودي أن ما حدث مع خاشقجي قد يكون فعله قتلة مارقون... من يعرف؟". كلام أثار خشية كثيرين من المعلقين الأميركيين، مثل السيناتور كريس مورفي والسفير الأميركي السابق في الرياض، روبرت جوردان، وقد أبديا قلقهما من أن يكون "الملك قد تمكن من إقناع ترامب بالرواية التافهة للقتلة المارقين".

كلام يترجم أكثر من حقيقة واحتمال، أولها أن ترامب أصبح على يقين بأن خاشقجي قُتل بالفعل، أو أن ترامب لم يقتنع ربما بكلام الملك سلمان فقرر إيفاد وزيره لمقابلته فوراً، وثالث الإشارات أن استخدام الرئيس الأميركي مصطلح "قتلة مارقين"، وإرفاق الكلمة تلك بإعلان عن إرسال بومبيو فوراً إلى الرياض ليلتقي الملك سلمان (لم يشر إلى أنه سيلتقي ولي العهد محمد بن سلمان)، ربما يوحي بأن بحثاً مشتركاً بين واشنطن والرياض بدأ لإيجاد صيغة تنجو بموجبها سلطات المملكة من محاسبة رسمية دولية على جريمة القتل، من نوع إيجاد كبس فداء غير رسمي لتحميله مسؤولية الجريمة على طريقة الجناية بحق مجهول. كما نقل ترامب، في تغريدة على "تويتر" أن "الملك أكد تعاون بلاده الوثيق مع تركيا لإيجاد إجابات حول اختفاء خاشقجي"، وذلك بعد يومين من توعد ترامب السعودية، بـ "عقاب شديد" إذا ما ثبت تورطها في اختفاء الصحافي السعودي، وهو ما اعتبرته الرياض "محاولة للنيل منها". وبعد دقائق من تصريحات ترامب وتغريداته، قالت المتحدثة باسم وزراة الخارجية الأميركية هيذر ناورت إن بومبيو سافر إلى الرياض أمس بالفعل وأن "الرئيس دعا إلى تحقيق فوري وعلني في اختفاء جمال خاشقجي". وبعد الرياض، يتوقع أن يزور بومبيو تركيا.

وقبل التطورات الواردة من أميركا، أمر العاهل السعودي النائب العام بفتح تحقيق داخلي في قضية خاشقجي، قبل دقائق من موعد تفتيش القنصلية السعودية في إسطنبول من "قبل فريق تركي فقط" بحسب ما نقل مراسل قناة "الجزيرة" عن مصدر تركي رسمي. وقال مصدر دبلوماسي في أنقرة إن المحققين سيفتشون القنصلية السعودية في إسطنبول بعد ظهر اليوم (أمس) الاثنين. وبالفعل، حوالي الساعة السادسة عصراً بتوقيت إسطنبول، دخلت مجموعة أشخاص مبنى القنصلية السعودية في إسطنبول. وكان مسؤول سعودي، غير مصرح له بالحديث علناً، قد كشف لوكالة "رويترز" أن الملك "أمر النائب العام بفتح تحقيق داخلي في مسألة خاشقجي بناء على المعلومات من الفريق المشترك في إسطنبول". ورد المصدر على سؤال عن متى يمكن أن يصدر النائب العام بيانا عن التحقيق، بالقول إنه تلقى أوامر بالعمل بسرعة. وكان لافتاً رصد عدسات وسائل إعلام أمس دخول كميات كبيرة من مستلزمات التنظيف إلى القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول قبل ساعات من دخول وفد التحقيق إلى مقر القنصلية. وذكر مراسل "الأناضول" أن عشرات الصحافيين وممثلي وسائل الإعلام لاحظوا إحضار العاملين بالقنصلية كميات كبيرة من مستلزمات التنظيف، كانوا يحملونها على عربة يدوية خلال ساعات الظهيرة. وبموازاة دخول الوفد التركي إلى القنصلية، وصل وفد التحقيق السعودي إلى منزل القنصل في إسطنبول، محمد العتيبي، الذي يعتقد أنه شهد فصولاً من جريمة خاشقجي وإخفاء جثته.


والتقى مسؤولون سعوديون وأتراك، أمس، في مديرية أمن إسطنبول، للتحقيق في إطار لجنة التحقيق المشتركة بين البلدين ليكون هذا الاجتماع هو الأول للجنة بعد أسبوعين على وقوع الجريمة. وبحسب المعلومات التي حصل عليها مراسل وكالة "الأناضول"، فإن مجموعة العمل المشتركة التركية السعودية وصلت أمس في الساعة الواحدة من بعد ظهر أمس بالتوقيت المحلي لإسطنبول والقدس المحتلة. وقد استؤنفت أمس التسريبات المنقولة عن المصادر التركية، فقالت وكالة "رويترز" إن مسؤولاً ومصدراً أمنياً تركيين أمس الاثنين أكدا أن السلطات التركية "لديها تسجيل صوتي يشير إلى أن خاشقجي قتل في القنصلية بالفعل".

وعلى صعيد استمرار الضغوط السياسية على الرياض على خلفية الجريمة، قالت مفوضة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، أمس، إن الاتحاد يتوقع من السلطات السعودية إجراء تحقيق شامل، وتعاوناً كاملا مع السلطات التركية، في قضية خاشقجي. جاء ذلك في تصريحات إعلامية لموغريني، نقلها جهاز الخدمة الخارجية للاتحاد الأوروبى على "تويتر" على هامش اجتماع وزراء خارجية الاتحاد في اللوكسمبورغ. وأضافت موغريني: "نتوقع أن يتم الالتزام أيضا بالشفافية والوضوح في تفسير ما حدث (الاختفاء)". كذلك طالبت المتحدثة باسم الحكومة الإسبانية إيزابيل سيلا، بتحقيق شفاف وسريع من قبل الرياض. وأشارت سيلا إلى أهمية حرية الصحافة والتعبير في منظور الدولة الديمقراطية، قائلة: إن "إسبانيا تتشارك مع الدول الأخرى وعلى رأسها دول الاتحاد الأوروبي، القلق، وتريد تحقيقا شفافا وسريعاً". وأكدت على أنّ إسبانيا لا تقبل "التخمينات" المتعلقة باختفاء خاشقجي، قائلة "لنمضي خطوة خطوة". وفي السياق، قال متحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي إن بريطانيا تتوقع أن تقدم الحكومة السعودية رداً تفصيلياً على تساؤلات بشأن اختفاء خاشقجي. وأضاف المتحدث للصحافيين: "نتوقع أن تقدم الحكومة السعودية ردا كاملاً وتفصيلياً".

واستمرت التداعيات المالية لأزمة خاشقجي على اقتصاد السعودية، فتراجع الريال السعودي أمام الدولار الأميركي، في المعاملات الفورية، أمس الإثنين، لأدنى مستوى في 15 شهراً. وبلغ سعر صرف الدولار في التعاملات الفورية اليوم الإثنين، 3.752 ريالات للدولار الواحد، مقارنة مع متوسط 3.75 ريالات للدولار سابقاً.