قضية خاشقجي إلى أين؟
ليست قضية اختفاء الكاتب السعودي جمال خاشقجي وقتله أول حادثة من هذا النوع، ومن الضروري التنقيب عن الجريمة ومعالجة تداعياتها، ومتابعة الأدلة الجنائية التي تظهر وتكشف من يقف خلف هذه العملية الفاضحة والمدويّة، بعيداً عن التشويش والتسريب والتلفيق ونشر المعلومات غير الدقيقة، والكاذبة أحياناً، لكشف الملابسات بشكل صحيح ودقيق أمام الرأي العام العالمي، لأن استهداف الصحافة ورموزها وصحافييها يعتبر بمثابة اغتيال للرأي العام والفكر الحر وحرية التعبير. وهذه الممارسات مدانة ومرفوضة، بغض النظر عن هوية مرتكبها وانتمائه، أو محاولة تسييسها أو استخدامها ورقة ضغط سياسي وإعلامي، أو أن تستعمل ورقة رابحة في ميدان الابتزاز الأمني والاستخباراتي وحتى المالي.
ليست القصة هنا، فقد حدثت جرائم إخفاء وخطف وقتل وسجن وتعذيب عديدة بحق صحافيين وسياسيين وناشطين اجتماعيين، ومع ذلك لم نشهد مثل هذه الموجة من التسريبات الإعلامية، والتحقيقات التلفزيونية، بشأن مسألة خاشقجي، وكذلك الروايات التي تنشر على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، بما يؤدي إلى تضليل الرأي العام وتغييب الحقيقة. ويوحي هذا الاهتمام البالغ وكأن المُراد من استغلال هذه القضية، وطبيعة هذه الشخصية الإعلامية والسياسية والأمنية (جمال خاشقجي) هو استباق التحقيقات الإعلامية عبر تسريب معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة بكثافة غير معهودة، بغرض زرع البلبلة في الرأي العام، وبشكل غير رسمي، لتصبح العربية السعودية مدانة من خلال التركيز على أسلوب ارتكاب الجريمة الذي لم يؤكّده
بعد التحقيق التركي، ونفى وزير خارجية الولايات المتحدة، مايك بومبيو، أنه قد شاهد أو سمع تسريبات مسجلة لها، كما نفت أنقرة إطلاع بومبيو، أو غيره، على تسجيلات أو تسريبات تم السماح بنشرها. وقال وزير العدل التركي إن كل ما ينشر غير صحيح، وإن على الجميع انتظار نتائج التحقيق المهني الذي تقوم به دوائر التحقيق التركية. ولذلك، بدا منذ البداية أن الغرض هو إدانة العربية السعودية، ووصمها بالداعشية، وبأنها تمارس القتل على طريقة داعش من حيث القتل وتقطيع الجثث، في حين لم يخرج أي بيان تركي رسمي واضح وصريح يدين المملكة إدانة صريحة.
مؤسفٌ أن يتم تسخيف قضية الجرائم بحق الإنسانية بهذا الشكل المستفز، من حيث إثارة الضجيج الإعلامي على خلفية مأساة صحافي سعودي يكتب في الصحافة الأميركية. والقضية الآن هي البحث عن الطرف المستفيد من تغييب جمال خاشقجي؟ ولماذا؟ وما هي تداعيات نتائج التحقيقات على كل من تركيا والسعودية، وما هو الموقف الأميركي فيما لو تم تجريم المملكة السعودية وإدانتها؟
المحور الأميركي في مأزق حقيقي، أولا بالنسبة لإسرائيل، لأنها تعتبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الحكم حليفا غير ناضج وغير متزن سياسيا، ويسهم في توريط الجميع في مشكلات. الكل يبحث حاليا عن مخارج لا تضعهم في مأزق، ومحاولة للتبرير والتوضيح والتعديل هم في غنى عن ذلك. وبالنسبة إلى الأميركي، فإن حادثة جمال خاشقجي تكشف النقاب بوضوح عن طبيعة الصراعات الداخلية الأميركية وأبعادها، والتي كان فيها هذا الحادث من أعراضها. من يشن الحملة على السعودية هم من تيار العولمة بزعامة الديمقراطيين الذين يريدون التركيز على الاقتصاد والأسواق والتعاون مع إيران بالعمل على استيعابها ودمجها في السوق العالمي. ومن يدافعون عن السعودية هم أرباب النزعة القومية الأميركية، بقيادة ترامب والجمهوريين، الذين يريدون العودة إلى السياسات السابقة القائمة على الحروب وأولوية العوامل الجيوسياسية على ما عداها، وقد وجد هؤلاء في إلغاء الاتفاق النووي (الديمقراطي) مع إيران ضالتهم المنشودة. كما أن المعركة بشأن قتل خاشقجي جاءت في لحظةٍ قد تكون تاريخية، وهي انتخابات الكونغرس التي سيُقرّر فيها ما إذا كانت الترامبية ستفوز لاحقا أم لن تفوز بأربع سنوات أخرى، وربما أكثر. ويتبين أن هذا الصراع بين القوميين والعولميين هو بمثابة حرب أهلية تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، وقد تتجاوز، في وقت ما، اللعبة الديمقراطية التي لا يستسيغها ترامب. وقد تحدّد حصيلة هذا الصراع مصير أنظمة عديدة في الشرق الأوسط، ستدفع حينذاك أثمان فشلها في العمل على تحقيق وحدة المشرق المتوسطي وسلامه ونهوضه بكل شعوبه ومكوناته. وإذا كانت هذه الأثمان تقاس اليوم بمئات مليارات الدولارات التي تهدر على الحروب والصراعات، وتدخل إلى جيوب الشركات الغربية، فإن هذه الأثمان غداً قد تصبح دموية وتطاول كيانات وأنظمة ودولاً.
لذلك، يبقى السؤال عن مستقبل المملكة السعودية فيما لو تمت إدانتها، أو في حال لم تتم إدانتها، جرّاء الجريمة النكراء على كل الأصعدة المعنوية الإنسانية والرأي الحر، وما هي تداعياتها على المنطقة؟ أم أنها مجرّد تصفيات استخباراتية تبقى ضمن الغرف المغلقة السرية، و"تتلملم"، كما حصل للإمام موسى الصدر، وقصة الطائرة التي سقطت فوق لوكربي في اسكتلندا، وما جرى في بنما عقب احتلالها في ثمانينيات القرن الماضي في عهد إدارة الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، عندما اجتاحت قواته بنما واحتلتها، واعتقلت رئيسها. ومقتل تشي غيفارا في بوليفيا.. والرئيس سلفادور الليندي في تشيلي، واغتيال جون كيندي، وكلها وقائع لم يتم حل لغزها، فهل يكون مصير قضية قتل جمال خاشقجي شبيها بذلك، أم سيكون كرة القدم التي سيتم تقاذفها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا بغرض تحقيق مكاسب وصفقات ومشاريع استثمار، قد نشهد نتائجها وتبعاتها لاحقا؟
ليست القصة هنا، فقد حدثت جرائم إخفاء وخطف وقتل وسجن وتعذيب عديدة بحق صحافيين وسياسيين وناشطين اجتماعيين، ومع ذلك لم نشهد مثل هذه الموجة من التسريبات الإعلامية، والتحقيقات التلفزيونية، بشأن مسألة خاشقجي، وكذلك الروايات التي تنشر على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي، بما يؤدي إلى تضليل الرأي العام وتغييب الحقيقة. ويوحي هذا الاهتمام البالغ وكأن المُراد من استغلال هذه القضية، وطبيعة هذه الشخصية الإعلامية والسياسية والأمنية (جمال خاشقجي) هو استباق التحقيقات الإعلامية عبر تسريب معلومات غير دقيقة أو غير صحيحة بكثافة غير معهودة، بغرض زرع البلبلة في الرأي العام، وبشكل غير رسمي، لتصبح العربية السعودية مدانة من خلال التركيز على أسلوب ارتكاب الجريمة الذي لم يؤكّده
مؤسفٌ أن يتم تسخيف قضية الجرائم بحق الإنسانية بهذا الشكل المستفز، من حيث إثارة الضجيج الإعلامي على خلفية مأساة صحافي سعودي يكتب في الصحافة الأميركية. والقضية الآن هي البحث عن الطرف المستفيد من تغييب جمال خاشقجي؟ ولماذا؟ وما هي تداعيات نتائج التحقيقات على كل من تركيا والسعودية، وما هو الموقف الأميركي فيما لو تم تجريم المملكة السعودية وإدانتها؟
المحور الأميركي في مأزق حقيقي، أولا بالنسبة لإسرائيل، لأنها تعتبر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الحكم حليفا غير ناضج وغير متزن سياسيا، ويسهم في توريط الجميع في مشكلات. الكل يبحث حاليا عن مخارج لا تضعهم في مأزق، ومحاولة للتبرير والتوضيح والتعديل هم في غنى عن ذلك. وبالنسبة إلى الأميركي، فإن حادثة جمال خاشقجي تكشف النقاب بوضوح عن طبيعة الصراعات الداخلية الأميركية وأبعادها، والتي كان فيها هذا الحادث من أعراضها. من يشن الحملة على السعودية هم من تيار العولمة بزعامة الديمقراطيين الذين يريدون التركيز على الاقتصاد والأسواق والتعاون مع إيران بالعمل على استيعابها ودمجها في السوق العالمي. ومن يدافعون عن السعودية هم أرباب النزعة القومية الأميركية، بقيادة ترامب والجمهوريين، الذين يريدون العودة إلى السياسات السابقة القائمة على الحروب وأولوية العوامل الجيوسياسية على ما عداها، وقد وجد هؤلاء في إلغاء الاتفاق النووي (الديمقراطي) مع إيران ضالتهم المنشودة. كما أن المعركة بشأن قتل خاشقجي جاءت في لحظةٍ قد تكون تاريخية، وهي انتخابات الكونغرس التي سيُقرّر فيها ما إذا كانت الترامبية ستفوز لاحقا أم لن تفوز بأربع سنوات أخرى، وربما أكثر. ويتبين أن هذا الصراع بين القوميين والعولميين هو بمثابة حرب أهلية تستخدم فيها كل أنواع الأسلحة، وقد تتجاوز، في وقت ما، اللعبة الديمقراطية التي لا يستسيغها ترامب. وقد تحدّد حصيلة هذا الصراع مصير أنظمة عديدة في الشرق الأوسط، ستدفع حينذاك أثمان فشلها في العمل على تحقيق وحدة المشرق المتوسطي وسلامه ونهوضه بكل شعوبه ومكوناته. وإذا كانت هذه الأثمان تقاس اليوم بمئات مليارات الدولارات التي تهدر على الحروب والصراعات، وتدخل إلى جيوب الشركات الغربية، فإن هذه الأثمان غداً قد تصبح دموية وتطاول كيانات وأنظمة ودولاً.
لذلك، يبقى السؤال عن مستقبل المملكة السعودية فيما لو تمت إدانتها، أو في حال لم تتم إدانتها، جرّاء الجريمة النكراء على كل الأصعدة المعنوية الإنسانية والرأي الحر، وما هي تداعياتها على المنطقة؟ أم أنها مجرّد تصفيات استخباراتية تبقى ضمن الغرف المغلقة السرية، و"تتلملم"، كما حصل للإمام موسى الصدر، وقصة الطائرة التي سقطت فوق لوكربي في اسكتلندا، وما جرى في بنما عقب احتلالها في ثمانينيات القرن الماضي في عهد إدارة الرئيس الأميركي، رونالد ريغان، عندما اجتاحت قواته بنما واحتلتها، واعتقلت رئيسها. ومقتل تشي غيفارا في بوليفيا.. والرئيس سلفادور الليندي في تشيلي، واغتيال جون كيندي، وكلها وقائع لم يتم حل لغزها، فهل يكون مصير قضية قتل جمال خاشقجي شبيها بذلك، أم سيكون كرة القدم التي سيتم تقاذفها سياسيا واقتصاديا وإعلاميا بغرض تحقيق مكاسب وصفقات ومشاريع استثمار، قد نشهد نتائجها وتبعاتها لاحقا؟
دلالات